عزيزي رئيس التحرير يتبادر الى الذهن كثير من التساؤلات حول صدور الشاعر في شعره عن عاطفة حقيقية تمكنه من خلق اجواء حية صادقة بعيدا عن التخيل الفلسفي الذي يذهب رونق اللفظ وجماله, ولذا نجد اختلافا واضحا في الحكم على اقتران الشعر بالعاطفة, ولم يتفق النقاد, والأدباء, وعامة المثقفين على رأي محدد غير ان عبدالرحمن شكري قطع قول كل خطيب وناقد عندما قال: (يا طائر الفردوس ان الشعر وجدان). من خلال ذلك ربما لا يكون ادعاء عندما نقول ان الشعر عاطفة لها مواقفها المختلفة عند الشعراء كل على حسب رؤيته ومكانته, وظروفه التي عاشها, بالاضافة الى البيئة (الواقع) واللغة, لأن الشعر في اللغات كلها له اسلوب خاص, واوضاع وترتيب من الكلام يقبل من الشعراء, ولا يقبل من الكتاب عادة لأن الشعر وجدان في نفوس الشعراء, وهو المظهر لحياة الروح الباطنة التي تعتمد على نشاط الحواس, والمواقف, والظروف المحيطة, ويبرز ذلك جليا في تداعيات الألفاظ وروعة منطقها. وايسر النظر يدلنا على ان الشعر عاطفة, ان الشاعر يرى ان المجتمع الذي يقطنه او العصر الذي يعيش فيه محتاج الى كشف مظاهره, وجوانبه من خلال نظرية الانعكاس الوجداني المتبادل بين الشاعر والمجتمع الذي يمثله ويتمثل به, ووقفة عند بعض النماذج والمواقف الشعرية التي ذكرها الشعراء, او عاشوها وتحدثوا عنها تبين صحة القول بتعدد العاطفة عندهم وفق ظروفهم ومواقفهم. فمثلا العاطفة عند عمرو بن كلثوم تحكي جانبا من قصة الصراع الحربي الذي بات سمة مشتركة بين مجتمعات العصر الجاهلي, ففيها الانفعال نتيجة العاطفة القوية, والحرص على مخاطبة الخصم وابراز (الأنا) القوية في صورتها الجماعية من خلال تأكيد منطق التفرد للقوم, مع عدم اغفال كل ما يتصل بالقوة والعنف والقسوة في الحرب, كما يبرز النزاع المميز بلغة القائد, وسيد القوم. اما العاطفة عند الامير الشاعر خالد الفيصل فهي اشبه بلوحة فنان.. تعكس وجدانا رائعا, وايقاعا راقيا, ونغما حالما, بدد الرتابة وقهر الجمود, واضحت عاطفته المرهفة معبرة من عمق الفكرة وجمال الأسلوب, وروعة السبك, وحسن الانتقاء, ان عاطفته الجياشة عكست تأملا واضحا ابان عن عمق رؤيته وشاعريته المتفردة.. ليس شعرا خياليا جنح به صاحبه بعيدا, ولا افتراضيا تمنى شاعره تحققه ووجوده, انه شعر تجسيمي ان صح التعبير.. جسم العاطفة واحاطها بزخم واسع من اللغة والابداع والثقافة, كل ذلك بلغة الفنان المرهف الذي اراد ان يشعر فغنى, واراد ان يتكلم فترنم. اذا يمكن ان نقول ان الشعر عاطفة, اذ هو فن من فنون الأدب, فيه تعبير صادق عن اصالة الأمم وارتباطها بالتاريخ والحضارة, والتراث الجيد, كما ان فيه التفاعل والتعبير عن طبيعة المجتمع, وقد نرى فيه الاعجاب والتأمل وكافة الجوانب التي تقدر العاطفة وتبرزها, ومن - هنا - فان القارىء للشعر في تيقظ دائم وانتظار لحدوث ما لا يحدث, تبعا لاختلاف العاطفة, وبراعة الشاعر في القدرة على جمع المتناقضات وتصوير الوقائع والمستجدات, والتعبير عن عاطفته بقوالب راقية تدل على الاحساس المرهف, والشعور الدفين مع عدم اغفال التنظير السليم, لأن مادة الشعر وموضوعه يفرضان نفسيهما حينا في الشعر فيبرزان فيه بوضوح وجلاء, حتى نكاد نجزم بأن مبدأ التأثر والتأثير له دور فاعل في جمال الأسلوب الشعري, وقوته, وبروز عاطفته. @@ نورة محمد النغيمشي جامعة القصيم