لقد جاء في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ان الانتماء هو ارتباط الفرد بجماعة, ويسعى الى ان تكون عادة جماعة قوية يتقمص شخصيتها ويوحد نفسه بها. كما ان الانتماء (belongingness) بمعنى الانتمائية وانها تتضمن الانتماء او الانتساب وتعني شعور الفرد بانه جزء من مجموعة اشمل كالوطن ينتمي اليه وكأنه ممثل له او متوحد معه, ويحس بالامان والاطمئنان والفخر والرضا المتبادل بينه وبينه وكأن كل ميزة له هي ميزته الخاصة. وتتفق كل التعريفات على التأكيد على وجود جماعة يشعر الفرد امامها بانه امام كيان اكبر منه يستوعبه ويستوعب عالمه الصغير المحيط به مباشرة وانه في كنف هذه الجماعة يحس بالأمن والأمان. ان الشخص الذي يشبع ذاته من الحاجات الرئيسية على الاقل يرقى الى مستوى الحب والاعتزاز بالذات ويصبح اكثر تقبلا للذات ودراية بها واقل انقساما على نفسه وتزيد تلقائيته وتعبيره الصادق عن نفسه فيكون اكثر استقلالية وواقعية, بل اكثر قدرة على التعاطف مع الآخرين, والحب والاندماج معهم. وبالطبع فان الفرد اسير حاجاته وان سلوكياته لاتتحكم فيها اي قوى اخرى غير اشباع او عدم اشباع حاجاته. وان كان هناك من يتمتع بانسانية رفيعة ونبيلة مثل الايثار حيث يتنازل الانسان طواعية عن طعامه على الرغم من حاجته الشديدة اليه الى شخص آخر؟ ويرى البعض ان الفرد المشبع من حاجاته الثلاث الاولى وهي البقاء (حاجة بقاء الجسم, وحاجة بقاء النفس حرة من اي تهديد, التعايش الكريم مع الغير), والتقدم والجدوى الحياتية, يتكون لديه شعور تلقائي بمديونيته للمجتمع, الامر الذي يدفعه للانتماء للمجتمع والعمل بالالتزام بمبادئه. كما ان الشخص الذي يرقى الى هذا المستوى يصبح كائنا اجتماعيا راقيا.. يعطي كما يأخذ.. ويتفاعل برغبات مفتوحة مع المجتمع.. بعيدا تماما عن الانانية التي يسخر بها نقيضه (غير الراقي) الحياة والناس لخدمة ذاته ومصالحه. ومن النظريات التي تناولت حاجات الانسان ايضا نظرية فروم (Fromm 1989). ويشير فروم الى ان فهم النفس البشرية يقوم على تحليل حاجات الانسان, وهي: الحاجة الى الانتماء, والحاجة الى التعالي والسمو فوق طبيعته الحيوانية ليصبح شخصا مبدعا والحاجة الى الارتباط بالجذور ليظل جزءا متكاملا مع العالم من حوله, والحاجة الى الهوية من خلال الانتماء الى الآخر, والحاجة الى اطار توجيهي كطريقة ثابتة ومستقرة لادراكه العالم من حوله. ونرى من تحليل فروم Fromm لحاجات الانسان انه يعتبر الانتماء من اهم الحاجات ويضعه في الصدارة. وفي حين تناول ماسلو maslow الانتماء من خلال الدافعية, اعتبره فروم حاجة ضرورية على الانسان اشباعها ليقهر عزلته وغربته ووحدته. ويعتبره احساسا وشعورا وان الحاجة اليه هي الحاجة الى كيان اكبر واشمل واقدر يستمد منه الفرد الشعور بالقوة. وانه في حالة عزلة المرء عن اتصاله بمن حوله يصبح في حالة انفصال عن وجوده وغريبا عن نفسه وذاته لانه ليس صانعا لعالمه ولايستطيع التحكم فيه بل ربما تفرض الاشياء سيادتها عليه ومن ثم يضطر للخضوع لها, ومن هنا فهو غريب عنها سيفقد هويته ويعاني قسوة الوحدة والاغتراب نتيجة لفقده ذاته وانفصاله عن وجوده وعالمه. وعلى الرغم من حاجة الفرد الى مجتمع اكبر ينتمي اليه يخضع له الا ان هذا لايعني الغاء شخصيته وقدراته وامكانية ان يلعب دورا خاصا في اطار مجتمعه يميزه عن الآخرين. ان الانتماء لمجتمع معين لايلغي تميز الافراد وابداعهم ولايمنع ان يعرض الفرد آراءه وسلوكه مؤكدا على ذاتيته ولكنه يرفض السلبية واللامبالاة والانانية. وفي الواقع فان اللامنتمي هو شخص موزع النفس, وهو اناني ويفكر في نفسه فقط. ويرى الكاتب ان كل نظرية اجتماعية تقدم مفهوما للانتماء في اطار واقع اقتصادي وقيم اجتماعية معينة. هذا الواقع الاقتصادي وهذه القيم قد تناسب مجتمعا بعينه ولاتناسب مجتمعات اخرى. فمفهوم الانتماء في المجتمعات الصناعية والرأسمالية الغربية حيث تسود قيم التنافس والاعتزاز بالفردية وتضعف القيود التي تفرضها القيم الدينية, قد لا تناسب المجتمعات البدائية التي تسود فيها سلطة القبيلة وروح العمل الجماعي والتعاون بين الافراد ويذوب فيها الفرد تماما ويصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج بشرى غاية في الترابط. لذا فانه لابد, من تحديد مفهوم للانتماء يأخذ في عين الاعتبار خصوصية كل مجتمع على حدة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية اضافة الى القيم الروحية التي تضبط سلوكه وسلوك افراده. وللحديث بقية.