يتفق عالم النفس «إيريك فروم» مع كثير من الفلاسفة في معالجته لقضية الاغتراب، في كونه اغتراب الفرد عن ذاته بالخضوع للحشد، لكنه من جانب آخر يختلف معهم في أن الاغتراب ليس بالضرورة أن يبتعد، أو ينعزل الإنسان عن مجتمعه، وقد يكون ملتصقاً بهم، ويشعر بالغربة، لأن الارتباط، أو العلاقة ليست في شكلها الصحيح، أو الصحي، الذي أسماها «بالحب المنتج»، ويرى «فروم» أن كلمة حب هي أكثر الكلمات قابلة للخلط والتمويه، والحب الحقيقي في نظره يكمن في الإنتاجية، وجوهر هذا الحب لا يختلف عن حب الأم لطفلها، أو حب الإنسان للإنسان، أو الحب الجنسي. إذ إن هناك عناصر أساسية تميّز هذا الحب المنتج عن غيره، وهي (الرعاية، والاحترام، والمعرفة). فالحب المنتج يتضمن أن نرعى المحبوب، وأن نشعره بالمسؤولية تجاه حياته، ليس فقط من ناحية وجوده الجسدي، ولكن نموه وتطور شخصيته، وهذا الحب يتنافى مع حب الأنانية، وبدون الاحترام والمعرفة يتحوّل الحب إلى نوع من الهيمنة والتملك، والمعرفة تتضمن معرفة شخصيته وميوله واحترام فرديته. ويتضمن الحب المنتج أن يرتبط الإنسان بالآخرين دون أن يفقد ذاته، أو حريته، وفي غياب هذا النوع من الحب ينشأ الحب الزائف القائم على ميول شاذة، أو غير عادية، مثل علاقة «سادية مازوشية – قوة ورضوخ». وداخل إطار مناقشة اغتراب الإنسان في العصر الحديث، وفي ضوء التأثيرات الرأسمالية على بناء شخصية الإنسان، يرى «فروم» أن الإنسان تحوّل إلى مجرد سلعة قابلة للاستخدام، وعلاقته برفاقه ذات «اتجاه سوقي»، إن الإنسان لا يعايش ذاته كفاعل إيجابي، وكحامل للقوى والقيم الإنسانية، وإحساسه لا ينبع من كونه إنساناً مفكراً وعاشقاً، وإنما ينبع من دوره الوظيفي والاقتصادي «لقد أصبح جسد الإنسان وعقله وروحه رأسماله الوحيد، وعليه أن يستثمره من أجل أن يحقق كسباً لذاته. لهذا انحدر الإنسان إلى مستوى «الشيء»، واغترب عن قيمته الإنسانية. وهذا الاتجاه النفعي انعكس على مفهوم الحب، فبعض الناس يظنون أنهم غير محبوبين، لأنهم غير جذابين، لأن مفهوم الجاذبية يتجسد في الشكل، والملبس، والمال، والمكانة الاجتماعية. ولهذا يرى فروم أن الحب الصادق «الأمومي، والأخوي، والجنسي» قد اندثر، وحلّ محله الحب الزائف، والذي من أنواعه «الحب الصنمي»، وهذا النوع يجسد المحب حبه وقوته وفكره، وكل ما يمتلك من صفات إنسانية سامية في الشخص الآخر، باعتباره كائناً أعلى يجد الراحة والإشباع في الخضوع له. أو «الحب الخيالي»، وهذا النوع لا يعاش بطريقة واقعية، وإنما بطريقة خيالية شاطحة، إما في ماض جميل، أو في مستقبل مأمول، مثل القصص الاستهلاكية على شاشات السينما.