أكد المفكر الاسلامي المغربي يوسف الكتاني استاذ الدراسات الاسلامية ورئيس جمعية الامام البخاري بالمغرب انه منذ وقعت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 اشتدت الحملة على الاسلام مستخدمة احدث وسائل الاعلام والاتصال والمعلومات لاثارة الشبهات ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وصرف الناس عنه، حيث يعتبرونه "العدو البديل" للحضارة الغربية بعد سقوط الشيوعية. واشار في حواره ل "اليوم" الى ضرورة حماية النشء المسلم في كل مكان وتزويده بالزاد الثقافي الاصيل حتى يتمكن من صد تيارات التغريب وتوضيح صورة الاسلام والمسلمين في النهوض بالمجتمعات البشرية.. واضاف: ان العنف والارهاب غول اعمى وكابوس مخيف يدمر حياة الامم ويزعزع استقرارها ويحيل امنها خوفاً، وحياتها جحيماً، ويقضي على الثقة بين الناس ويعوق التنمية ودعا الى حوار اجتماعي في الدول الاسلامية مع المتشددين والمغرر بهم لاجل القضاء على الشر في نفوسهم وارجاعهم الى الطريق القويم.. كما تطرق الحوار الى العديد من القضايا التي تهم الامة الاسلامية.. والى نص الحوار: @ في ظل الحملات الشرسة التي يتعرض لها الاسلام والمسلمون.. كيف ترى الحماية من هذه الاخطار؟ * جاء الإسلام بأعظم رسالة هادية تضمنت كل القيم التي تحمي المسلمين من كل الانحرافات والرذائل.. ونحن أبناء الأمة الإسلامية أصحاب الرسالة السمحة التي تجمع بين محاسن الدين والدنيا وتحث على مكارم الأخلاق.. ولنا أن نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي بنى دولة الإسلام على أسس متينة من قيم الدين الإسلامي الحنيف.. كما كانت سنته صلى الله عليه وسلم هى الشعاع المنير الذي هدى المسلمين الى مسالك الحق والعدل في جميع معاملاتهم حتى مع غير اتباع عقيدتهم. والتاريخ الإسلامي عبر مراحله المختلفة قد سطر صفحات مضيئة لحماية المسلمين ضد التحديات المتعددة التي واجهتهم.. وقد ثبت لدينا ان جميع النظريات المادية والعلمانية قد انهارت ولم تستطع تحدي الإسلام.. لأن هذه النظريات هى في جوهرها نظريات هشة.. وأمامنا تجربة الشيوعية التي انهارت لأنها لم تقم على الإيمان وإنما قامت على الإلحاد والمادية.. لاشك ان السبيل القويم لمواجهة التحديات الشرسة هو مزيد من التمسك بأهداب الدين الإسلامي والعمل على تثبيت قيم وتعاليم الإسلام في قلوبنا ومجتمعاتنا المسلمة. @ وماذا بشأن القراءات المختلفة للاسلام؟ * انهدام وحدة الامة الاسلامية وتشتت فئاتها، وتفرق مناهجهم الفكرية، ومصالحهم الفردية أدّى الى ظهور تيارات مختلفة في داخل العالم الاسلامي، بينها بون شاسع في طريقة التفكير في قراءة الاسلام. ثم جاء الغزو الثقافي الغربي ليزيد الطين بلة ، وظهرت المدارس الالتقاطية نتيجة لتفاعل قطاعات من المسلمين أو هزيمتهم أمام الغرب. وأعتقد أن كل هذه الحالات ظهرت نتيجة عدم الاحساس بوجود الامة الواحدة، ونتيجة ردود الفعل المختلفة تجاه التيارات الغربية، وهذه الحالة يمكن أن تخف أو تزول حين يعود الاحساس بوحدة الامة، وتتحول ردود الفعل الى حركة فاعلة هادفة. @ ما رأيكم في مكانة المسلمين اليوم على الساحة العالمية؟ * لابدّ من الاعتراف أن المسلمين - مع الاسف - ليسوا على مايرام، وضعهم متخلّف، ومستقبلهم مجهول، كثير من البلدان المسلمة تعاني أزمات داخلية وخارجية وليس أمامنا إلا أن نعود الى أنفسنا ونتحد ونتفق على اتخاذ القرار الموحد بالنسبة لقضايانا المصيرية، ونسعى جميعا الى رفع مستوى المجتمع في الحقول المختلفة. لايمكن أن نفرض وجودنا على العالم ونحن في حالة ضعف وهزال. إذا أردنا أن يحترمنا العالم فلابدّ أن نحترم أنفسنا، وأن نحترم وجودنا كأمة ذات رسالة واحدة. أليس من الغريب أن البلدان الغربية وحّدت صفوفها ونسقت خطاها، وجعلت بينها وحدة سياسية واقتصادية، بل وحّدت عملتها وجعلت (اليورو) وحدة أوربية موحدة، وأنهت مابينها من اختلافات دموية، وصارت فرنسا والمانيا رغم ما كان بينهما من حرب طاحنة عضوين في الاتحاد الاوربي، يتعاونان، وينسقان الخطى والمواقف، ونحن على مابيننا من اشتراكات فكرية وتاريخية ومصيرية ودينية ونفسية و.. و... نعيش في تمزّق وشتان!!! @ ما اسباب ذلك؟ * السبب الاساس في رأيي يعود الى انخفاض المستوى العلمي والتعليمي والاقتصادي للامة الاسلامية. وعدم وجود فهم واضح وصحيح للاسلام ولرسالة الاسلام وأهدافه الانسانية الكبرى والقوى الاستعمارية لها أيضا دور هام في تكريس هذه الحالة القائمة عن طريق إثارة النزاعات وإشغال الامة في معارك جانبية واستنزاف طاقاتها في الصراعات الداخلية. المشكلة القائمة في العالم الاسلامي اليوم هي عدم قدرته على اتخاذ قرار واحد بشأن أخطر قضاياه المصيرية. وسيكون وضع الامة في القرن الحادي والعشرين أسوأ إذا لم تمسك زمام أمورها بيدها. @ كيف يمكن تحصين الأمة الإسلامية من مظاهر العنف؟ * تحصين الشعوب والأمم من مظاهر العنف يرجع إلى تكافل مجموع نظم التربية، وتربية الشباب على قيم الدين ومبادئه، خاصة السلم والأمن والاستقرار واحترام حرية الآخرين وأرواحهم، وعدم الاعتداء عليها أو تعريضها للخطر أو الإرهاب، لأن ذلك يدخل ضمن حرمة المؤمن في جميع ما له وعليه من حياة وحرية ومال وملك واستقرار. وهذا هو أساس التربية التي ينبغي أن نربي عليها أبناءنا، ليشبوا على هذه المبادئ، ولنعودهم على احترامها عقيدة وسلوكاً وأخلاقاً، ولتأتي بعد ذلك مسؤولية الحاكم وولي الأمر لتثبيته وتمكينه بواسطة التطبيق العلمي في ممارسة الحكم تأسيساً على احترام مبادئ الحرية والعدل، وجعل الناس سواسية أمام القانون، كما يمكن قيام هيئات الأمة بأحزابها وجمعياتها، ومختلف مسؤولي المجتمع المدني بواجباتهم الأساسية، إزاء الأمة، وهو تأطير أفرادها ورعايتهم قبل كل عمل سياسي أو اجتماعي، لأن ذلك هو الضمانة والتحصين من كل انحراف أو زيغ يتسرب من الخارج، كما هو أمر الإرهاب في غالبه أو من دوافع تنبع من آفاق الظلم والأمية والفقر والحاجة وغيرها. إذا لا بد من اجتماع هذه الأمور في تربية أساسية تقوم على مبادئ الخير والحق والعدل واحترام الحرية وقيام الحكام بترجمة تلك المبادئ على ارض الواقع، وقيام هيئات المجتمع المدني بواجباتهم قبل الأمة بتأطير أفرادها على تلك المبادئ ودفعها للتشبث بها والدفاع عنها. @ كيف يمكن التصدي لدعاوى التكفير التي تبث عبر بعض الخطب والأشرطة المسموعة والتي تزيد من خطر الغلاة والمتطرفين؟ * قضية الأشرطة المسموعة سلاح ذو حدين، فهناك اشرطة مفيدة وهادفة يراد بها ومنها نشر الدعوة الاسلامية، وتعليم المسلم أمور دينه، وفتح الآفاق في وجهه، وهناك اشرطة وهي الغالبة يراد بها الدعاية والظهور ولا علاقة لها بالدعوة، ولا تفيد المسلم، لمحاولتها اشاعة الفتنة والبلبلة في نفوس الناس وعقولهم. وتعمد الى التحريض والسب والقذف، بل وتعين الاسماء وتحددها، مما يتنافى مع آداب الدعوة، ومع الحكمة التي دعا إليها القرآن خاصة انها تذهب الى التكفير والاخراج من الدين من دون حق وممن ليست له الصفة، وفي رأيي ينبغي التصدي لهذه الظاهرة بأمرين: تشديد الرقابة على طبع وترويج ونقد تلك الاشرطة، والضرب على من يخالف ذلك بيد من حديد، لأنها من وسائل فتنة المسلمين خاصة الشباب. والأمر الثاني، هو الحرص على اختيار الخطباء من اهل العلم والحكمة والفطنة حتى لا يعبثوا بعقول الناس، ويدفعوهم الى الفتنة والاضطراب والعنف وهذا الأمر الثاني يمكن الوصول اليه عن طريق انشاء معهد للدعوة والخطباء لتكوينهم وحسن اختيارهم قطعا للطريق على خطباء الفتنة والجهلاء والفتانين. @ لماذا لا يتم فتح قنوات للحوار بين كل الحركات والاتجاهات الاسلامية للحفاظ على سلامة المجتمع؟ * الحوار بين الجماعات والجمعيات أمر مفيد ونافع في كل الاحوال، غير ان الذين يعمدون الى التكفير والقتل والارهاب، يكونون قد "غُسلت" ادمغتهم ودفعوا الى ذلك دفعا وهيئوا لها، مما لا ينفع معهم اي حوار كيفما كان، وعلى الأمة وعلى المسؤولين اذا ارادوا القضاء على الجماعات المضللة والوقوف في وجهها، اصلاح نظم التربية مما يقوي الوازع الديني ويضمن التربية الصحيحة. فهذه افضل وسيلة، لأن الوقاية خير من العلاج، ثم يأتي العدل في الرعية، التسوية بين الناس في الامور العامة حسب كفاءاتهم ومراتبهم واختصاصاتهم، والضرب على ايدي العابثين بالأموال العامة، هذا بالاضافة الى مضاعفة الرقابة على الارهاب الدولي والممولين له. @ كيف يمكن ان نجعل من رسالة المسجد دوراً في مواجهة التشدد والغلو؟ * لعل تراجع رسالة المسجد في بعض بلاد المسلمين، وعدم كفاءة بعض الخطباء، وغير ذلك مما هو ناتج عن فترة الضعف والتخلف والأمية احد اسباب عدم استقرار المجتمع، خاصة ان وظيفة المسجد في الاسلام اساسية وضرورية وفاعلة في مجتمعنا الاسلامي فهو اول مؤسسة بدأ بإقامتها الرسول عندما اقام المسجد النبوي الذي كان جامعة للتربية والتعليم، ومنه تصدر الجيوش وتوجه الدعوة والخطب وعلى اساسه ومنه قامت الدعوة الاسلامية في ايامها الزاهرة، لذلك فالمسجد هو النواة الأساسية في المجتمع، وهو مقر التوجيه والدعوة والاصلاح، لذا ينبغي زيادة الاهتمام بالمسجد وإيلاؤه ما يستحق من العناية والرعاية واساس ذلك حسن اختيار الخطباء والاكفاء المكونين تكوينا صحيحا، الملمين بأمور الدين ومقاصد الشريعة، الذين يحسنون التبليغ والتوجيه لارتباطهم اليومي المتواصل بالناس عن طريق الدروس، والاسبوعي في خطبة الجمعة، وفي الاعياد والمناسبات، لذا يعتبر اصلاح المسجد وارجاع الروح اليه وتحسين مرافقه، وحسن اختيار الخطباء والدعاة والموجهين، خير وسيلة مجدية لإصلاح المجتمع وبنائه ووقايته من الانحراف والزيغ، والقضاء على الفتنة والمفسدين، وتلك هي رسالة الاسلام ورسالة المسجد، الكفيلة بإرجاع مجتمعاتنا الى سماحتها وفضيلتها واستقرارها، استجابة لأمر الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).