التطرف إلى أقصى اليمين أو إلى اقصى اليسار، ظاهرة موجودة في كل أنحاء العالم، وهي ظاهرة مؤسفة، وبروزها في أي مجتمع يعني أن هناك خللا في ميزان الاعتدال.. والنظرية الأساسية التي أريد تقديمها هنا، في هذه المقالة هي أن هناك ثلاثة اتجاهات تحدد فلسفة الوسطية، اثنان منها يجمعان كل السلبيات، وهما الطرفان، أما الاتجاه الثالث، فهو يجمع كل الايجابيات، وهو الموقع الوسط، فإذا كنا في الوسط، فسنتمكن من رؤية جميع الجهات والأطراف، بكل وضوح واعتدال، لذا تكون رؤيتنا دائما هي الأمثل، وحكمنا دائما هو الأفضل، واختيارنا دائما هو الأحسن.. لأننا بكل بساطة في الوسط، والوسط في كل شيء هو نقطة التوازن والاعتدال، و (خير الأمور أوسطها) وقد جعل الله صفة أمتنا وسطا في قوله تعالى:(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). ونجد الوسط دائما أكثر مصداقية وتأثيرا، وذلك لأن المتطرف منغلق بينما الوسطي منفتح على كل الاتجاهات، ولنضرب أمثلة بسيطة جدا عن الوسطية - على سبيل المثال لا الحصر- ففي مكارم الأخلاق نجد أن السخاء وسط بين البخل والتبذير، ونجد أن الشجاعة وسط بين الجبن والتهور، وحتى في الدين نجد الوسط يمثل العدل والاعتدال.. فقد قال تعالى:(ومن الناس من يعبد الله على حرف) اي على شك فهو على طرف من دينه، غير متوسط فيه ولا متمكن. ملخص القول هو أن الانفتاح مبدأ إسلامي، وفي هذا لا تنقصنا العقول ولا أصحاب التجربة، لذا يجب أن يبادر مفكرونا ومثقفونا، وأدباؤنا، وكتابنا إلى تكثيف الدعوة إلى الانفتاح، وغرس الأفكار والمفاهيم الصحيحة عن أهميته، لأن ذلك يكرس الوسطية في كل شيء.. وقد قال الله تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).. يستمعون يعني الاستماع والاطلاع، وهذا هو الانفتاح المؤدي إلى تعميق وتأكيد النهج الوسطي والاعتدال المؤدي إلى الوئام والتكافل والتعاطف، والنابذ للتقوقع والتعصب والخصام. وما يجعلني ألح في هذا المطلب هو فداحة الخسائر والأضرار التي لحقت بوطننا ومواطنينا جراء تلك التعبئة المتطرفة الخاطئة، التي جرت بعض شبابنا إلى ارتكاب بعض الأعمال التخريبية الإرهابية، التي انعكست سلبا على اقتصادنا وشوهت سمعة الإسلام والمسلمين.. والإسلام بريء منهم ومن أفعالهم وأفكارهم المنحرفة.. فقد استجابت تلك الفئة الضالة لأهواء شياطينها، فأرادت زعزعة الأمن المستقر، وذلك لما تختزنه عقولهم من أفكار مغلوطة عن ديننا الحنيف وبعيدة كل البعد عن الانفتاح والوسطية.