يزخر الاعلام السعودي المقروء بالكثير من الكتاب السعوديين الذين يتطرقون الى موضوعات تهم طبقات المجتمع بمختلف فئاتها، وقد اتصف الكثير منهم بصفات مختلفة اهمها الجرأة في التناول او مساحة الحرية التي تعطى لهم من قبل رئاسة التحرير في تلك المطبوعات. وهنا يجدر بي ان اسأل: هل للحرية مدى معين؟ واذا كانت الاجابة بنعم اذن لنسأل ونقول هل الكاتب ذو حرية مطلقة يستطيع ان يقول ما يشاء دون هدف، متجاهلا الرسالة النبيلة الواضحة والنقد البناء الذي يمكن ان ينفع به مجتمعه؟ هل يمكن للكاتب ان يطلق الاحكام جزافا ويحطم كل ثوابت المجتمع وقيمه؟ هل يستطيع الكاتب ان يدعو الى الفوضى الاجتماعية بلا رقيب او حسيب؟ هذه في تصوري فوضى وهناك فرق كبير بين الفوضى والحرية. فمثلا، إذا رأى كاتب ان الفوضى شيء عظيم فمعنى هذا انه يختار الفوضى نظاما لمجتمعه اذا جاز للفوضى والنظام ان يجتمعا في تعبير واحد. ان تردد الكثير من المؤسسات الصحفية في اعطاء مساحات حرية كافية لكتابها نابع اساسا من خوفهم من سوء فهم تلك العلاقة، وجريدتنا (اليوم) خطت خطوات كبيرة وواضحة في هذا الاتجاه واعطت مساحة حرية معقولة لكتابها ضمن المفاهيم العامة للحرية الصحفية، والذين اصبحوا يدركون تلك المساحة من الحرية الصحفية وابعادها، وانعكاساتها الايجابية على جميع طبقات المجتمع. وهذه المساحة من الحرية ساهمت بشكل مباشر في استمراري كاتبا هاويا عبر جريدة الاقتصادية لمدة اكثر من ثلاث سنوات وهنا في جريدة اليوم والتي اكتب فيها منذ سنة تقريبا كما ساهمت في استمرار غيري من الكتاب في هذه الجريدة دون غيرها. فالكاتب عندما يتحرر من القيود، وطالما ان نقده بناء، لا ينبغي ان يخضع لاي قيد من القيود الثابتة التي يفرضها المجتمع والتي توارثتها الاجيال. فالكاتب القدير يجب ان يوظف تلك المساحة لصالح بناء مجتمعه ليس لهدمه، وان يكون مثلا اعلى للانسانية لأنه فرد من افراد مجتمعه. ومن واجب الكاتب ان يكون صادقا مع نفسه حتى يشعر المجتمع انه صادق معه، فالفطرة لا تقبل ان تعطي حقا لا يقابله واجب، وبقدر عظم الحق وضخامته يكون عظم الواجب وضخامته. فاذا شعر القراء ان حجة الكاتب في كتاباته نابعة من اقتناعه حقا بها، ويعكس رأيا بناء دون تجريح مباشر ودون اقحام اسماء معينة، او كيل التهم لهم حتى لو كان بالتلميح وليس بالتصريح، زادت اسهمه لدى افراد المجتمع بكل طبقاته وزاد من حب المجتمع له رغم نقده البناء للكثير من الظواهر السلبية في مجتمعه والعكس صحيح. لذلك يجب ان يكون الكاتب مقتنعا حقا بما يكتب وان يكون رأيه ساطعا وصاحب ضمير حي في تناوله لقضايا مجتمعه، مهما كانت درجة الحرية المتاحة له في تناول تلك القضايا. وفي رأيي انه على الكتاب ان يبتعدوا عن إلقاء المفرقعات حولهم معتقدين ان ذلك قد يجلب لهم الشهرة، في حين قد يسبب ذلك سخط المجتمع عليهم وتصبح الشهرة وبالا عليهم. وعلى الكاتب أيضا، ان يكون مقتنعا تماما بما يكتب، فاحيانا نرى بعض الكتاب يكتبون آراء غير مقتنعين بها، وانما يكتبونها ليرضوا اشخاصا معينين او ينالوا رضا فئة تخدمهم تلك الكتابات ويدافعوا عن قضايا وامور، هم انفسهم لا يؤمنون بها، بل يقفون في الجانب الاخر منها. ارأيتم اعزائي لماذا الكاتب حر ولكن حريته في نفس الوقت اعظم ثقلا واشد هولا من كل قيد. فالكاتب لا يستطيع ان يكون حرا الا اذا كان قلمه صادقا مع نفسه، وعندها سيرى افراد المجتمع انه صادق معهم لان وفاقه مع نفسه ينعكس على قارئه ليكون هو في وفاق معه، وهنا تكمن الحرية الحقيقية التي اتاحها له قلمه. ان القلم ليس حبرا وانما امانة، والكاتب ليس مجرد فرد وانما هو ضمير حي ولسان مجتمع، ولنتذكر جميعا ان مجتمعنا بحاجة لنا الآن اكثر من اي وقت مضى، فلنرفع شعار البناء ولنتخل عن شعار الهدم والتجريح والمزايدة. *كاتب ومستشار مالي واداري عضو الجمعية السعودية للادارة