عاش مراسل وكالة فرانس برس في الفلوجة رحلة شاقة متنقلا من منزل الى آخر في المدينة كان يقتات اغذية انتهت صلاحيتها ويتحدى رصاص القناصة الاميركيين في محاولاته العديدة لعبور نهر الفرات قبل ان ينقذه طبيب عسكري عراقي. وفيما يلي رواية المراسل فارس الدليمي عن رحلته يوما بيوم في المدينة التي يعيش فيها واختار بملء ارادته البقاء فيها، حتى وصوله الاحد الى بغداد. الاثنين 8 نوفمبر حوالى الساعة 00:19 بتوقيت الفلوجة (00:16 تغ) انهال سيل من النار على حي المعلمين في شمال المدينة. كان الصحافي في منزل قرب مسجد بدوي. الدبابات والمدفعية تطلق النار على كل المساكن انطلاقا من الضاحية الشمالية. وقال: كان علينا القفز من منزل الى منزل (...) دوي المدفعية الرشاشة هائل (...) طلب منا المقاتلون ان نتراجع الى الوراء (...) وامضيت الليلة في منزل مهجور. الثلاثاء 9 نوفمبر قال: اريد ان اعود الى منزلي في حي النزال (جنوبالمدينة) لكنني تخليت عن الفكرة لانها تنطوي على خطورة كبيرة. في حي المعلمين لم يوفر القصف اي منزل. الحفر التي سببتها القنابل تغطي كل الارصفة. تقدمت الدبابات من الشارعين الرئيسيين اللذين يربطان بين شمال المدينةوجنوبها، لكن من بين الانقاض، يخرج مقاتلون ويهاجمون الدبابات. المعارك مستعرة. في الصباح التقى فارس الدليمي احد قادة المتمردين الذي قال له: سمحنا للدبابات بالدخول لوقف عمليات القصف ونقاتلهم وجها لوجه. أكد الصحافي انه رأى في الصباح دبابتين تحترقان في احد الشوارع المؤدية الى الجنوب وآليات مدرعة اخرى تتراجع. لكن بعد الظهر استأنفت الدبابات تقدمها. وقال ان الانفجارات كانت على درجة من الشدة رفعتني معها عن الارض. كنت اجري في الشوارع وسط الغبار وقطع الآجر والمعدن التي تساقطت فوقي. ثم فقدت وعي وعندما فتحت عيني مجددا وجدت نفسي في منزل. بالتأكيد انتشلني احد ما ووضعني في منأى عن القصف. عندما استعاد وعيه، كان الظلام قد حل. لكنه قرر رغم كل شىء ان يواصل طريقه الى الجنوب. كان عليه لتحقيق ذلك ان يقطع شارع الاربعين الذي يعبر الحي من الشرق الى الغرب تحت نيران القناصة الاميركيين. وقال جريت مثل مجنون. جثث تغطي الارصفة وجرحى يئنون ويتوسلون لإنقاذهم دون جدوى لانه لا احد قادر على مساعدتهم. وبحث الصحافي عن منزل ليأوي اليه. فوجد واحدا في الحي ولحسن الحظ كان فيه خزان مياه. وقال: كنت اشعر بالجفاف وكانت المياه بالنسبة لي مثل خلاص. الاربعاء 10 نوفمبر معارك عنيفة جدا جرت عند تقاطع شارع الاربعين وشارع رئيسي يمتد من الشمال. وروى الدليمي: الدوي هائل يكاد يسبب الصمم. ارى دبابات تحترق ومقاتلين يندفعون الى المعركة غير آبهين بالموت. انهم يستولون على دبابتين متروكتين وبدأوا يناورون عندما اطلقت طائرتان صواريخ ودمرت الدبابتين. كل البيوت تقريبا مصابة بقذائف ان لم تكن مدمرة. مر الدليمي امام منزل يحترق هو لمراسل قناة (الجزيرة) الفضائية ابو بكر الدليمي وقال له الجيران انه اصيب بجروح خطيرة في عمليات القصف. وتابع مسيرته باتجاه الجنوب حيث وصل مساء الى المستوصف العام الذي كان قد قصف قبل ساعات. في الليل، عبر الشارع الرئيسي ووصل الى حي الاندلس في الجنوب الذي يضم عائلات كثيرة فرت من القصف في الشمال. الخميس 11 نوفمبر توجه الى منزله في حي النزال في وسط جنوبالمدينة ليستقل سيارته ليصل الى ضفاف النهر في شمال غرب المدينة. لكن السيارة لم تكن هناك. فقد استخدمها جاره الا انها اصيبت في القصف واحترقت براكبها في الشارع الرئيسي. والتقى عندئذ مع مقاتلين جاءوا من الشمال. قالوا ان رفاق سلاح ما زالوا في حي الجولان (شمال غرب) يقاتلون حتى الموت. وهناك مقاتلون آخرون متمركزون في الجنوب مستعدون للقتال. وعاد الدليمي الى الغرب باتجاه النهر. ويذكر: الشائعات تفيد انه يمكننا عبور النهر بمركب لكن القناصة يفتحون النار من الضفة المقابلة. وبناء على هذه المعلومات، قرر الانتقال الى الضفة الاخرى سباحة وتوغل بين عيدان القصب لكن مروحيات اطلقت النار. فعاد الى حي الاندلس. وقال: كنت اسمع بكاء ونواح النساء طوال الليل (...) . وامضى الدليمي ليلته في منزل تشغله عدة عائلات. الجمعة 12 نوفمبر القوات الاميركية تسيطر على محاور الطرق الكبرى ومكبرات الصوت تدعو الذين يريدون الاستسلام الى التوجه الى مسجد الفردوس في شارع في جنوبالمدينة. قرر رفاق الليل ان يتوجهوا الى المسجد اما هو، فقد خاف ان يكون الامر مجرد فخ. وانتقل من منزل الى منزل وفي احدها عثر على جثث اربعة رجال قتلوا برصاص في الرأس، فهرب. وقال: بينما كنت اجري سمعت صراخا في منزل فدخلت ووجدت امرأة مع طفلة في الثانية عشرة من العمر وصبيا في العاشرة مجروحا في ساقه وثلاثة رجال قتلى على الارض.. اكدت المرأة ان الاميركيين دخلوا وقاموا بقتلهم. واضاف: كانت المرأة تشعر بخوف شديد. طلبت منها جلب القميص الابيض لزوجها وان ترافقني الى المسجد. كانت مروعة ومذهولة. حملت الطفل الجريح وتوجهنا الى المسجد. كان حشد كبير في داخله وكان الجيش العراقي موجودا في المسجد. تحت الرصاص وفي سيارات بيك-آب قاد الجنود العراقيون العائلات الى مسجد الفرقان في الحي الشمالي من المدينة وتلقى الجرحى الاسعافات الاولية وفصل الرجال الذين كانوا بمفردهم، عن العائلات. بعيد ذلك، قام الجيش العراقي بنقل المرأة وطفليها الى محطة القطارات على الطرف الشمالي للمدينة حيث كان حوالى 1500 شخص متجمعين. وقف رجل ملثم يدل باصبعه على المقاتلين بين الحشد وتم توقيف 25 شابا على الفور. ثم قام الجنود برش مادة على كل الرجال لكشف وجود اي مسحوق يبرهن على انه كان مقاتلا. وتمكن الدليمي من الاقتراب من طبيب عسكري عراقي اسر له انه صحافي من وكالة فرانس برس وقدم له بطاقته الصحافية.. فوعده الطبيب بمساعدته. السبت 13 نوفمبر في الصباح، اخرجه الطبيب من محطة القطار ودله على الطريق الى الصقلاوية التي تبعد عشرة كيلومترات غرب الفلوجة. وبعد ان مشى ثلاثة كيلومترات نجح في اقناع العسكريين باقتياده في شاحنة مع المرأة والطفلين حتى البلدة حيث ترك الاسرة في مستوصف عند مدخل المدينة وتوجه الى زهاريد (شمال غرب). وليلا، عبر مع صديق وهما يحبوان سدا على نهر الفرات وتمكنا من الوصول الى مزرعة استقبلهما فيها مزارع. وقال: كنت منهكا. اشعر بدوار وبطني منتفخ. اكلت ونمت طوال يوم الاحد. الاثنين 12 نوفمبر عاد الى بغداد. ونظرة طفولية من فتحة لسيارة مارينز المستقبل المجهول؟