القيم الاوروبية السائدة ترفض التمييز الذي يمكن ان يفرضه قانون بوش بسبب تداعياته السلبية المحتملة على يهود اوروبا. القانون الذي وافق عليه الكونجرس وأصدره الرئيس الأمريكي جورج بوش قبلَ فترة والقاضي بحظر معاداة السامية ينطوي على مغالاة الإدارة الأمريكية في ممارسة إرهاب فكريّ وثقافيّ على العالم ويظهر مدى قدرة التيار الديني (المسيحية الجديدة) وتأثيره على صانع القرار السياسي في الولاياتالمتحدة ويبيّن مدى سطوة اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية والإدارات الحزبية فيها سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية. القانون الجديد الذي أصدره جورج بوش في التاسع عشر من شهر اكتوبر الماضي فضلاً عن أنّه ينطوي على خلطٍ ما بين السّامية والصهيونية وكيانها الإسرائيلي؛ فهو ينطوي على تمييز لليهود عن غيرهم من الأمم. هذا القانون بكل بساطة سوف يلقى معارضة قويّة من قبل القوى الأوروبيّة الناهضة أي من قبل المجتمعات الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسيّة والأطر الموحدة الناشئة مثل البرلمان الأوروبي ومؤسسات الإتحاد الأوروبي اضافة الى الحركات المناهضة للعولمة. ومن المؤكد أنّ القانون السابق الذكر سيلقى مزيداً من العداء من قبل القوى الشعبيّة العربيّة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب العربيّة القوميّة وغيرها والمؤسسات الدينيّة المسيحيّة منها والإسلاميّة. انّ المجتمعات الأوروبيّة التي أطلق بوجهها جورج بوش تحذيراته لن تقبل بحال من الأحوال الرضوخ لإرادة التمييز التي تقررها الإدارة الأمريكيّة وتفرضها على العالم بحجة الدفاع عن الساميّة ! من جهة أخرى لا يمكن أن تطبّق القوانين الأمريكّيّة على أوروبا كما تُطبّق في الولاياتالمتحدة لأنّه يوجد في أوروبا قوى فاعلة ومؤثّرة ومتعددة هي التي تصنع قوانينها الخاصة وتضع قراراتها الواجبة استناداً الى ثقافة حقوق الإنسان بعيداً عن التعصب الديني والعنصريّة. انّ هذا القانون الأمريكي الذي يدّعي الدفاع عن الساميّة سوف تكون له تداعيات عميقة السلبية على يهود أوروبا لأنّه يمايز بينهم وبين باقي الأوروبيين وهذا الأمر ترفضه القيم الحضاريّة الأوروبيّة القائمة على جملة من المقومات الأساسيّة؛ المساواة والحرية والديمقراطيّة وغير ذلك من القيم التي تدخل في اطار حقوق الإنسان حسب ما ذكره "جو ماجيه" في كتابه الحضارة الغربية وجوهرها. من جانبٍ آخر فإنّ القانون السابق الذكر سوف يوسع من دائرة العداء والكراهيّة للكيان الإسرائيلي ! وهذا ليس هو الهدف الإسرائيلي في هذه المرحلة فهذا الهدف كانت الحركة الصهيونيّة منذ تأسيسها توظفه ضدّ اليهود في أوروبا للوصول بهم الى آفاق البحث عن دولة تجمعهم كما بيّنَ هرتسل في مذكراته (انّ اللاساميين هم أحسن أصدقائنا وانّ الأقطار اللاساميّة أحسن حلفائنا). والحقيقة تقال: انّ الساحة الأوروبيّة شهدت في السنين الأخيرة تزايداً ملحوظاً معادياً للصهيونيّة ولكيانها الإسرائيلي بسبب الإحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينيّة وبسبب الممارسات اللاانسانيّة الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني. باتت الشعوب الأوروبيّة تنزعُ نحو مناصرة استقلال فلسطين وارساء الأمن والسلم في الشرق الأوسط وتأتي ممارسات حكومة شارون لتنمي من ظاهرة العداء للكيان الإسرائيلي وللحركة الصهيونية العالمية وليس للسامية أو اليهوديّة وكلما أطلّ شارون برأسه مدافعاً عن السامية كسب أعداءً جدداً للكيان الإسرائيلي إذ أنّه يلقى ما جنت يداه. الحقيقة التي يعرفها بوش واليهود في أوروبا وتعرفها الدوائر الصهيونية أن حالة العداء التي يلقاها اليهود في أوروبا هي احدى نتائج احتلال الوطن الفلسطيني وأن شعوب العالم تنحاز لمناصرة الطرف المُحتل وتعادي الطرف المعتدي الذي يحتلّ أرض الآخرين ويلقى الدعم والمساندة والتأييد من الإدارة الأمريكية فمعاداة السامية لا تصوغ مواقف الشعوب الأوروبية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل المواقف السياسية والأخلاقية هي التي تصوغ المواقف الأوروبية الشعبية والرسمية. والجدير ذكره أنّه يوجد في أوروبا الكثير من الأوربيين اليهود من المثقفين والفنانين والأدباء والأطباء والدبلوماسيين والصحفيين يرفضون ما تدعيه اسرائيل وادارة بوش حول فكرة العداء للسامية وهؤلاء اليهود الأوروبيون يكونون اكثر من ثمانية عشرة مؤسسة وجمعية تنتشر في انحاء أوروبا يناصبون شارون وحكومته العداء ويقرون في وثائقهم السياسية والإعلامية أنّ شارون وحكومته الأخطر على أمن الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء ويناصرون حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلا ويشكلون جمعيات صداقة مع الفلسطينيين ويكتبون في الصحف الأوروبية ضدّ القانون الأمريكي. بلا شكّ انّ الساحة الأوروبية تحظى باهتمام الكيان الإسرائيلي والدوائر الصهيونية بسبب أهمية أوروبا حاضراً ومستقبلاً ككيان قطبيّ عالمي في طور الإنشاء وبسبب الفوائد الإقتصادية والسياسية التي تخسرها اسرائيل من جراء تبدل المواقف السياسية الأوروبية اتجاه الصراع العربي الصهيوني وبالتحديد اتجاه الصراع المشتعل فوق الأرض الفلسطينية. لقد نشأت عوامل جديدة في أوروبا نتيجة للتغيرات السياسية الدولية وحدثت اتساعات في الفضاءات الإعلامية العالمية أوصلت صور التضحيات الفلسطينية الى عيون الأوروبيين وقد أسقطت صور الإجتياحات والإغتيالات في الوطن الفلسطيني المبررات الأخلاقية والسياسية للكيان الإسرائيلي وقد أنتج هذا الأمر تغييراً في اتجاهات الرأي لدى الشعوب الأوروبية لصالح القضية الفلسطينية وضدّ الكيان الإسرائيلي. لقد لامست الدوائر الصهيونية في أوروبا والعالم هذا التحول في اتجاهات الرأي الأوروبي فأبدى الكونجرس اليهودي في أوروبا قلقه إزاء ما يراه من مشاعر معادية للسامية في أوروبا مما حزاه لعقد مؤتمر في بروكسل السنة الماضية تحت شعار وقف العداء للسامية تحت رعاية الأمانة العامة للاتحاد الأوروبي لم يحقق هذا المؤتمر نتائج مرجوة على أرض الواقع. أبدت الإدارة الأمريكية في السنين الأخيرة وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي ومنظمات يهودية أمريكية قلقاً متزايداً من جراء اختلاف رؤية الأوروبيين تجاه الصراع الفلسطيني فوجهت الإدارة الأمريكية ضغوطها باتجاه عقد مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في 21 أكتوبر الماضي في برلين للبحث في الوسائل الكفيلة لمكافحة أعداء السامية في أوروبا. في الأشهر الأخيرة أنشأت الحكومة الإسرائيلية مؤسسات وهيئات إعلامية ومعلوماتية في أوروبا هدفها التصدي للأنشطة الثقافية والإعلامية المعادية للكيان الإسرائيلي وإلصاق تهمة معاداة السامية لكلّ مفكر أو سياسي أو إعلامي يؤيد الحق العربي واعتبار كلّ صوت معاديا للكيان الإسرائيلي معاديّ للسامية كما تحاول الدوائر الصهيونية إدراج قانون حظر معاداة السامية في سياق مساعيها لوقف انهيار صورة الكيان الإسرائيلي ووقف حركة التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني. * السويد