في السبعينيات من هذا القرن خرج علينا فيلم عربي يحكي قصة مثقف مع زبال (جامع القمامة) اذ يصور لنا الفيلم كيف يعيش الزبال في ثروة كبيرة في حين لم يكن المثقف يستطيع ان يكمل زواجه بسبب قلة الدخل والمورد المالي الى ان انتهى به الحال الى الفشل الذريع في تحقيق حلم حياته بالزواج في الوقت الذي استطاع فيه الزبال ان يخطف خطيبة المثقف من امام عينيه دون ان يستطيع فعل شيء. ولقد هاجم في حينه المثقفون كاتب الفيلم والسينارست كونه قدم للمشاهد صورة مهترئة ومقلوبة عن مبادئ المجتمع واصوله القيمية فكأنه يبعث برسالة مجتمعية الى المتعلمين والمثقفين على ان المؤهل لا يشكل سوى مصدر معرفي لا يؤدي بصاحبه الا الى المزيد من الشقاء العلمي كونه مثقفا يصب اهتماماته في الشأن العام للمجتمع محاولا توظيف علومه ومعارفه من اجل تقديم الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجهه. فالمثقف كونه يتعامل مع المجتمع ومشكلاته بصورة انفعالية نقدية يزيد من شقائه وانصرافه عن أموره الشخصية الحياتية. هذه حقيقة نلمسها من الواقع العلمي ومن الصعب انكارها وعلى النقيض نجد ان أخ الجهالة في الشقاء ينعم فالمبتعدون عن الشأن العام سواء برضاهم او قسرا عنهم حتى من انصاف المثقفين رسموا لانفسهم مسارا شخصيا لا يمت للمجتمع بصلة بل اصبح همهم الشاغل هو كسب المال حتى لو كان على حساب قيم ومبادئ مجتمعاتهم الى ان اصبح بعضهم من اصحاب رؤوس الاموال من الذين يروجون لتجاربهم بين فئات المجتمع متقمصين دور القدوة للاجيال الشابة في حين انهم جمعوا ثرواتهم على حساب المجتمع من خلال استغلال الفرص التي لو وجهت لصالح المجتمعات لأضافت بعدا ايجابيا لها وهؤلاء ينتمون الى مهن كثيرة لا أريد ان أذكرها حتى لا اتهم بالتعميم فالاستنتاج لايزال شخصيا ولكن اؤكد على من امتهن منهم بعض المهن وتبنى بعض الاتجاهات الهادمة للمجتمع في سبيل الرقي بالعلم على حساب النهوض بالمجتمع ولعل ما تورده الصحف والفضائيات في ايامنا هذه من الشواهد المدللة على ما ذهبت اليه. وليس من النزاهة الصحفية ان نصور هذه المسألة دون الخوض في تطبيقاتها واستنتاج الحقائق منها في رسالة أوجهها الى الاجيال القادمة وخاصة اولئك الذين اصابهم الاحباط من القيم عندما يعايشون بعض الحقائق المقلوبة وكيف يرون ذا العلم يشقى في عمله في حين أخو الجهالة في الشقاء ينعم ان التعليم لم يكن يوما من الايام اداة لجمع الاموال وسبيلا للثراء بل هو اداة للتعليم والتثقيف والتعايش مع احتياجات الحياة العملية. فالتعليم اسلوب مؤثر على تربية الابناء والعيش مع الاسرة والمجتمع بمودة وتفاهم ومهنية عالية فالتعليم اسلوب للحياة ولنقارن بين كيف يعيش المثقف او المتعلم وكيف يعيش اخو الجهالة فأخو الجهالة حتى لو كان يملك الملايين لا يدرك توجيهها بل سعيه الى جمع المزيد اضافة الى استخداماتها حتى انها لا تترك اثرا على طريقة معيشته في حين ان المثقف برغم محدودية دخله فانه يوظفها التوظيف الامثل. ان ما تمر به بعض المجتمعات من انقلاب في الموازين لهو حالة مؤقتة ستعود الى ميزانها السليم وتكون فيه الغلبة للعلم والتثقيف وليس للجهالة التي أعيت اصحابها لذا فانني اهيب بالاسر ان تحث أبناءها على التعلم والتثقيف والاكثار من القراءة التحليلية واستنتاج العبر والمواعظ منها فبذلك نوظف مواردنا لما يعود علينا وعلى مجتمعاتنا بالنفع وبعد كل ذلك ايهما اهم المال أم العلم او الاثنان معا على انه لا يجب ان يفهم مما تقدم ان العلم والثراء اعداء ولا يمكن الجمع بينهما. فالعالم يمكن ان يكون ثريا، بل هو الاكثر تأهيلا لذلك والاقدر على تنمية ما وضع الله بين يديه من مال والاكثر حكمة في انفاقه فيما يفيد. وحسنا فعل الامير خالد الفيصل عندما جمع المال بالعلم من خلال مؤسسة الفكر العربي.