كسرت مسرحية الضوء الأسود التي عرضت في ثالث أيام مهرجان المسرح المفتوح للعروض القصيرة بجمعية الثقافة والفنون حدة المكان والذي بدا أكثر اتساقاً مع العرض، وأكثر ملاءمة للجمهور قياساً بالليالي السابقة، على الرغم من أن مسرحية (كسر حاجز صوت) على سبيل المثال عرضت في بهو واسع وفضاء استطاع المخرج من خلاله تحريك الممثلين بكل حرية. لقد كان اختيار الصالة العلوية لعرض مسرحية الضوء الأسود موفقاً، مما أعطى حظاً أوفر لفرقة النورس لكي تقدم عملاً أكثر نجاحاً من غيره. إلا أن عدم السيطرة على الإضاءة وهو الأمر الذي واجهته الفرق الأخرى أيضاً لاسيما فرقة أمواج أضعف التقنيات المسرحية وأثر في كثير من الأحيان على أداء الممثلين. اتكأ كاتب المسرحية ياسر الحسن في هذا العمل على الأمل المتسرب داخل صندوق اليأس الذي يحيط بأبطال العمل داخل السجن، فقد زرع شجرة صغيرة مثلت محوراً رئيسياً بالنسبة للحوار الذي دار طوال المسرحية تقريباً بين الشخصيات الرئيسية الثلاث، أو بالنسبة لفكرة المسرحية برمتها. لقد حاول المؤلف أن يعطي صورة لواقع الحياة التي تعج باليأس من داخل ذلك المعتقل، وهو كما يبدو صورة مصغرة للحياة، حيث يعيش كثير من الناس تحت وطأة الظلم والقهر المفضي بهم إلى اليأس، وبالتالي فإن أي شخص يعيش في ظل هذه الظروف يبحث عن أي أمل للهروب منها أو الخروج من وطأتها. وهو الأمر الذي سعى إليه أحد الممثلين وهو مخرج العمل في ذات الوقت (سعيد الهليل) بحيث أنه أراد أن يستخدم الشجرة كمنفذ وحيد للهروب من السجن. إلا أن هذه الشجرة التي كان من المفترض أن تكون وسيلة للإنقاذ باتت أداة لقتل جميع الممثلين في نهاية العرض بطريقة لم تكن متوقعة. ثلاثة نماذج داخل ذلك الصندوق الضيق استطاعت أن تؤدي الأدوار بكل مصداقية، بداية من يحيى العلي السلبي الذي اقتنع تماماً بمصيره وفضل أن يعيش داخل السجن منتظراً وقت خروجه، مروراً بمخرج العمل سعيد الهليل المتحمس للخروج بأي طريقة مهما كانت متهورة، انتهاءً بحسن العلي المتحمس للخروج ولكن دون أي تهور.. مخرج العمل الذي أدى دور الشخص المتهور حاول أن يعطي النص صبغة بصرية جديدة، إلا أنه لم يتمكن من تفعيل دور النبتة داخل السجن على سبيل المثال وهي التسمية الأساسية، فعلى الرغم من أنه استوحى فكرة التحدث معها والخروج بفكرة تبدو مستحيلة للهروب إلا أنه ظل يؤدي أدوار الحوار بين الشخصيات كما كتبت، دون أن يكون للمثل أدوار مصاحبة كالحركة والانتقال من مكان إلى مكان مكتفياً باستخدام النبرة الخطابية لكل ممثل، فقد كان الحوار رغم جديته وأدائه المتميز هو المسيطر على العرض من بدايته إلى نهايته، فهل نحن بإزاء حفلة خطابية أم استعراض لمهارات لغوية. ويبدو أن مخرج العمل وهو يقدم أول عمل مسرحي له، زج بنفسه كما يبدو في أتون هذا العرض وهو الذي يقوم بدور ممثل أيضاً، فلو تفرغ لأداء دور واحد منهما لاستطاع أن يخرج بفائدة أكثر، إذ من الصعب القيام بعملين في ذات الوقت وفي مهرجان كهذا ينقصه الوقت والخبرة الكافية وقلة الإمكانيات، لكن الذي يبدو ومن خلال الندوة التطبيقية التي جاءت بعد العرض أن المخرج استفاد من كل ما قدم عن المسرحية من نقد. لكن أهم ما قدمه المخرج أن فريق العمل كان متجانساً بحيث لم يؤد إلى أي إرباك في الأدوار أو أي ثغرة أو نقص في الحوار وفي استكمال العرض الذي جاء انسيابياً وخاتمته رغم عدم توقعها إلا أنها استكملت عناصر العرض. وبالنسبة للإضاءة التي كادت تفشل العرض بسبب نقص الإمكانيات وعدم توافر فلاشات كافية فقد استطاعت الموسيقى التصويرية للفنان الشاب مؤيد الجنبي أن تغطي تلك العيوب، وقد توقع الكثيرون أن الموسيقى مسجلة إلا أنها كانت تعرض مباشرة على الرغم من غياب الفنان بعكس ما حصل مع فرقة آفان الذي كان فيه الفنان حاضراً أمام الجمهور يعزف كأنه واحد من الممثلين. لكن النهاية المأساوية لعرض الضوء الأسود لم تصاحبها موسيقى مشابهة تزيد من تأثير تلك المأساوية، إلا أننا نستطيع القول: إن الموسيقى في هذا المهرجان استطاعت أن تحقق مكانة رفيعة بين تقنيات المسرح الأخرى، فعبد المحسن النمر قال في الندوة التطبيقية: إن هذه المسابقة هي مسابقة تقنيات مسرحية. وبالنسبة للندوة فقد قرأ الفنان إبراهيم الحساوي ورقة انطباعية عن المسرحية قال فيها إنه استمتع بالنص فقد جاءت نهايته مفتوحة يمكننا من خلالها أن نبني عليها عدة أفكار وقد حاول المؤلف أن يشرك المتلقي في تبني وجهات نظر مختلفة سواء حول نهاية المسرحية أو أحداث المسرحية نفسها. وتحدث الفنان عبدالمحسن النمر عن مجموعة نقاط في العرض ركز خلالها على عدم التورط في تقنيات فنية غير متوافرة، فعلى سبيل المثال عندما تكون الإضاءة غير متوافرة فلماذا نعتمد عليها بشكل كبير، لنكتفي بإضاءة عادية ونذهب إلى أدوات أخرى لنستفيد منها. وأشاد النمر بفريق العمل وقال: إن هذه المسرحية أعطت دوراً للممثل، مضيفاً قوله إن للممثل دورا كبيرا ويجب أن يكون مصدر اهتمامنا لا أن نركز على التقنيات ورؤى إخراجية تهمش الممثل كما حصل في بعض العروض السابقة. وأشار الناقد محمد العباس في مداخلته إلى أن العرض ليس نصاً مكتوباً وكانت الثرثرة اللغوية سائدة خلال المسرحية، بحيث أنه كان يمكن الاستغناء عن المايكروفون والاكتفاء بنبرة الصوت، ولو حدث ذلك لكان التفاعل مع النص أقوى. وهو الأمر الذي أشار إليه النمر أيضاً. وأثار الفنان إبراهيم جبر في مداخلته القصيرة قضية تشابه جميع العروض في هذه المسابقة مما أدى إلى أن يكون تذوقنا لها متشابها وعلق قائلاً: (كلها كبسة.. كبسة.. كبسة) في إشارة إلى أننا لم نشاهد أي اختلاف في العروض فكلها كانت تتحدث عن السجن تقريباً.. وعلق أحدهم على هذا التعليق قائلاً: إن هناك كبسة سمك ولحم ودجاج... مما يعني أن تشابه العروض والأفكار فيه نوع من الاختلاف ورؤى إخراجية ساعدت في إبراز مواهب كثيرة. فيما علق الكاتب المسرحي حسين البديوي مؤلف نص روميو والمجنون قائلاً: هناك ما يسمى بأدب الطف وأدب المهجر فلماذا لا نحتفي هنا بأدب السجن. جانب من المسرحية