المراقب لتفاعلات المشهد الأمني في اليمن يلمح بسهولة التعاطي القلق للحكومة اليمنية تجاه التعامل مع ظاهرة انتشار السلاح ،فاليوم لم تعد الظاهرة بتداعياتها الأمنية الخطيرة مثار قلق داخلي وحسب بل تعدت ذلك إلى الإطار الإقليمي وربما الدولي بالنظر إلى الاهتمام الذي تبديه واشنطن تجاه قضية انتشار الأسلحة في اليمن. والدخول الأمريكي في معادلة الحرب التي تخوضها صنعاء ،للمواجهة ظاهرة انتشار السلاح ،جاء تحت مبرر المخاوف من أن تكون الأسلحة المتوفرة في بعض الأسواق اليمنية الشهيرة ببيع السلاح ، وسيلة أخيرة بيد الإرهابيين لتسليح عناصرهم ومليشياتهم وتنفيذ أعمال إرهابية . وهذا القلق لم يكن أمريكيا وحسب بل كان محليا إذ أن السلطات اليمنية ادركت مبكرا خطر وجود كم كبير من الأسلحة في الأسواق وفي حوزة المواطنين بعد انتهاء الحرب الأهلية اليمنية صيف 94 ، وباشرت لذلك عمليات شراء للأسلحة من الأسواق خاصة تلك التي تسربت إلى أيادي مواطنين أثناء وبعد الحرب الأهلية في اليمن التي اندلعت العام 94. وفي سياق الحرب على الإرهاب تولت السفارة الأمريكية بصورة منفردة وأحيانا بالتنسيق مع الحكومة شراء كميات كبيرة من الأسلحة الشخصية والمتوسطة من أسواق السلاح في اليمن واستمر العمل كذلك حتى نهاية العام 2003 ، لتصل قيمة الأسلحة التي تم شرائها إلى حوالي 9 مليارات ريال. ورغم الانزعاج الذي ابدته الحكومة اليمنية من قيام سفارة واشنطن بشراء الاسلحة إلا أنها في نهاية المطاف وجدت أن هذا التدخل رغم عدم لياقته ملائم لدعم توجهاتها في محاربة ظاهرة انتشار السلاح ..كما وجدته خيارا جيدا خاصة وأنها وجدت أن أي إجراء قانوني أو تدخل مباشر باستخدام القوة لن يحل المشكلة بالنظر إلى التركيبة الثقافية والاجتماعية المعقدة للمجتمع اليمني . وطبقا لمصادر دبلوماسية عربية فان واشنطن تعتقد إن هناك العديد من الثغرات التي يمكن استغلالها من قبل الإرهابيين لتسليح عناصرهم وتنفيذ عمليات إرهابية .. ولذلك فهي تنظر لليمن كبؤرة هامة في هذا النشاط بالنظر إلى حجم تجارة السلاح وسهولة اقتنائها والتنقل بها . ويشير هؤلاء إلى أن الترتيبات الأمنية التي تشهدها المنطقة في البحر الأحمر وخليج عدن والساحل الأفريقي منذ أحداث سبتمبر لم تكن بعيدة عن الظاهرة ،إذ شرعت القوى الدولية في إطار حربها على الإرهاب للتعامل مع مشكلة انتشار الأسلحة في اليمن كجزء من معادلة الحرب على الإرهاب خاصة في ظل التوجهات التي تبنتها واشنطن في محاصرة الإرهابيين وعدم السماح بوقوع أسلحة من أي نوع في أيديهم . مشكلات أمنية ظلت ولا تزال ظاهرة حيازة وحمل السلاح في اليمن من أكثر المشكلات الأمنية التي تواجهها الحكومة خاصة و أن معظم الجهود التي بذلت للحد من الظاهرة منذ عقد الثمانيات منيت بالفشل ليبقى هذا البلد أسير مشكلة متجذرة وبالغة التعقيد . وبقت الظاهرة بالنسبة لليمن مشكلة مؤرقة ،كونها السبب المباشر في بقاء مناطق مترامية من البلاد خارج نطاق السيطرة تماما كما كانت السبب الأول في انتشار معدلات الجريمة وتغذية بؤر العنف واتساع نطاق ظاهرة الثأر . ومن جهة ثانية كانت السبب في توسع دائرة العنف والجريمة المنظمة وتفيد الاحصائيات الرسمية أن من بين 50 ألف جريمة سجلت على مدى العامين الماضيين كان هناك عدة آلاف من الجرائم المرتبطة بانتشار ظاهرة حمل السلاح والاتجار به .. فيما المتوسط السنوي لجرائم الثأر يصل إلى 300 جريمة قتل كل عام . ولم تستطع السلطات اليمنية حسم ظاهرة السلاح في اليمن رغم المحاولات الكثيرة التي بذلتها لذلك ، تماما كما لم تستطع أي سلطة عبر تاريخ اليمن حسمها . ومنذ مطلع التسعينات برزت إلى السطح العديد من الأصوات الداعية إلى القضاء على ظاهرة حمل وحيازة الأسلحة والمتاجرة بها لكن القضية تحولت إلى موضوع للمكايدات السياسية في أثناء الأزمة السياسية التي نشبت بين شريكي الوحدة لتنتهي المبادرات بتجميد مشروع القانون الذي تم صياغته لهذا الغرض في أول تشريع من نوعة بشأن تنظيم حمل وحيازة السلاح والاتجار بها في اليمن . ولأسباب أمنية بحته تجددت تاليا المبادرات الداعية إلى إصدار قانون ليس لتحريم ومنع حمل وتجارة السلاح بل لتنظيم هذه العمليات، على أن يقضي بتحريم حمل وحيازة الأسلحة غير المرخصة في المدن ويستثني مناطق الأرياف والمناطق النائية من عمليات الحصول على التراخيص. لكن هذه الأفكار التي وضعت في قانون خاص هو القانون رقم 40 بشأن تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها جبهت باعتراضات شديدة واعتبر البعض أنها تستهدف تجريد الناس من أسلحتهم الشخصية . وظل القانون مثار خلافات بين الأطراف السياسية والوجاهات الاجتماعية داخليا ..ولم يتسنى للحكومة إصدار القانون بسبب المعارضة الشديدة من بعض التيارات الحزبية والزعامات القبلية التي اعتبرت أن القانون سيكون الخطوة الأولى للحد من نفوذها في الدولة وتسهيل مهمة عناصر الأمن والجيش لفرض سيطرة تامة على جميع مناطق اليمن دون مراعاة المصالح القبلية . وعلى مدى سنوات تزعم رئيس البرلمان اليمني الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والداعية الإسلامي المعروف عبد المجيد الزنداني ومعهم العديد الشخصيات القبلية والقيادات السياسية الإسلامية معارضة قوية للقانون ما أثار موجة من التكهنات وحالة توتر دعت الشيخ الأحمر إلى التصريح بأن الحكومة ليس لديها اتجاه لنزع السلاح من أيدي المواطنين، وأن مشروع القانون المعروض حاليا علي البرلمان تقدَّم به أناس من وزارة الداخلية لا يعرفون الشعب اليمني، ولا يقدِّرون مصلحته. وبموازاة ما يراه المعارضون في أن عملية تجريد اليمنيين من أسلحتهم الشخصية تعديا على الأعراف والتقاليد الاجتماعية والقبلية فان الحكومة تؤكد أن تغيرا كبيرا قد طرأ على عادة حمل السلاح في اليمن . ويشير البعض إلى إن المدلول الاجتماعي لظاهرة حمل وحيازة السلاح لم يعد كما كان حاله سابقا ،حيث برزت ظاهرة التجارة بالسلاح بصورة أكبر كما أصبح تعاطي اليمنيين مع السلاح يتجاوز المقاييس الاجتماعية المتعارف عليها في المجتمع اليمني بالنسبة لاستخدامات السلاح، كما أن الظاهرة باتت تساهم بشدة في انتشار العنف و الجريمة المنظمة، والإخلال بالأمن الاجتماعي . ويؤكد هؤلاء أن الظاهرة إذا ما تركت دون علاج فانها قد تتحول إلى كارثة أخطر ما فيها أن تصبح أداة للجريمة المنظمة، يمكن أن تدخل اليمن في دوامة خطيرة. * صنعاء