مسرحية (مريم) التي قدمها المؤلف المخرج ياسر الحسن على خشبة مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام مساء يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين والتي سبق ان قدمها في مهرجان المسرح المفتوح في العام الماضي بالمستوى الفني المأمول خاصة ان هناك مسافة زمنية طويلة بين عرضيها الاول والثاني مما كان يسمح للمخرج المؤلف ان يقرأ جيدا ما وراء النص وان يشكل شخوصه على المسرح بما يخدم جماليات العرض والافكار التي يحاول ان يطرحها والظروف التي يقدم فيها من خشبة المسرح الى الجمهور الى المؤثرات بكل انواعها فالمسرح الذي تقدم عليه (مريم) مكشوف وليس هناك حاجز بصري بين المتلقي واللاعبين اي ان هناك ما يمكن ان يمثل معايشة تامة للعمل بلا كواليس، يساعد على ذلك ان المسرحية لم تكن مقسمة الى فصول بل الى مشاهد عديدة لعب الظلام والاضاءة دورا في تقديمها. المسرحية التي تتحدث عن حقبة من تاريخ الخليج وهي حقبة صيد اللؤلؤ بما يكتنفها من معاناة ومآس وصراع بين البحر والبحارة على ظهور مراكبهم، حاولت ان تعبر بالحركة والكلمة والاهازيج عن هذه الصراعات التي طالت حتى البحارة فيما بينهم فهل افلحت في ذلك. مريم للاجابة على السؤال السابق علينا ان نقرأ بعض المشاهد التي قدمت وان نحاول الوقوف عند النص وعند الاداء الحركي للممثلين.. تبدأ المسرحية بمقاطع غنائية للنهام يتخللها اداء شعري لسوق نسائي معبر دراميا فيما البحارة (اللاعبون) يتحلقون النهام.. المسرح غارق في الظلام اضاءة خفيفة توحي بزمنية العمل الدرامي.. البداية الطويلة نسبيا لم تفلح في تهيئة المشاهدين للعرض خاصة ان المشهد الاول الذي ادي باجادة من الممثلين (مشهد فرد قلاع المركب للابحار) كان هو الاخر طويلا نسبيا وفيما كان المشاهدون يتأهبون للاقلاع مع الممثلين عبر نص مسرحي متماسك ومعبر وجدوا انفسهم ازاء مونولوجات يؤديها البحارة بالتناوب تحكي عن البحر وعن الصراع وعن العزيمة وعن اوقات الفرص ليفتقد المشاهد ما يمكن ان يطلق عليه بالفرجة فثمة سيادة للصوت البشري اللامتناسق مع حركة الممثلين على المسرح التي لايجمعها نص متناسق قدر ما يجمعها شراع المركب الذي لعب دورا كبيرا في جذب انظار المشاهدين اذ كان بمثابة الستارة والديكور وحائط الاخفاء وفرجة الرؤية، حتى المظاهر (البوليفونية) في النص لم يكشف عنها التباين في ابعاد الشخصيات الدرامية المشتركة في الحدث. لقد حاولت التجربة التي تقاطعت مع تجارب مسرحية عدة من روافد المسرح العالمي منها تجربة المسرح الفقير والمسرح الحي ومسرح الواقعة والمسرح التسجيلي وغيرها ان تقدم عملا يعتمد على الدرامية ويتجاهلها في آن بالارتكاز على حكاية مريم التي لم تحضر سوى اسم في منتصف العرض عبر حوارية مختصرة بين البحارة لكنها لم تكشف لنا ابعاد هذه الشخصية ولم تجسدها لنا كرمز يمكن الوقوف عنده.. فمن هي مريم ولماذا لم تكن ضحى او وفاء او لبنى مثلا؟.. ورغم محاولة النص ان يقدم لنا تاريخا مجردا يعود الى الثلاثينات واسما معينا يوحي بالتاريخية الا انه نسي اننا امام عمل مسرحي اي امام واقع مرئي يجسد حدثا ما بالحركة والكلمة لاتفلح الاحالة في النهوض به في اتجاهات اخرى. النص يكشف نص (مريم) عن مظاهر متعددة ومتنوعة للمستوى (البوليفيني) فيه يمكن تصنيفها الى اجناس تعبيرية وخطابات ومنظورات واستحضار شخصيات وملفوظات غيرية فالنص تتخلله اغان واساطير وحكايات وقصائد وامثلة وارقام وتواريخ، المفروض من ان تندمج ضمن تأليف سيمفوني درامي كامل ووحدة تركيبية متماسكة لتجسد منظور المؤلف المخرج للصراع ولكنها من وجهة نظرنا تحتاج الى مراجعة حتى يمكن لها ان تنخرط في هذه الوحدة اي انها في حاجة الى ابراز الفعل الدرامي والصراع الذي يدور حوله هذا الفعل وحتى لانستطرد في الشرح والتفسير والاطالة نقول اننا لانستطيع ان نتجاهل جهد المؤلف/ المخرج عبر النص وعبر ادارة حركة الممثلين فقد حاول ان يؤكد اللعبة المسرحية بوصفها لعبة وكسر حالة الابهام والغاء التماهي بين الممثل والشخصية ولفت نظر المشاهد لآليات الخطاب المسرحي يجعله يدرك انه يشاهد مسرحا وتمثيلا فلا يتقمص الشخصيات ومامن شي يفصل المتلقي عن خشبة المسرح سوى المكان، كل ذلك يحسب لياسر الذي نرى انه لو اختار نصا اكثر قوة لاستطاع ان يبرز جهوده الاخراجيه. ولنا قبل اغلاق ستار هذا المدخل ان نؤكد على اجتهاد الممثلين وعلى حركية الاجساد وان تبددت اصواتهم احيان في فضاء المسرح وان نشيد بأداء الصوت النسائي الذي ادته زهراء الناصر. ورغم كل ذلك ندعو ياسر الحسن لمراجعة النص للتركيز على شخصية مريم وابراز الصراع الدائر حولها كمحور للعمل لأنها لم تحظ الا بحضور عرض هيمن عليه صراع البحارة مع البحر والطيبعة والاسترجاع والحنين للمكان الأليف (القرية). لقطة من المسرحية