بعد سلسلة من مراوغات الادارتين الامريكية والبريطانية في تقديم (مبرر موضوعي) لمغامرة غزو العراق وانتهاك سيادته جاء تقرير (تشارلز دولفر) كبير مفتشي الاسلحة ليضع النقاط على الحروف ويحشر ادارتي (بوش) و(بلير) في زاوية (ضيقة جدا) بعد ان اسقط كل الذرائع التي سبق ان قدمتهما هاتان الادارتان كمبرر لغزوهما للعراق وجعلهما عاريتين أمام العالم اجمع. فلقد اوضح التقرير بجلاء لا لبس فيه بان نظام العقوبات والحصار الاقتصادي اللذين فرضتهما الاممالمتحدة على العراق ابان فترة حكم صدام حسين قد استطاعا ان يحدا من قدرات ورغبات الرئيس العراقي السابق في امتلاك اسلحة دمار شامل. ... وان كان لابد من تقرير حقيقة هنا فاننا لابد لنا من التأكيد ابتداء على ان (التقرير الحقيقة) لم يكن اول الضربة التي تعرضت لها ذرائع الادارتين الامريكية والبريطانية, كما انه في نفس الوقت ليس الوحيد الذي وضع حكومة بوش على وجه التحديد في (مأزق مأساوي) قد يعصف بكل آمال وتطلعات الرئيس الامريكي جورج بوش (الابن) في فترة انتخابية ثانية. ... واذا كان (العراق) بكل تداعيات ما يحدث فيه قد وضع نفسه بقوة على اجندة الانتخابات الامريكية فان تقرير (دولفر) قد اضاف بعد آخر طالما حاولت حكومة بوش التهرب منه. ... لقد وضع (التقرير الحقيقة) العالم أمام مسؤولياته عندما كشف له عملية التضليل التي مورست ضده من قبل دولة (القطب الواحد) و(حليفتها التقليدية) ضاربتين عرض الحائط بكل المثل والاخلاق والقيم التي يفترض لها ان تحكم سير العلاقات الدولية. ... كذلك فقد اعطى التقرير للمعارضة البريطانية ورقة ضغط (شديدة الاهمية) جعلتها تصعد من هجومها على توني بلير واركان حكومته مصورة اياهم على انهم مجموعة من المضللين الذين مارسوا الكذب والدجل على الرأي العام البريطاني. ... اما بالنسبة للرئيس الامريكي جورج بوش (الابن) فان الامر يبدو اكثر (مأساوية) وبالذات في ظل كل المحاولات اليائسة التي يبذلها الرئيس والطاقم المحيط به للخروج من نفق الازمة الذي وضعه فيه التقرير من ناحية, وتوالي الاخبار السيئة عن اوضاع الجنود الامريكيين في العراق من جهة اخرى. ... لقد بذل الرئيس بوش وعلى مدى ثلاث سنوات متتالية ومن خلال ظهوره المتكرر على الرأي العام الامريكي الكثير من الجهد والوقت في محاولة للالتفاف على الآثار السلبية التي خلفها التقرير الا ان كل المؤشرات تدل على ان الرئيس قد يدفع ثمنا باهظا جدا وبالذات مع اقتراب بدء الانتخابات الرئاسية. ... لقد التقط المنافس الديمقراطي جون كيري طرف الخيط سريعا بعد ان قدم له تقرير ولفر (خدمة العمر) - كما يقال - مما جعله يصر على استخدام (كرت) العراق كورقة ضغط لابعاد الجمهوريين عن البيت الابيض. ... من هنا المسؤولية الملقاة على طاقم الحملة الانتخابية للرئيس بوش تبدو في غاية الاهمية لان عليهم ايجاد معالجات منطقية ومقبولة لدى الرأي العام الامريكي لاخراج الرئيس من المأزق التاريخي الذي ادخله فيه تقرير دولفر. ... ان الوضع في العراق يحتم على الحكومتين الامريكية والبريطانية ضرورة البدء في وضع حلول جذرية للمشكلات الحالية التي يعانيها العراق الجريح والتي يأتي في أولى اولوياتها انعدام الامن, وانتشار الفقر, والمرض, والبطالية وهو ما لن يتأتى إلا بانسحاب قوات الاحتلال, واعداد برنامج زمني (عاجل جدا) لاعادة اعمار العراق. ... ان مسؤولية الحكومتين الامريكية والبريطانية تجاه المستقبل العراقي تبدو جسيمة وبالتالي من خلال برنامج زمني يشترك في تنفيذه كل من شارك في غزوه هذا البلد الذي مزقته الحرب بتضافر المجتمع الدولي بالتركيز على جهود الدول المتحالفة لغزو العراق وهذا أبسط ما يمكن ان يقدمه العالم وهو يسدد فاتورة اخطاء تقارير الادارة الامريكية. وان كان لنا من كلمة اخيرة هنا فهي كلمة تقدير واحترام للرجل تشارلز دولفر الذي أبى إلا ان يقول الحقيقة بغض النظر عن تبعاتها وما قد تخلفه من نتائج. جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وعلى الحب نلتقي.