شهد الأسبوع الماضي قفزة جديدة في أسعار النفط حققت من خلالها مستوى قياسيا جديدا فوق 50 دولارا للبرميل بسبب القلق المرتبط بالتزود العالمي ووسط اشتداد المخاوف من نقص إمدادات المعروض من نيجيريا ومنتجين كبار آخرين قبل فصل الشتاء.. وقفز سعر عقود الخام الأميركي الخفيف لشهر نوفمبر في التعاملات الالكترونية لنايمكس عبر نظام اكسيس 83 سنتا ليصل الى50.47 دولار للبرميل مسجلا أعلى مستوى لعقود النفط الاجلة منذ بدء التعامل فيها في بورصة نايمكس قبل 21 عاما وأدى هذا الصعود لأسعار النفط الى هبوط الأسهم في بورصات آسيا وهبوط عائد سندات الخزانة اليابانية لمدة عشر سنوات الى أدنى مستوى له في ستة اشهر وهبوط الين الى ادنى مستوى له في ستة أسابيع مقابل الدولار. وجاء صعود الأسعاربالتحديد بعد أن قرر ثوار نيجيريا شن "حرب شاملة" على الدولة من اول اكتوبر، وحث الثوار شركات النفط العاملة في دلتا النيجر الغنية بالنفط على ايقاف انتاجهم بحلول ذلك التاريخ. كما وجهت نقابات العمال النيجيرية إنذارا مدته 14 يوما الى الحكومة لتلغي زيادة نسبتها 14 في المائة في أسعار الوقود والا واجهت إضرابا عاما الى اجل غير مسمى. ويأتي التهديد للإمدادات من خامس اكبر منتج في أوبك وسابع أكبر مصدر للنفط في العالم في وقت تشهد فيه الإمدادات من العراق وروسيا بعض التعثر وينتج فيه المنتجون في شتى أنحاء العالم بأقصى طاقتهم تقريبا لتلبية احتياجات أسرع نمو في الطلب على النفط في 24 عاما. تأثير محدود وفي اطار ردود الفعل على هذا الارتفاع، قال المستشار الألماني جيرهارد شرودر ان أسعار النفط مرتفعة بشدة ولكن ليس لها سوى تأثير محدود على الاقتصاد العالمي وانه ليس هناك ما يدعو للذعر، قائلا "سعر النفط مرتفع بشدة هذه الأيام ولكننا لم نر تأثيرا كبيرا له على الاقتصاد العالمي بعد. ولكن اذا ظل عند هذا المستوى المرتفع فقد يحدث ذلك". ومضى قائلا "لا داعي للانزعاج بعد ولا داعي للذعر". وقد ارتفعت أسعار النفط الى مستويات قياسية فوق 50 دولارا للبرميل مع تفاقم القلق بشأن الإمدادات قبل الشتاء. الوضع لم يتغير وفي ذات الإطار قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية كلود مانديل ان عوامل العرض والطلب لا تبرر ارتفاع أسعار النفط متجاوزة 50 دولارا للبرميل وانه ليست هناك حاجة للسحب من مخزونان الطوارئ. وقال مانديل "الوضع لم يتغير... فالمعروض أكثر من الطلب". ومضى "بالطبع هناك بعض المخاطر والسوق تتوقع أن تصبح هذه المخاطر واقعا.. لكن ما دامت هذه المخاطر لم تتحقق بعد فلا أرى ما يدعو للسحب من المخزونات". وقال مانديل انه لا يرى مؤشرا على أن تهديدات المتمردين في نيجيريا بمهاجمة منشآت النفط تؤثر فعليا على الإمدادات. ومضى قائلا "المشكلة هي أن الكل يشعر بتوتر بالغ ولكنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها اضطرابات في نيجيريا". وذكر مانديل أن الشهور المقبلة ستشهد دخول طاقة إنتاجية جديدة للمساعدة في تخفيف قلق سوق النفط من نقص الإمدادات. وقال "في بداية 2005 ستكون لدينا طاقة فائضة كافية وآمل أن تدرك السوق أن هناك إمدادات كافية". انخفاض تبرره أوبك ومن جانبها عزت نشرة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التراجع الذي شهدته أسعار النفط يوم الخميس الماضي في الأسوق العالمية بعد ان تجاوزت الأربعاء معدل الخمسين دولارا للبرميل الى الارتفاع المفاجئ في مستوى المخزون النفطي الأمريكي إضافة الى موافقة المتمردين من دلتا النيجير الغنية بالنفط على هدنة مع الحكومة النيجيرية. وعلى الرغم من هذا الانخفاض حسب نشرة أوبك الا ان المتعاملين في سوق النفط يتوقعون بقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة. وتشير التحليلات الى ان معدلات أسعار النفط الحالية تقترب من المستوى الذي كان سائدا أثناء الحظر النفطي العربي الذي فرض على الغرب عام 1973 في حالة حساب معدلات التضخم. عصا سحرية وفي غضون ذلك أكد عبدالله العطية وزير الطاقة والصناعة القطري ان منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لا يمكنها التدخل لخفض أسعار النفط التي تخطت الخمسين دولارا للبرميل، موضحا ان "أوبك عملت كل ما تستطيعه وفي اعتقادي الشخصي الوضع صعب، فهي لا تملك عصا سحرية وكل ما نستطيع فعله قمنا به من خلال زيادة الانتاج"، وأوضح ان "ارتفاع الأسعار ليس نتيجة نقص في الإمدادات وإنما نتيجة شعور بعدم استقرار الإمدادات مما أدى الى عوامل نفسية أكثر مما هي أسباب لها علاقة بالإمدادات". وفي جاكرتا صرح رئيس اوبك بورنومو يوسغيانتورو بأن المنظمة لا تستطيع حاليا ان تفعل اي شيء لخفض اسعار البترول مشيرا الى ان ارتفاع الأسعار حاليا يمكن ان يؤدي الى انكماش. الاحتياطي النفطي ومن جانبه اكد البيت الابيض ان الولاياتالمتحدة لا تعتزم استخدام احتياطي النفط الاستراتيجي للتعامل مع الازمة المتواصلة لارتفاع اسعار النفط والتي أوصلت سعر البرميل الى 50 دولارا. وقال المتحدث باسم المقر الرئاسي سكوت ماكليلان ان الادارة الامريكية التي قامت في الماضي باعارة 7ر1 مليون برميل من نفط الاحتياطي الاستراتيجي الى المصافي النفطية الامريكية (لن تلجأ الى استخدام هذا الاحتياطي لاي اسباب سياسية) في اشارة الى قرب انتخابات الرئاسة الامريكية في نوفمبر المقبل. وقال ماكليلان: اذا كنتم تتحدثون عن الاحتياطي النفطي الاستراتيجي فاننا لن نستخدمه للتأثير على الأسعار او لأسباب سياسية لانه مخصص لحالات الطوارئ الوطنية او عدم استقرار إمدادات النفط. لكنه أضاف قائلا ان الإدارة تراقب تطورات أسواق النفط عن كثب فيما تتوارد تقارير ببلوغ سعر النفط 50 دولارا للبرميل الواحد وهو أعلى مستوى قياسي على الإطلاق. وختم المتحدث تصريحه بالقول: بالتأكيد ان الأوضاع النفطية هي أمر نراقبه بعناية في ما يتعلق بالأسعار. وكانت الولاياتالمتحدة قد لجأت الى استحداث نظام الاحتياطي الاستراتيجي عام 1974 بضخ النفط في آبار صخرية ضخمة بعد الأزمة العالمية التي سببها حظر النفط الذي قامت به الدول العربية ابان حرب العام 1973. الانتعاش العالمي وقال وزير المالية النمساوي كارل هاينز جراسر انه ليس منزعجا من أسعار النفط المرتفعة وانها لن تضر بالانتعاش الاقتصادي العالمي، مبينا "ليس هناك ما يدعو للانزعاج وأسعار النفط لن تعوق الانتعاش العالمي". وقالت المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة لويولا دي بالاثيو ان الضغط الحالي على أسعار النفط سينحسر بعد انتخابات الرئاسة الاميركية في نوفمبر، وقالت "سيتراجع الضغط (بعد نوفمبر)"، وعندما سئلت لماذا ستتراجع الاسعار قالت "اعتقد أن هناك بوضوح ضغطا بسبب الانتخابات الأميركية". وفي طوكيو قال وزير المالية الياباني ساداكازو تانيجاكي ان أسعار النفط المرتفعة قد لا يكون لها تأثير فوري على اقتصاد اليابان ولكنها غير مرغوب فيها وتستدعي الحذر، وقال تانيجاكي "المستوى الاخير فوق 50 دولارا (للبرميل) ليس مرغوبا فيه"، مضيفا ان اسعار الصرف الاجنبي تتحرك مؤخرا في نطاق ضيق وبالتالي فمن المستبعد طرحها للبحث في الاجتماع المقبل لوزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. من جانبه قال وزير الاقتصاد الاسباني بيدرو سولبيس ان أسعار النفط المرتفعة قد تؤثر على الاقتصاد ولكنه يعتقد أن تحقيق نمو اقتصادي بنسبة ثلاثة بالمائة في العام المقبل لا يزال أمرا ممكنا، وقال "قد يكون له تأثير معين على النشاط الاقتصادي، لكني مازلت على اعتقادي بأن نمو إجمالي الناتج المحلي الأسباني في 2005 بنسبة ثلاثة بالمائة أمر يمكن تحقيقه". وقال المفوض الأوروبي للشؤون النقدية خواكين المونيا ان الاقتصاد الاوروبي قد يتضرر اذا ظلت أسعار النفط عند مستوياتها القياسية الحالية، وقال على هامش مؤتمر عن الوحدة النقدية "لن تكون أنباء سارة اذا ظلت الاسعار عند هذا المستوى في الشهور المقبلة". وقال المونيا ان الاقتصاد الاوروبي قد يتضرر قليلا مع تراجع النمو وارتفاع التضخم اذا ظلت أسعار النفط مرتفعة ولكنه أعرب عن أمله في الا يكون الوضع دائما، مضيفا أنه في "الاحوال العادية" لن تظل أسعار النفط عند مستوياتها الراهنة. وقال رئيس رابطة المصدرين الالمانية (بي جي ايه) ان ارتفاع أسعار النفط سيضر بالنمو الاقتصادي في ألمانيا والعالم هذا العام لكنه قد يشكل خطرا على النمو في العام المقبل. وقال انتون بويرنر رئيس الرابطة "هذا العام كاد ينتهي" لكنه أضاف أن الآثار السلبية لارتفاع أسعار النفط ستكون محسوسة في العام المقبل، وقال "علينا أن نتوقع انفجارا في التكاليف والضغوط التضخمية"، مشيرا الى أن ذلك سيسري على قطاع الطاقة كله. ومن جانبه قال ادموند داوكورو مستشار الرئيس النيجيري لشؤون النفط أمس ان بلاده خفضت الانتاج بما بين 250 ألفا و300 ألف برميل يوميا اي بنسبة عشرة في المائة في أغسطس لحماية منشآتها المتقادمة بعد ان رفعت الانتاج الى أقصى الامكانيات. بالاضافة الى ذلك تهدد اتحادات عمالية نيجيرية بالاضراب عن العمل بدءا من 11 أكتوبر اذا لم تقرر الحكومة الغاء زيادة بنسبة 15 في المائة في أسعار البنزين. إعصار ايفان ومما دعم ارتفاع الأسعار انخفاض الإمدادات الى الولاياتالمتحدة بسبب الإعصار ايفان في خليج المكسيك، كما قال متعاملون ان قرار واشنطن تقديم قروض نفطية قصيرة الاجل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لشركتي تكرير أمريكيتين لن يؤدي الا الى طرح كميات بسيطة في السوق. إلى ذلك قال مصدر بصناعة النفط وثيق الصلة ببغداد ان العراق عازم على تعزيز مبيعات النفط الخام في اكتوبر الى مليوني برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ الغزو الأمريكي في مارس 2003، وقال المصدر ان مؤسسة تسويق النفط العراقية (سومو) تهدف الى بيع نحو 320 الف برميل يوميا من خام كركوك من الشمال ونحو 65 1 مليون برميل يوميا من خام البصرة الخفيف من مرفأي التصدير في جنوب البلاد. وبلغ متوسط صادرات العراق من الجنوب شهر سبتمبر نحو 7 1 مليون برميل يوميا ومن المقرر أن يبيع نحو 3 4 مليون برميل (143 الف برميل يوميا) من خام كركوك.