المملكة تواصل دعم المشروعات التنموية والخدمية وتعزيز الحماية الاجتماعية    الرياض تحتضن منتدى الاستثمار الرياضي    وزير الدفاع الأميركي: الولايات المتحدة ستواصل مهاجمة الحوثيين لأسابيع    الخارجية تستضيف رؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية في رمضان    نيوكاسل يتوج بكأس (الكاراباو) بعد غياب 70 عاماً عن البطولات    بعد هيرنانديز.. بلانيس يريد جلب الزلزولي للاتحاد    ‫الأخضر يدشن معسكر الرياض استعداداً للصين واليابان    المملكة تسهم في إحباط تهريب سبعة ملايين قرص مخدر في العراق    محافظ البكيرية يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين "التعليم" و"جمعية الساعي على الأرملة"    ولي العهد يطلق خريطة العمارة السعودية ب19 طرازاً    محافظ الأحساء يرعى حفل تكريم 78 طالبًا وطالبة فائزين بجائزة "منافس"    مستشفى الأمير ناصر بن سعد السديري بالغاط يواصل حملة "صم بصحة"    نائب أمير منطقة جازان يشارك أبناءه الأيتام الإفطار الرمضاني    محمد نور يتوقع بطل دوري أبطال آسيا للنخبة    سفير بكين لدى الرياض :35 شركة صينية فتحت مقار إقليمية في السعودية    %43 من الطلاب المعاقين بالمرحلة الابتدائية    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    «مسام» ينتزع 548 لغمًا خلال أسبوع في اليمن    ترفيه ومبادرات مجتمعية    تي تي إم تحتفي بإرثها في ملتقيات رد الجميل    متى تحسم درجات المواظبة ؟    إفطار لصحفيي مكة    م.النعيم: التزام المشغلين بحقوق المستهلك 55%    نوتات موسيقية لحفظ ألحان الأهازيج الشعبية    مرسم مفتوح ومعرض تشكيلي في رمضان زمان    العلمانية.. عناصر جديدة لفهم مسارها    4.67 ملايين للعناية بمساجد الأحساء    الأثر الثقافي للتقاليد الرمضانية    طاش مديرا تنفيذيا للمدينة الطبية    321 عملية أورام تعيد الأمل لمرضى جازان    100 متطوع ومتطوعة بحملة صم بصحة    «بسطة خير».. دعم الباعة الجائلين    الكوادر النسائية بأمانة المدينة.. تعزيز جودة العمل البلدي    تجديد مسجد العظام المبني في العهد النبوي    نائب أمير نجران يثمَّن جهود الأفواج الأمنية.. ويكرم الطلاب المميزين    مكة في عهد الوليد بن يزيد.. اضطرابات سياسية وتأثيرها على إدارة الحرم    أمير منطقة جازان يعتمد نتائج الفائزين بجائزة جازان للتفوق والإبداع    الهلال يخسر لاعبه في الديربي أمام النصر    نائب أمير منطقة عسير يشارك أبناءه الأيتام الإفطار الرمضاني    التزام راسخ بتعزيز الأمن والاستقرار في العالم.. ولي العهد.. دبلوماسية فاعلة في حل الأزمات الدولية    «المداح.. أسطورة العهد» مسلسل جديد في الطريق    بمشاركة حكومة دمشق لأول مرة.. المؤتمر الأوروبي لدعم سوريا.. ماذا يريد الطرفان؟    وسط تشديد الحصار واستمرار المساومات حول عدد الأسرى.. 2.4 مليون إنسان يقتلهم الاحتلال ببطء داخل غزة    مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يعقد اجتماعًا لمناقشة التقارير وإصدار التوصيات    ولي العهد يبحث مستجدات الأحداث مع رئيسة وزراء إيطاليا    اللجان الأولمبية الإفريقية تعترف بالاتحاد الدولي للهجن    ليفربول يواجه نيوكاسل في نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    فتاوى الحوثيين تصدم اليمنيين    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الأذان.. تنوعت الأصوات فيه وتوحدت المعاني    وغابت الابتسامة    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهى المصري
نشر في اليوم يوم 27 - 09 - 2004

ان عدد الأحلام التي تذبح يوميا ، بسبب الحروب التي تقوِّض عماد الاسر، سواء باغتيال الاب، او نحر الام او حتى عبر ابادة الاسرة بأكملها، هو الشيء الوحيد الذي تسقطه من حسابها الاحصائيات، التي تعمل على"أرشفة" فداحة الحروب وخسائرها.
كيف لا والمتحكمون بمصائر البشر، هم من اصحاب الاحلام الديناصورية المفترسة، والمتخمين من الكافيار والوجبات الدسمة، والقادرين على تحريك مئات الآلاف من الجيوش الجرارة عبر فرقعة اصبع واحدة، هؤلاء سيستحيل عليهم حتما رؤية الاحلام البسيطة التي تلتف حول المهنة التي تعيل، وفتى الاحلام، ومنزل الزوجية بكل التفاصيل التي تكبر بين ثنايا احلام الاجيال الشابة وآمالها بالحياة الآمنة.
والسبب بكل بساطة يعود الى ان لغة مهندسي شراسة الآلة العسكرية، لا تعرف سوى الارقام والحسابات التي تهتم فقط في الارباح، لأن الخسائر من نصيب الطرف الآخر على الدوام، او الأقل هذا ما يسعى الى تكريسه، مهندسو الثروات باسم التحديث والتغيير.
هذه المعادلة قد تبدو بسيطة، لكنها في الواقع من احد اهم الاسباب التي ادت الى ابادة ملايين البشر عبر التاريخ، وذلك لان الاحلام الصغيرة لا تراها النوايا المجردة من الخير والرحمة والمصابة بداء العملقة، حيث استطاع هذا المرض ان يحوِّل الكون عند النفوس الدنيئة، الى دمى بلاستيكية تتحكم بها اياد مريضة من كثرة الترف والرفاهية ومن السيطرة على زمام الامور.
والغريب في الامر ان تلك الايادي المغلفة بالحرير والتي تنشرالموت والرعب كيفما تحركت، ترتدي صفة الشرف و"النبالة" مع انها تعمل بعقلية المرتزقة وهو ارث تعاقب على تبنيه كل المستعمرين.
عندما نتذكر ما تبقى من حضارة الهنود الحمر اليوم على سبيل المثال، نعرف مدى بشاعة الجريمة التي ارتكبت بحق هذا الشعب الذي صوره المستعمر كالوحوش الضارية التي تستحق الاعدام بالرصاص، مع ان العلوم عند الهنود الامريكيين فاقت تلك التي كانت في اوروبا في ذلك الوقت !
لقد تفوق حكماؤهم في علم الفلك حيث قاموا بحساب السنة الفلكية لتضم 365,222 وهو رقم محدد اكثر من التقويم لدى جريجوار الثالث عشر والذي جاء بعده بخمسة قرون! كما انهم نظموا جدولا يتنبأ بكسوف الشمس، ويعد ذلك تطورا كبيرا في الرياضيات في ذلك الوقت حيث تفوق على النظم التي عرفها الرومان والاغريق، اما حضارتهم كذاكرة مسجلة بمراحلها المختلفة والتي كانت منقوشة على قطع من ذهب وفضة لم يعد موجود منها الا القليل، والسبب ان الغزاة قاموا بتحويلها الى سبائك! وهكذا ان ما تبقى من تلك الحضارة التي كانت واعدة هو اليوم حبيس المتاحف والمعارض ليس الا.
هذه هي احلام المرتزقة التي ترتجف امام بريق الذهب والفضة، ولكن في المقابل لا يرف لها جفن امام ضحاياها المتوسلة للرحمة والخلاص! الم يحول المستعمر الاوروبي الهنود الحمر طعاما لكلابهم ؟
يقول القس دي لاس: "ان الغزاة كانوا يقودون الهنود مقيدين في سلاسل... فيقتلونهم ويقيمون مذابح متنقلة للحم البشر وذلك لاطعام كلابهم..." ما الذي تغير اليوم مع اختلاف الهمجية الغازية؟
ربما لم يحولنا الاستعمار بعد طعاما لكلابه، لكن هذا ليس رحمة بنا بل خوفا على كلابه من التسمم، لأننا شعوب متخلفة، أليست هذه تهمتنا دائما؟ ولكن هل هذا سبب كاف ليقوم بنهبنا وتجويعنا؟ على كل مهما كانت مبرراته لقد استطاع الاستعمار ان يحَوِّلنا وبجدارة الى آكلي لحوم الكلاب ومن الدرجة الاولى.
ان الامرالمخزي هو ان التاريخ يعيد نفسه بنفس الالوان والعناصر وكأن الامر اصبح وراثيا، حيث اصبح العبد ينجب عُبَيدا، والمتسلط ينجب من هو اشد تسلطا وقسوة، من هذه الدوامة ولد الخنوع وتكرست الرهبة عند عبيد الامس والمستقبل من عدو اختبأ منذ البداية خلف تطوره التكنيكي ليمارس ما يحلو لحيوانيته ان تفترس .
في الماضي قام المستعمر الاسباني بالابادة الجماعية لهنود امريكا عن طريق تفوقهم التكنيكي باستخدام الاسلحة النارية، وكما"جَرَّب" موسوليني ضد الاثيوبيين رصاص الدوم-دوم الخاص بصيد الذئاب لقد قام الامريكيون في حرب الخليج الثانية "بتجريب" الصواريخ التي توجهها اشعة الليزر، وقنابل الضغط التي تفجر الرئة على بعد عدة كيلومترات، واسلحة الدمار شامل، والله وحده الذي يعلم ما الاسلحة التي تم "تجريبها" في الحرب الاخيرة على العراق.
هذه هي عدالة بوش التي خولته وهو المتفوق تكنولوجيا، شن حرب على شعب غَيَّب القهر الملايين منه، وهو يعلم تماما ان النسبة بين عدد الموتى في جيش المستعمر وجيش الدولة المستعمرة بسبب التفوق التكنولوجي، يصل دائما الى 1 مقابل الف هذه النسبة نفسها كانت بين الاسبان والهنود، والانكليز في الهند، والامريكيين في فيتنام، والفرنسيين في افريقيا وفي الجزائر، ولكن في العراق الجديد قد تختلف المعادلة تماما لان اسلحتهم لم تميز بين المواطن والجندي هذا من جهة ومن جهة اخرى لان امريكا تألقت في شرها الانساني والتكنولوجي، لقد اطلقت في حرب الخليج الثانية وفي 40 يوما مائة الف طن من المتفجرات على العراق، اى ما يعادل اربع مرات هيروشيما، ترى كم هيروشيما شهدت العراق في حربه المفتوحة هذه؟ بل وكم هيروشيما ستشهد المنطقة بأسرها ؟
الجواب سيظل في الهواء الى ان تتمكن احلامنا الصغيرة من اثبات وجودها امام احلامهم الخبيثة عندها ربما نستطيع ان نقف في وجه المذابح وابادة الاوطان، والقمع بحد السيف لملايين الشعوب المستعبدة باسم الحرية والتحديث، بدلا من التضرع بان تكون شراسة قدم المستعمر اكثر رحمة من قدم رئيس مخلوع !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.