اصبحت عادة قطع الاشارة المرورية ظاهرة وتعدت كونها مخالفات فردية لتصبح تجاوزات جماعية لاناس لم يعودوا يملكون العقل والقلب والمشاعر تجاه انفسهم وتجاه الآخرين. وعندما كنت في طريقي للجريدة بعد ظهر امس شاهدت امرا كاد يتسبب في مأساة كبيرة كان بطلها سائق سيارة سوبربان بها عائلة كبيرة قطع السائق اشارة المرور في الوقت الذي كانت تمر شاحنة ضخمة قدر الله ان يكون سائقها فطنا وسريع البديهة تصرف بحكمة انقذت تلك العائلة من فاجعة كاد يتسبب بها احد افرادها المستهترين. ولأن المشهد كان خطيرا ومفزعا فقد اصبت بخوف شديد وعندما وصلت لمبنى الجريدة طلبت من مركز المعلومات بالجريدة تزويدي باحصائيات عن حوادث المرور بالمملكة وقد راعتني الارقام وفجعت وانا انتقل من رقم يحدد عدد الوفيات الى رقم يحدد خسائرنا المادية وآخر عن اعداد المعاقين في مختلف مناطق المملكة. وسوف اضعها بين يديكم لتعرفوا حجم المأساة، مع انني اعتقد ان المأساة الكبيرة تكمن في كون كل منا يعتقد انه بعيد عن هذه الحوادث وان الموت او الاعاقة هي من نصيب غيرنا، وان الاحزان والبكاء والعويل والمعاناة الناتجة عن تلك الحوادث هي بعيدة عنا نسمع عنها ونقرأ عن ابطالها. مع ان مايحدث لغيرنا قد يحدث لنا وما يصيب غيرنا قد يصيبنا ولكن نظل في هذه الدائرة، دائرة الموت والمعاناة والاعاقة والبكاء وكأنها سيناريو يومي تتعرض لها العائلات يوما بعد يوم دون احساس بان الامر قد ينتهي او على الاقل يتحسن. انا شخصيا لا ارى في حملات التوعية والتوجيه اي فائدة، فالذي يقطع الاشارة يعرف انه مخالف ويعرف انه قد يموت او قد يقتل غيره ومع ذلك يقطعها فماذا سنقول له في حملة التوعية؟! نحن نتعامل مع اناس لايخافون اهلهم ولا رجال الامن ويتحدون سلطة العقل والقانون ولا ارى حلا لهم الا القوة ومصادرة السيارات والسجن باعتبار كل ذلك من باب حماية المواطنين الابرياء من جرائم قتل اشبه ما تكون متعمدة. كما اننا امام اولياء امور يعتقدون ان من العيب تسجيل مخالفة على احد ابنائهم ومن المصائب ان يتم توقيف حتى سائقهم ويعتقدون ان الشوارع ملكهم والطرق ملاعب لذويهم دون اعتبار لحرمة الآخرين او احترام لقانون البلد. واجزم بأنني في لحظة كتابة هذه الزاوية فان اكثر من عائلة ستبكى حبيبا لها واكثر من مقبرة ستفتح ابوابها واكثر من مستشفى سيستقبل الجرحى ناهيك عن دور العجزة والمعاقين الذين تنتهي حياتهم الى تلك الاماكن المهجورة المنسية. لماذا لا نبدأ من انفسنا، من بيوتنا؟؟ لماذا لا يتحرك كل اب ليكون جنديا يمنع تمادي ابنائه؟ ولماذا لا تساهم الامة في حماية ابنائها وابناء وطنها من عبث فلذة كبدها؟ لماذا لا نحترم اشارات المرور او خطوط المشاة او السرعة القانونية؟؟ لماذا نعيش في دوامة الموت والدم والدمار والبكاء والعويل؟؟ اسألوا انفسكم لماذا تتصدر ارقامنا احصائيات العالم من حيث اعداد الموتى والجرحى والمعاقين بسبب حوادث المرور؟؟ ولماذا لا اسمع خطباء الجمعة وهم يتحدثون عن هذه الحوادث كون ديننا الاسلامي الحنيف يحمي الروح البشرية ويقدسها؟! اسئلة كثيرة اطرحها عل القارئ الكريم يتفاعل معها ويستفيد منها لما هو خير له ولاسرته ولمجتمعه. والآن لكم هذه الارقام التي بالتأكيد زادت منذ نشرها وحتى هذه اللحظة. وبعد ذلك اترككم تضربون وتقسمون وتعرفون حجم المأساة، وحجم معاناة الآباء والامهات، وتتخيلون كم من بيت انهار وكم من اسرة تشردت وكم من طفل تيتم وزوجة ترملت وام تحولت حياتها من امل الى الم.. في الثلاثين سنة الاخيرة توفى في المملكة بسبب حوادث المرور (80 الف شخص) بمعدل 2500 شخص سنويا اي 200 شخص شهريا طيلة 30 سنة متواصلة. كما كانت الخسائر المادية كبيرة وصلت الى (20 الف مليون) ريال وهو ما يعادل 4% من الناتج المحلي للمملكة. وان 81% من الوفيات في المستشفيات كانت بسبب الحوادث المرورية وان 1200 شاب توفوا في اجازة صيفية واحدة وان ما يقارب العشرين الف طالب يتعرض لحوادث مرورية كل عام يموت منهم ما يقارب 2400 طالب سنويا (ياله من رقم خطير). لو سمحتم اعيدوا قراءة المقال وتوقفوا طويلا عند الارقام وتأكدوا ان بامكانكم المساهمة في الحد من هذه الفواجع اذا فكرتم ان تكون البداية منكم. حفظكم الله وحفظ من نحب وتحبون. ولكم تحياتي