هو السبيل الصحيح للاعتماد على الله الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو، وذلك لأن الله جلت قدرته هو الذي يلجأ إليه العبد عند الشدائد، والنوازل التي لا يخلو من حدوثها لأي إنسان، والتوكل على الله يدل على قدسية تلك النية، والتعلق بالله عز وجل في كل شأن من الشئون التي يرتجيها العبد، ومنها الرزق فهذا قد كفله الله لكل مخلوق في هذه الأرض، قال الله عز وجل ( وما من دابة في الأرض إلاعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) هود:6. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا). الله أكبر، والله لو أن كلاً منا تدبر وتمعن في هذا الحديث لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التنافس على أكل الأموال بالباطل، ولما تنافسنا على التزييف على الناس، والكذب، والغش كي نكسب أموالاً حراماً والعياذ بالله، أننا في زمن نسأل الله خيره، ونعوذ بالله من شره، انتشرت الرشاوى، والتدليس، والسرقات عن طرق مباشرة وغير مباشرة من أجل المال. والتوكل على الله في تحصيل الرزق مطلب لابد من الأخذ به، فإن السماء لا تمطر ذهباً كما قيل. ويكون كذلك التوكل على الله في طلب الدواء من الطبيب، أو بالأشياء الحسية، والرقى الشرعية، وغيرها من الأشياء المباحة وليس التوكل أن يمرض الإنسان ثم يترك التداوي بما شرعه الله. ومن توكل على الله كفاه قال تعالى: ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه). وأصل التوكل الوكول يقال وكلت أمري إلى فلان أي ألجاته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكل فلان فلانا استكفاه أمره ثقة بكفايته، والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية، وهي قوله تعالى: ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها). وعلينا أن نعلم أنه يجب على الإنسان أن يكون موقنا بأن الله تعالى قد تكفل برزقه في هذه الحياة، وأنه لن يموت حتى يستوفيه فقد روى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم، وأن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته، خذوا ما حل ودعوا ما حرم). فما ذلك الجشع الذي نراه، وما تلك الرقاب التي تدك من أجل خلاف على أرض، أو واد أو أي شيء دنيء دنيوي، ما هذه الحروب التي دمرت الشعوب من أجل سرقة خيراتها، وما تلك الانقلابات في العالم إلا من أجل الثروات، ذلك لأن أولئك لم يرجوا ما عند الله من رزق حلال، ولكن هل نجحوا في تحصيل مرادهم، قد يقول البعض نعم، لقد استطاعت أمريكا تحصيل بترول العراق مثلاً، ولكن هل انتصرت في الحرب هل نجت من الأعاصير السنوية، أم نجت من حرائق الغابات أم نجت من الفيضانات والكوارث الكونية، لا والله أنها كلما أرادت النهوض والسيطرة على العالم إلا وجاءها من الله ما يؤخرها عن ذلك أنها والله لحكمة الله، وكم من المليارات تدفعها لتموين جيوشها في حروب لا تطاق فأي حضيض هي فيه الآن، وأكبر دليل على بعدهم عن الله وعن آياته أنهم يتكبدون مليارات الدولارات لإثبات وجود ماء على أرض المريخ، وإثبات إمكانية الحياة على المريخ، ولو أنهم عرفوا ماذا أخبرنا الله في كتابه العزيز لوفروا أموالهم تلك لمفترشي الأرصفة في شوارعها، الذين لا وظائف ولا مأوى لهم يقول الله تبارك وتعالى: ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) لم يقل الحياة تكون في أي كوكب آخر فليتهم يعقلون.. ( الأرزاق) الأرزاق عند الله معلومة والآجال مكتوبة عليك أيها الإنسان قبل أن تخلق السموات والأرض ، ثم كتبت مرة أخرى وأنت في بطن أمك عندما نفخت فيك الروح كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق-: (( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)) الحديث.فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا اللهث وراء الدنيا. ولماذا يجمع بعض الناس المال من طرق الحرام، والله تعالى قد تكفل برزقهم من الحلال. وأين توكلنا على الله؟ وأين ثقتنا بالله، وأين عملنا بقول الله تعالى: ( فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) ( العنكبوت: 17). فهل من ابتغاء الرزق عند الله أن نأكل ما حرم الله وهل من شكر الله أن نعصي الله في طلب المال فنجمعه مما حل ومما حرم؟ ونترك الاعتماد على من بيده ملكوت السموات والأرض وهو سبحانه القائل: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" ( الطلاق:3) "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً" ( الطلاق:4) "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" (الطلاق:2،3) إننا اليوم نرى أشياء لم تكن في الحسبان من تجرؤ الناس على أكل الربا، وتحصيل المال الحرام، وهذا والله من أشد المنكرات الغريبة، والمريبة. أن الذين اتخذوا التوكل سبباً رئيساً مع فعل الأسباب المباحة هم الذين حققوا التوكل وحققوا قوله تعالى: ( إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة:5 وقوله: (فاعبده وتوكل عليه) ( هود: 123) فاستعانوا به على طاعته وشهدوا أنه إلههم الذي لا يجوز أن يعبد إلا إياه بطاعته وطاعة رسوله، وأنه ربهم الذي ( ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) الأنعام: 51، وأنه ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) فاطر: 2، ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله) يونس: 107، ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادنى برحمة هل هن ممسكات رحمته) الزمر: 38. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع. وإنما التوكل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع". ومن أعرض عن التوكل فهو عاص لله ورسوله بل خارج عن حقيقة الإيمان، قال الله تعالى: (وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) يونس: 84، وقال تعالى: ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده) آل عمران: 160، وقال تعالى: ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران: 160، وقال: ( قل حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون) الزمر: 38 @@ أ. سعيد الشهري