القاص صبري رسول احد الاصوات السردية التي تعمل بجد للاستفادة من التراث والعمل على خلق جو سردي ينبع من تلك الحكايات التي استمدها من الحكواتي منذ ايام الطفولة. وعلى الرغم من انتقاله الى مكان آخر من اجل العمل وترك بلده سوريا إلا انه حمل ذلك الإرث معه وبقي راسخا لديه الى ان تمثل لديه هذا الإرث الى كتابة حقيقية.. وبالإضافة الى كتابته السردية فهو ناقد وقارئ ومتابع لحركة النشر والثقافة في السعودية والوطن العربي وشارك في عدة مؤتمرات أدبية وثقافية، وقد اجرت معه (اليوم) هذا الحوار للوقوف على بعض آرائه حول مجموعته القصصية الصادرة حديثا وحول قضايا أخرى. البداية مع الحكواتي @ بداية لو تحدثنا عن بدايات القصّ لديك؟ * عشقت السرد منذ كنت طالبا في المتوسط، حيث كنت أحضر مجالس الحكواتي العراقي "أحمد السيد" أثناء زياراته لسوريا قبل الحرب العراقية الإيرانية، كنت أصيخ السمع مع القرويين لحكايات "فيروشة" الفارسية.، والمجالس الشعبية التي كانت تغص بالناس للحكواتي الشعبي (أحمد رحيمة )) وهو يسرد حكايات من ألف ليلة وليلة بأسلوب شيق، وباللغة الكردية. أما والدتي فهي التي أمدتني بنسق السرد الطفولي، لأنها كنز مليء بقصص الأطفال. مع حكايات كل هؤلاء كنت أتقمص أبطال حكاياتهم وكثيرا ما كنت أتخيل أني البطل. بداياتي مع الكتابة القصصية كانت عام 1990 حيث نُشِرت لي أول قصة "ومات نصف ربيع" في جريدة الفداء اليومية السورية. ثمّ أصدرتُ المجموعة الأولى "القطا تراقص النهر الجميل" عام 1992 بالاشتراك مع الشاعر والقاص عمر كوجري. @ كثير من المبدعين يسندون عملية الإبداع لديهم إلى الأم أو الجدة، ما سرّ هذا الإسناد ؟ * الأم أو الجدة - التي عجنتهما الحياة بلونها - من أقرب الناس إلى الطفل، وتبدأ علاقة المرء بهما مع رضاعة الكلمات الأولى. وأمي بحق قاموس من الحكايات الشعبية، فكانت تروي لنا قصصا عن الجنّ والغول والحيوانات والبشر وعن الخير والشر. لم أتأثر بأحد @ بمن تأثرت من كتاب القصة؟ * ليس هناك كاتب بعينه سلب عشقي لفنه الإبداعي، لا أرى كاتباً بعينه علماً والباقي يسيرون في دربه. كل قراءة لكاتب مجيد في فن القصة يترك أثراً في نفس القارئ، والقراءة الكثيرة تلون شخصية المتلقي بثقافات مختلفة وتصوغ شخصيته بشكل آخر، تمتزج فيها اتجاهات شتّى. لا أستطيع ذكر جميعهم، لكن لا بد من القول أن القارئ سيتأثر وهو يقرأ إبداعات سعيد حورانية، فاتح المدرس، زكريا تامر، يوسف إدريس، سليم بركات، محمد باقي محمد، إدوار خراط، إبراهيم صموئيل، غسان ونوس، عبد الرحمن منيف، تشيخوف، عزيز نسين، كافكا... وغيرهم. علما أن هؤلاء ينتمون إلى مدارس فنية مختلفة. @ هذه الأسماء التي تنتمي إلى مدارس مختلفة، ألم تترك فيك ظلالاً مباشرة ؟ * كلنا استفدنا وتأثرنا بقراءة نصوصهم، وكلٌّ يتأثر بشيء ما وإلى حد ما بها، فقد ترك زكريا تامر وإبراهيم صموئيل في نفسي قوة السرد، وتشيخوف ونسين قوة الفكرة، وسليم بركات وإدوار خراط قوة اللغة. ولا أعرف هل يستطيع مَنء تأثَّرَ بهم أن يكون صورة أخرى لهم أم لا ؟؟؟ العيش أولا @ وغاب وجهها هي المجموعة الثانية بعد الأولى "القطا تراقص النهر الجميل 1992م" كيف تفسر هذا الانقطاع عن الإبداع والنشر؟ * عنونَ أحد كتاب الأتراك رواية له ب "العيش شيء رائع يا عزيز" فالعيش أولا ثم الكتابة. كثير من الزملاء أصدروا مجموعاتهم الشعرية أو القصصية ثم حولتهم الحياة إلى ورقة تطيرها الريح في أروقة البحث عن لقمة العيش. وعلى وجه الدّقة لم تكن هناك فترة انقطاع عن الكتابة أو النشر، فقد نُشرت لي قصص عديدة في الصحف السعودية مثل عكاظ واليوم ومجلات سورية كالمواسم وأجراس وغيرها. هذا عدا المشاركات في مواقع الأنترنيت ؛ لكن الانقطاع حصل في تأخير نشر المجموعة الثانية بسبب ظروف معينة وأخرى تتعلق بعملي خارج سوريا. الشاعرية السردية @ أنت متهم بطغيان الشاعرية على كتابة نصوصك السردية ما مدى صحة هذا الرأي وهل تعده كذلك ؟ * الفن القصصي من الفنون الكتابية الصعبة، وممارسة هذا اللون الإبداعي ليست سهلة كما يتصورها الكثيرون. وبما أن الفن عامة يهدف إلى إمتاع الناس، فالقصة تهدف إلى إمتاع المتلقي فنياً إلى جانب إيصال الفكرة بشكل غير مباشر، والإنسان يحب السرد الحكائي فطرة بحكم غريزة الفضول والاكتشاف، والسرد عندما يكون مصاغاً بشكل فني يزيد من متعة القراءة ويرسخ تعميق الفكرة. وأعتقد أن "شعرنة القصة" إذا صحَّ التعبير أصبحت اتجاهاً فنياً في الكتابة القصصية، وهذه مزية قد تكون غير ضرورية في الرواية والمسرح، وهي لا تتوافر في أسلوب الحكواتي. والتهمة الموجهة إلي بأن نصوصي مكتوبة باللغة الشاعرية قد تكون صحيحة، فأرى أن شاعرية النص القصصي أمرٌ في غاية الأهمية بشرط ألا تتحول إلى وصف يُثقِل الزمن السردي، أو يجعل الخيط السردي يختفي في الحدث القصصي. القصة السعودية @ كيف تجد القصة القصيرة السعودية، كونك شاركت في القراءة والنقد والمتابعة من خلال فعاليات أدبية في السنوات الأخيرة في المملكة؟ * القصة القصيرة السعودية متطورة فنيا، لكن أرجو ألا أظلم أصحاب الأقلام المميزة عندما أقول إن القصة القصيرة لديكم لا ترتقي إلى مثيلاتها في سوريا ومصر والعراق رغم حضورها الفني. @ "لا ترتقي إلى مثيلاتها في سوريا ومصر والعراق، ولها حضور فني" أليسَ هذا تناقضا في الرؤية لديك؟ * ليس هذا الحكم مسبقا أو تصورا شخصيا. أعتقد أن الكثيرين من النقاد يرون ذلك، ومن خلال قراءتي لقصص سعودية وجدت أن الأمر هكذا، طبعا أقصد الطابع العام ولا يعني هذا غياب أسماء لها قوتها على المستوى العربي. ولا أخفي أن كتابات الشباب الإبداعية تفوق كتابات أقرانهم من جيل الستينات و حتى الثمانينات، وعلى سبيل المثال فقط أذكر : حسن النعمي، محمود تراوري، عبده خال، منى المديهش، زياد السالم، عبد الحفيظ الشمري، جبير المليحان. وليعذرني الآخرون حيث لا تتسع المساحة لذكر أسمائهم. @ وأخيراً كيف ترى قراءات الأدباء الأجانب وتناولهم للإبداع السعودي في القصة نقدياً هل أضافوا شيئاً جديداً على مستوى الدراسات النقدية؟ * لم أجد حسب علمي دراسة شاملة وموضوعية تناولت القصة السعودية، والذين تناولوها وقفوا عند جوانب معينة تهم حدود رسائلهم الجامعية، أو جانبوا الموضوعية فوقعوا في فخ المجاملة فجاءت دراساتهم ناقصة وانطباعية، وصحفية، ككتابات عبدالله السمطي وكذلك نجد من َّ تناول بعض أعمال القاص محمد منصور الشقحاء، قالوا عن نصوصه بما ليس فيها، علما أن المجموعة الثالثة لديه لا تختلف عن الحادية عشرة، وكثير من قصصه سطحية ومباشرة. كذلك تناولت الناقدة السورية غالية خوجة الموت في قصص الزميل القاص خالد الخضري، فجانبت معالجتُها الموضوعيةَ والتأويل الصحيح، هذه ليست نقيصة لقصص خالد الخضري فقصصه جيدة، لكن الدراسة تناولت فلسفة الموت من خلال حكم مسبق. ولا يفوتني هنا أن أشيد بدراسات وكتابات د. محمد صالح الشنطي فقد كانت مميزة حيث بذل جهداً يشكر عليه لما فيه من مقاربات موضوعية. يتحدث ل "اليوم"