بات الامر مؤكدا .. واصبحت الحملة الانتخابية الامريكية لعام 2004 استفتاء على ما اذا كان يتعين على الولاياتالمتحدة شن حملة لجلب الحرية الى المضطهدين فى العالم وبخاصة فى الشرق الاوسط ولحماية الولاياتالمتحدة من الارهابيين الذين يهاجمون امريكا لانهم يكرهون الحرية ..أو على الاقل هذا هو الاطار الذى يريده جورج دابليو بوش للحملة الانتخابية. أن دابليو بوش ركز بصورة كبيرة جدا على الحرب ضد الارهاب فى خطاب قبوله ترشيح الحزب الجمهورى له لخوض الانتخابات الرئاسية الامريكية فى 2 نوفمبر القادم .وعلى غرار الخطباء فى اليوم الاول والثانى والثالث للمؤتمر القومى للحزب الجمهورى فى نيويورك اصر دابليو بوش امس على ان قراره بالحرب ضد العراق كان صائبا . لكن بينما جون ماكين ورودى جوليانى وزيل ميللر وارنولد شوارزنجر ولورا بوش اعتبروا الحرب على العراق عملا ضروريا لحماية امريكا وضع دابليو بوش هذه الحرب فى اطار مهمة اعظم ..وأعلن خلال اليوم الختامى للمؤتمر القومى للحزب الجمهورى أن امريكا مدعوة لقيادة قضية الحرية فى القرن الجديد ..وان الحرية ليست هدية امريكا للعالم .( وكان حاكم نيويورك جورج باتاكى قد وصف دابليو بوش قبل ذلك بدقائق بأنه هدية الرب الى الولاياتالمتحدة قائلا : انه احد هؤلاء الرجال اختيروا للقيادة فى اوقات التحدى. هذه اللغة من جانب دابليو بوش لم تكن بجديدة عليه.. فقد سبق ان اثار هذه النقاط.. الا ان فى نهاية اسبوع اعتبرت خلاله الحرب على الارهاب السبب الاول للتصويت لصالح دابليو بوش اختار الرئيس الامريكى ابراز ما اعتبره جانبا تبشيريا لحربه على العراق ..وهذا الجزء من خطابه حلق عاليا فى الخيال . فخلال ال 35 دقيقة الاولى من خطابه تلا دابليو بوش قائمة من المبادرات المتعلقة بأمور محلية داخل امريكا مثلما كان كلينتون يفعل .. الا أن دابليو بوش كان يفتقر الى الحماس الذى التزمه الرئيس الامريكى الاسبق لدى حديثه عن مثل هذه الامور ..وبدا الامر وكأنه الجزء الالزامى من الامسية ..فقد كان يتعين على دابليو بوش الحديث عن شىء آخر غير الحرب لاثبات ان لديه برنامجا لفترة رئاسية ثانية ..وكانت تلك محاولة من جانب دابليو بوش لتحصين نفسه وقطع الطريق على انتقادات الديمقراطيين له بأنه لا يعير اهتماما للشئون الداخلية. وطرح بعض الافكار الجديدة التى تتسم بالتواضع الى جانب الافكار القديمة المعتادة .. التأمين الصحى واصلاح الضرائب ..وفيما يتعلق بتفاصيل برنامجه الانتخابه حول القضايا المحلية الامريكية طلب دابليو بوش من الحضور اللجوء الى موقعه على الانترنيت للاطلاع على ما يريدون من معلومات. إن دابليو بوش وجه بضعة انتقادات قوية الى جون كيرى منافسه الديمقراطى فى السباق على البيت الابيض.. (فهوليوود تقدم تمويلا كبيرا للحملة الانتخابية للحزب الديمقراطى).. وانتقد دابليو بوش السيناتور كيرى لمعارضته قانون تخصيص 87 مليار دولار لتمويل الحرب على العراق. ثم تطرق دابليو بوش باقتضاب الى امور تهم المحافظين فى المجال الاجتماعى فأدلى بكلمات قليلة تعارض الاجهاض. وادخر دابليو بوش كل الحماس للحديث عن الحرب على العراق . وتوضح وجهة نظر دابليو بوش عن الحرب انه مستعد لعمل أى شىء لحماية امريكا ..وانه زعيم صارم لا يمكن الشك فى تصميمه على هزيمة اعداء امريكا.. ويقول تعرفون موقفى ) كأن الامريكيون لا يعرفون موقف خصمه الديمقراطى كيرى). وتوضح وجهة نظر دابليو بوش عن الحرب ان لديه رؤية تتجاوز هزيمة الارهابيين ..حيث صرح قائلا : القرن الجديد سيكون قرن الحرية.. وعندما ننشر الحرية فى الخارج سننجح فى بناء عالم اكثر امنا.. فالسماء تدعونا الى القيام بهذه المهمة . إن دابليو بوش يعرض بذلك صفقة تشمل المثالية ( احلال الديمقراطية فى الشرق الاوسط ) والامن ( من خلال القضاء على تنظيم القاعدة الارهابى ) والايمان (الله ينادينا..).. وليست تلك بصفقة سيئة أبدا ..واستطاع دابليو بوش ايصال هذه الرسالة بقوة رغم انه سياسى اعتاد فى مناسبات عدة افساد خطبه الرنانة . اننا لسنا امام خطاب يشكل نقطة تحول بالنسبة لدابليو بوش. وقد صرح السيناتو اورين هاتش قائلا: بصفة عامة هذا ما سمعناه من قبل .. لكن دابليو بوش احسن هذه المرة. فبعد ان وصف الرئيس الامريكى الحملة العالمية التى يريد قيادتها خلال ولايته الثانية انتقل الى انتقاد نفسه فقال: يتعين أحيانا على الاخرين تصحيح لغتى الانجليزية. والرسالة التى اراد دابليو بوش توجيهها هى:" انا رجل عادى ..وما من سبب يدعوكم الى خشيتى". وعندما شدد على انه كان عليه الاختيار بين الذهاب الى الحرب أو تصديق صدام حسين الذى وصفه بالجنون اصبح من الواضح تماما -فى رأى الصحفى الامريكى- موقف دابليو بوش حينما يتعلق الامر باحتمال شن حملة عسكرية ضخمة ضد بلد ما. ويصبح السؤال هل سيصدق الناخبون الامريكيون الجانب النبيل الذى يزعمه دابليو بوش فى الحرب ؟ هل سيسمع الناخبون الامريكيون تعبير" قرن الحرية " ويتأثر قرارهم ؟ ام سيسألون هل هذا اسم سيارة جديدة ؟ يمكن تحويل الليمونة (الحرب الفوضوية على العراق والتى يعتبرها اغلبية الامريكيين خطأ) الى ليمونادة ..لكن هل يمكن لدابليو بوش تحويل هذه الليمونادة الى نبيذ للمباركة؟ ان خطاب قبول دابليو بوش ترشيح الحزب الجمهورى له لن يغير الكثير فى الموقف ..فبعد ثلاث سنوات ونصف سنة من وجود دابليو بوش فى البيت الابيض لا يحتاج الناخبون الامريكيون الى مزيد من المعلومات لتحديد لمن سيصوتون فى الانتخابات الرئاسية الوشيكة . لا يمكن ان نحدد على وجه الدقة تأثير المؤتمر القومى للحزب الجمهورى وخطاب دابليو بوش على المدى الطويل.. خلال الشهرين القادمين. فهناك عوامل كثيرة ستتدخل مثل الجدل المحتدم بين المرشحين المتنافسين بوش وكيرى وتطورات الاوضاع فى العراق وتقلبات الاقتصاد الامريكى ..لكن من السهل اكتشاف لعبة دابليو بوش ..فرسالته خلال المؤتمر القومى لحزبه لا تنطوى على أى ملابسات (الحرب انا.. وأنا الحرب).. وهو يتحمل بذلك كامل المسئولية عن قوله هذا ويطلب الحكم عليه فى ضوء انجازاته ..والله وحده يعلم ما ستؤول اليه الامور.