ما أجمل الوفاء ! وما أروع أن تذكر حسن الصنيع ! إنه حظ سعيد أن تتوالى الفرص لرد الجميل مع الشعور بالتقصير مع كل ما نقدمه كيف للمرء أن يفي بحق والديه ؟ وهل يمكنه ذلك ؟ عظم الجزاء لا يأتي إلا من رب العالمين الذي أمر ببرهما شعور كان يغمر قلوبنا متصلا باتصال أنفاسنا حباً وتقديراً لقد أصبحت أمي حضننا الأوحد بعد وفاة أبي، فكم أدبت، وربت وعانت، واهتمت بنا، صغاراً وكباراً، يداً بيد مع أبي رحمه الله، إلا أن قلبها كما كان رقيقاً لنا، وعطوفا علينا، ازداد انشغالاً بأمورنا وكأننا نزداد بمرور الأيام صغراً يحتاج منها زيادة رعاية وفيض حنان. لله درك يا أمي .. كم دمعت لنبتسم، وكم بكيت لنضحك، وكم جعت لنشبع، وكم سهرت لننام وكم فعلت وفعلت لنفعل .. وهل تكريمنا لك سيفي .. ؟ أبداً والله، نقولها تنهدات، لا تستطيع حركات ألسنتنا أو دمعات أعيننا أو ذكريات أعماقنا أن تحيط بها. مع هذه الأحاسيس كانت لنا وقفات مع إخواني وأخواتي لنبعث البهجة في نفس الوالدة العزيزة، ونبني في نفوس أبنائنا معنى جميلاً لا يكاد يدانيه معنى في حياة الماديات، ومن أولى بالوفاء من الأم .. !! مع هذه المشاعر المنبعثة من خلجات النفوس، وتوافق الأحاسيس عقدنا العزم على أن المجتمع صغاراً وكباراً أبناء وأحفاداً، في مكان واحد لنقف سوية، مهما كبرنا أمام النموذج الأروع، والمثل الأسمى، والمنهل العذب. تحركنا بسرعة للإعداد لهذا اللقاء المرتقب بطباعة بطاقات الدعوة وتنميقها بلطيف العبارات وتوزيعها على أفراد العائلة. اجتمعنا جميعاً دون تخلف أحد، وأحطنا بالسيدة الأولى في المكان والقلوب، كإحاطة السوار بالمعصم، وكأنها قلب بين ضلوع، وكم كان جميلا ذلك الاجتماع، وبهيجا ذلك اللقاء وممتعا ذلك الاحتفال .. وقفنا بين يديها فرداً بدأنا بالكبار الأبناء والبنات، وألقى كل منا كلمته العصماء نثني على التضحيات والعطاءات والصبر على شقاوتنا وصرخاتنا وعبثنا، وتذكرنا العديد من المواقف التي ملأت الجلسة بالضحكات والقهقهات حيث تبسمت الوالدة الغالية وضحكت، وما أقل ما تفعل ذلك بعد وفاة أبي، وشاركتنا تذكر الروايات والحديث عنها، وحكت لنا حكايات عجلة سريعة، عنا جميعاً فرادى ومجتمعين، أحداثاً نسينا بعضها، إلا أنها ترويها كما لو كانت تشاهدها الآن، آه لو تتكرر هذه اللقاءات ! ومع كل كلمة منا قدمنا الهدايا مع صيحات الآخرين بالتعليق والمزاح والمدح والأهازيج امتلأ المكان بالورود، وبالحلوى، والكيك الذي نقش عليه اسم الوالدة حتى أنه كثر نزاعنا عليه حتى بلغ حد الجري والمطاردة، للفوز بقطعة الكيك التي تحمل اسمها. وجاء دور الأحفاد ليقدم كل منهم ما عنده في حفل خطابي وإنشادي حيث انتظموا كل بدوره كي يقول ما عنده ويقدم ما لديه ما بين مكتوب ومرتجل، وواضح العبارة وخافيها، مع فصاحة وتأتأة، فهذه تقرأ من ورقة سهرت ليلها في كتابتها، والأخرى حفظت العبارات فألقتها بصوت شجي، وذاك وقف وسط الحضور يقول كلمة ثم يقف ليتذكر ما بعدها، وهذا غلبه الحياء فيخرج الكلمة بسرعة كي ينهي فقرته، ثم صدح المكان بالنشيد الجماعي للصغار الذي هو أقرب إلى الصراخ منه إلى النشيد. لقد عبر الصغار عن حبهم لجدتهم وسعادتهم لوجودها معهم وتطرقوا إلى الاطمئنان الذي يشعرون به إلى جانبها وإلى ما يحصلون عليه منها من هبات وحكايات وتنفيذ للرغبات. تنوعت الهدايا التي قدمها الأحفاد إلى الجدة من باقة ورد، إلى علب البسكويت، إلى الحلوى، وكأنهم يحاولون أن يقدموا لها أجمل ما يحبون. ما أشد حبنا لك أيتها الأم والجدة وما أجمل لقاءنا بك ومجالستك وكم هو كبير فخرنا بك .. لقد كان فرح أمي بأحفادها كبيراً جداً فقد كانت تحتضن كل واحد منهم إلى صدرها بقوة، بالرغم من ضعفها وتقبلهم وتدعوا لهم، لقد رأينا ذلك في نظرات عينيها وتلاحق كلماتها وتهدج صوتها المليء بالحنان والتأثر بهذا الاحتفاء والتقدير. هذا البرنامج لعائلي الذي وجد فيه الجميع فرصة عظيمة للتعبير عن أجمل المشاعر وبيان جل اهتمام بالجدة، كان منبعه مشروع تفعيل دور الجد والجدة، والذي كان بحق مشروعا لقي تفاعلاً عارماً من الجميع صغاراً وكباراً بعد أن لمس شغاف القلوب. إن هذا المشروع ناجح لأبعد المقاييس ويعكس النجاح الكبير لمن سعى ودعم المشروع وجذب الاهتمام بالربط الأسري والحس المعنوي حتى تجلت في نشاط ستبقى آثاره إلى زمن يطول إلى منتهاه، فلكم يا من دعمتم وسعيتم جزيل الشكر والامتنان وعظيم التقدير والعرفان، لأنكم .. أحسستم بأهمية هذا المشروع النبيل. علمتم وسعيتم سعيكم المشكور المأجور عند ربكم بإذن الله. غرستم في نفوس الأبناء غرساً طرياً نرجو من الله أن يستوي على سوقه ويحصدوا جنيه مع أجدادهم .. في ظل التوصيات الإلهية والشريعة الإسلامية.