يعتبر حصد الجوائز في مهرجانات داخلية وخارجية مؤشرا قويا على تميز العمل واكتماله ونيله اعجاب واستحسان اللجان المحكمة. وما يدعو إلى توسيع دائرة الاعجاب أن تكون حاصدة الجوائز مسرحية (ابن الصمت) تأليفا وتمثيلا واخراجا من كوادر شابة نذرت نفسها لخدمة أبي الفنون في حين أن أصحاب الاختصاص اختبأوا خلف مكاتبهم مأسورين بالخطابات الروتينية والعمل اليومي. مخرج ومؤلف ومشارك في التمثيل الفنان المسرحي ابراهيم بادي التقت به (اليوم) على احدى منصات التتويج عندما كرم مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور خالد السلطان الفرقة الفائزة وللتعرف عن قرب في حوار قصير وسريع على ملامح العمل وأبعاد شخصياته وكيف لفريق جامعي متطوع أن يتجاوز مؤسسات ثقافية اعدت لهذا الغرض في حين مازالت تغفل عن استقطاب هذه الكوادر كثروة فنية من المتوقع أن تصبح ذات شأن يخدم العمل الابداعي في المنطقة. إنجازات ابن الصمت @ (ابن الصمت)، مسرحية حصدت جوائز محلية وعالمية. هل تحدث القارئ عن أهم ما حققته؟! حققت المسرحية عددا من الجوائز تمثلت في (أفضل نص مبتكر) في مهرجان المسرح الدولي بالمنستير في تونس في دورته الحادية عشرة كأول جائزة عالمية في تاريخ المسرح السعودي، وجائزتي المفتاحة ل(أفضل عرض متكامل) و(أفضل ممثل) في أسبوع المسرح السعودي السادس في أبها، إضافة إلى جائزتي (أفضل عرض متكامل) و(أفضل تقنية مسرحية) في مسابقة المسرح المفتوح الأولى للعروض القصيرة والتي أقيمت في الدمام. نص متكامل @ من خلال تلك الجوائز، خصوصاً تحقيق المسرحية للجائزة الأولى في أكثر من مهرجان وحصولها على جوائز في التمثيل والإخراج والتأليف. كيف استطعتم خلق هذه التوليفة التي بدت للجان التحكيم متكاملة؟ قبل كل شيء وقبل كتابة نص العمل أيضاً، كان الحرص الشديد على متابعة الأعمال المسرحية وتوسيع دائرة التلقي، فهناك تراكمات على صعيد الفرجة وخبرة تطبيقية تكونت بمشاهدة الأعمال المسرحية بداية من المهرجانات السعودية ومروراً بعروض البحرين وعروض دول الخليج في مهرجان المسرح الجامعي لدول مجلس التعاون، وانتهاءً بالعروض المسرحية من كل دول العالم والتي تقدم في مهرجان المسرح الدولي في تونس. مما مكننا - فريق مسرحية (ابن الصمت) - من كشف بعض مواطن الخلل ومشاكل تعاني منها بعض العروض المسرحية المحلية في طرق التمثيل أو الرؤية الإخراجية أو حتى في الوعي المسرحي في شكل عام، حاولنا أن نتلافاها في مسرحية (ابن الصمت)، وأن نضيف إلى عرضنا ما يميزه من دون أن يكون محاكاة أو تقليدا لأي مسرح عربي أو أوروبي. وبعد كل ذلك، جاء العمل الجاد، والذي لا يحتاج إلا لمن يحمل هماً مسرحياً، وعلى استعداد كامل للتضحية في سبيل هدف ما. وبالطبع كان ذلك على حساب أشياء أخرى كثيرة. @ ما الفكرة والأسلوب المسرحي أو المدرسة التي يقوم عليها العمل؟ فكرة العمل تتمحور حول ويلات الحرب، كان هاجسي عندما كتبت النص، وبالأصح منذ بدأت في كتابته وحتى آخر عرض له، أن أحمل رسالة إنسانية إلى المتفرج أيا كانت هويته، بلغة مسرحية موضوعية من دون أن تؤثر عليها أيدولوجيا عروبتي أو انتمائي لوطني، هي محاولة لنقل مشاعر إنسان عانى ويلات الحرب وأدمت من روحه أو نفسه الكثير في أي مكان في العالم. وإن كانت المسرحية قد بدأت بصورة شكلانية في أول عروضها في الجامعة والجمعية، فإنها أخذت بعداً سيكولوجيا ورؤية أعمق بالنسبة إليّ في العروض اللاحقة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. أما عن الأسلوب المسرحي والمدرسة التي تقوم عليها، فلن أقول: إننا ارتكزنا على تعبيرية قصوى أو رمزية، أو حتى كنا نقدم نصاً عبثياً. أنا مقتنع أن ما يقدمه بادي هو خاص ببادي، قد يكون خليطا بين هذا وذاك، قد أرتكز على الصورة وقد أرتكز في عرض آخر على الكلمة لكن الأهم بالنسبة إلينا في الوقت الحالي أن نوازن بين ما تريد ذواتنا كفنانين أو مبدعين وما يريد الجمهور منا. تعدد المواهب @ كيف استطعت الجمع بين متطلبات عدة: طالب، مخرج ومؤلف وممثل مسرحي، وتميزت بحصولك على جوائز في تلك المجالات كافة، وأخيراً صحافي في (الحياة)؟ على رغم أن الجوائز ليست مقياساً أبداً، ولو اعتبرناها تميزا على الأقل، فأعتقد أن هذا التميز يعود إلى جهد مبذول من فريق متكامل، فلو لم يكن معي علي العمران وجلواح الجلواح وعبدالله الحسن وشباب نادي المسرح كافة ومشرف النادي جبران الجبران ودعم الجامعة متمثلاً بعمادة شؤون الطلاب ومدير الجامعة لما استطعت تحقيق أي من تلك الجوائز. وعلى العموم المسرح عشقي في كل الحالات سواء كنت ممثلاً أو مخرجاً أو كاتباً أو حتى إن كنت متفرجاً وكتبت عنه في الصحف، لكنني أؤمن بالتخصص ولست أرى في نفسي الممثل أو الكاتب وقد أكون مخرجاً وقد لا أكون، الأكيد أنني امتهنت الصحافة حالياً، وأن باستطاعتي عن طريق كل تلك المجالات الفائتة أن أقدم ما تكتبه ذاتي إلى الجمهور سواء كانت كلمة أو صورة، وأنا حر في إبداء رأيي فيما لا يعجبني علناً، وقد يكون هذا السبب الذي جعلني أجرب كل طرق إبداء الرأي. جمعية الثقافة والفنون @ هل لك تعاون سابق مع جمعية الثقافة والفنون، فرع الدمام أو غيرها من الفروع، ولم لا نشاهد أعمالاً لك في الجمعية؟ قبل بداية دراستي الجامعية في الشرقية، أي أكثر من ست سنوات كانت لي مشاركات مع جمعية الثقافة والفنون فرع المدينةالمنورة كممثل مع المخرجين حاتم سفرجي وجميل القحطاني، وكانت مرحلة من حياتي مختلفة تماماً عما عليه الآن من جانب القناعات والأهداف الحياتية. أما بالنسبة إلى جمعية الدمام فلم أشارك معهم بعمل رسمي طوال السنوات الست التي عشتها في المنطقة. والأمر في الجمعية ليس كما الجامعة، بمعنى آخر لا تستطيع المشاركة لأنك تبادر، فالعمل في الجامعة تطوعي ولا يلزم فيه أحد، فيما هو في الجمعية بمقابل مادي أي أن المخرج والممثلين والمؤلف والفنيين يتقاضون أجراً ماديا مقابل عملهم ذاك، مما يقود إلى أن الجمعية هي التي تختار من تدفع له، وليس أنا من أختار المبادرة. العمل التطوعي @ على الرغم من أن عملكم تطوعي كما تقول، ولا تحسبون كمحترفين أي منشغلين بدراستكم كطلاب أكثر من المسرح، فإنكم تفوقتم على جمعية الدمام وغيرها من الجمعيات في مهرجان أبها الأخير وحصلتم على الجائزة الأولى وجائزة التمثيل وترشحتم لجائزتي الإخراج والكتابة، كما أنكم حصلتم على أول جائزة عالمية في المسرح السعودي فهل العمل التطوعي أفضل من الاحتراف؟! صحيح أن ممثلي ومخرجي الجمعيات يتقاضون أجراً، ونحن متطوعون، وصحيح أننا نخسر الكثير في سبيل المسرح على حساب مستقبلنا، في حين أن أعضاء الجمعية موظفون ولا يحملون هموم الدراسة والمستقبل مثلنا. لكن أعتقد أن عملنا لمدة سنتين متواصلتين في سبيل الوصول إلى عمل مسرحي متميز كان وراء ذلك كله. ثم إن الهدف يشكل فارقاً كبيراً، فهناك فرق بين أن يكون هدفك أن تعرض في تاريخ محدد ولمدة محددة وتستلم أجرك، وبين أن يكون هدفك الوصول إلى عرض مسرحي تقتنع فيه ومن ثم تفكر في عرضه. إنها كاللوحة، ترسم فيها لسنوات طوال حتى تنضج وتكتمل ثم تقدمها للمتلقين. كما أنني أعتقد أن هناك مشكلة تعاني منها جمعية الدمام وبعض الجمعيات الأخرى، وهي غياب المشاريع المسرحية الطويلة، فالمهم إنتاج عمل مسرحي كل عام بغض النظر عن جودته أو قيمته أو مدى إتقان ممثليه للأدوار. في حين أنني أعتقد أن المشكلة ليست في الكم بل الكيف. أضف إلى ذلك أن الجمعية تقدم مخرجاً جديداً في كل عام، ما يغيب إمكانية نضوج هذا المخرج، وبالطبع كل مخرج سيختار ممثلين مختلفين في كل عام من دون معايير، ومن دون أن يكون هناك فريق مسرحي ينضج ويتدرب باستمرار. وبالتالي قد تنتج أعمال ضعيفة وركيكة. فالمسرح في حاجة إلى جهد وتمارين طوال العام لا قبل عرض العمل المسرحي بشهر أو بشهرين. مستقبل الفرق الخاصة @ هل تعتقد أن هناك ما يشير إلى مستقبل مسرحي باهر في المنطقة الشرقية للفرق الخاصة، بعيداً عن الجمعية، وما هي برأيك نقاط الضعف التي يجب تجنبها؟ هناك مجموعات من الشباب تحاول الاجتهاد، في تكوين فرق مسرحية، لكن المشكلة أن الفرقة المسرحية تحتاج إلى مجهود كبير لكي تتبلور وتنضج في سنوات طويلة لا بين يوم وليلة. والمشكلة أن بعض الفرق المسرحية في المنطقة الشرقية تعاني مشكلة الكم أيضاً ومن النادر، بل من المستحيل أن تجد من يجتهد على عمل مسرحي لسنة أو سنتين أو أكثر، وذلك يعود إلى أسباب عدة أهمها أن البعض يبحث عن دخل من تلك المسرحيات المبتذلة والمليئة بالإسفاف والهبوط الفني، أو يبحث عن شهرة يحققها في حين أنه لم يشاهد في حياته غير مسرحياته ولم يوسع دائرة تلقيه للخبرة المسرحية، أو حتى للمعرفة المسرحية. أعتقد أن غياب الهم المسرحي عن شباب يرون في أنفسهم مسرحيين، أهم نقطة ضعف في ما لا نستطيع تسميته مسرحاً في الأصل.