وعادت بعثة مصر من أثينا مجبورة الخاطر وعكس ما كان متوقعاً.في الأسبوع الأول كان الإخفاق كبيراً، لدرجة اصابت الوسط بالإحباط، وقتها تردد "كلام كثير" عن الفشل، وما أن حقق كرم جابر المصارع العملاق الفوز بالذهبية، حتى تحولت النغمة تدريجياً، وساعد على ذلك ميداليات الملاكمة والتايكواندو. بمنتهى السرعة يبدأ الانفعال، وبمنتهى السرعة أيضاً تهدأ الأمور.الانفعال عادة ليس له ما يبرره، والهدوء أيضاً ليس له ما يبرره.على كل الأحوال، ثبت بالدليل القاطع أن الرياضة المصرية تستطيع أن تحقق الكثير في الدورات الأولمبية، إذا سارت على الأصول العلمية، وعلى التخطيط المناسب. وإذاكان كرم جابر هو النموذج الذي ينبغي ان يحتذى للرياضي المصري، فلا جدال في ان الأرض التي انبتت عملاقاً مثل هذا، بمقدورها ان تنبت آخرين، بشرط أن يتم الكشف عنهم بعناية ثم صقلهم بدنياً وفنياً ونفسياً.وكم أعجبني ما أعلنه أنس الفقي وزير الشباب حين قال: "إن الإنجاز الكبير مثل الاخفاق الكبير، كلاهما يحتاج الى وقفة". لقد لخص وزير الشباب الصورة كاملة، وأعطى مؤشراً الى انه في الوقت الذي ينبغي فيه تكريم الأبطال الذين حققوا نتائج، وتكريم اتحاداتهم أيضاً، فإنه لابد من اقصاء الفاشلين وإبعادهم عن المجال لأنهم غير مؤهلين للمرحلة المقبلة.هذا ما ينبغي ان يحدث فعلاً، حتى يمكن استثمار ما تحقق، لإحراز انجازات أخرى. ولعل الفوز بخمس ميداليات في أولمبياد أثينا لم يعد مصدر فرحة وبهجة على كل الأصعدة الرسمية والأهلية فقط، وإنما اصبح يمثل تحدياً فارقاً في الدورة الأولمبية المقبلة في بكين بعد أربع سنوات.وبطبيعة الحال فإن التفكير المستقبلي هو الذي ينبغي أن يشغل المسئولين في وزارة الشباب، بحيث توضع القواعد الصعبة التي يمكن ان يتحقق منها الانطلاق دون مجاملة أو تردد. وتبدو في الأفق فعلاً بوادر عمليات اصلاح واسعة النطاق، كما تبدو مؤشرات لإعادة النظر في خريطة الرياضة المصرية لتدخل إليها مفاهيم جديدة، ومقاييس رسم جديدة لعمليات الإنفاق التي تذهب هباء لألعاب منها كرة القدم دون أن تحقق شيئاً.وإذا كان الحماس يلتهب عادة بعد كل انجاز، وتعلو الابتسامات شفاه الجميع مشيدة بما تحقق، ثم يفتر الحماس، ليعود الوجوم على الوجوه والانشغال بقضايا اخرى، بعضها "هايف" فإن هذا الوضع ينبغي ان يتغير وأغلب الظن انه سيتغير. المسئولية اصبحت اصعب، لأنه لن يكون مقبولاً ان يحدث تراجع لمركبة مصر في الأولمبياد، و هي رقم 45 بين الدول المشاركة، ومن الآن فصاعداً لابد أن يخرج الفاشلون من الساحة، وأن يساعد المخلصون وزير الشباب لكي يقوم بانقلاب تاريخي يعيد الأمجاد التي تحققت في أولمبياد 28 و36 و1948. @@ البيان الاماراتية