رغم فوائدها الكثيرة، إلا أن الهواتف الذكية تقف في طريق حياتنا اليومية. هذه هي المقدمة الأساسية التي تقف وراء تطوير الحواسيب القابلة للارتداء، وهي أجهزة صغيرة تجعل الناس يراجعون بريدهم الإلكتروني وقراءة الرسائل النصية، ومعرفة عدد دقات قلبهم دون الاضطرار إلى مد أيديهم إلى جيوبهم. هذه الأجهزة، التي ظلت لعقود تعتبر من غرائب الخيال العلمي – مثل الساعة الهاتفية التي كان يحملها ديك تريسي في حلقات رسوم الكرتون، أو الإبصار الذكي الذي شهدناه في فلم «المصَفَّي» Terminator – فإن الحواسيب القابلة للارتداء تغمر الأسواق الآن على شكل ساعات ذكية، وأجهزة لمتابعة النشاط الرياضي للشخص، ونظارات جوجل، التي تسقط مجال رؤية من يرتديها على شاشة كمبيوتر. لا شك أن هذه الأجهزة لطيفة ومفيدة، لكن الشركات الصانعة لم تأتِ حتى الآن بتطبيق قوي قابل للارتداء ليحولها إلى أكثر المنتجات رواجاً مع المستهلكين والمستخدمين من الشركات. رغم أن هذه السوق لم تكن موجودة قبل بضعة أعوام، إلا أن التكنولوجيا القابلة للارتداء يمكن أن تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار بحلول عام 2016، بعد أن كانت 8.5 مليار دولار في السنة السابقة، حسب تقديرات شركة الأبحاث IHS، التي يشتمل توقعها على أجهزة من قبيل السماعات التي تعزز السمع. أما نظارات جوجل، التي تعطى فقط للمطورين (مقابل 1500 دولار) ولبعض الباحثين الأكاديميين (مجاناً)، فمن المتوقع أن تصل الأسواق في السنة المقبلة. وهي تستخدم الأوامر الصوتية لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو، وتعطي من يرتديها معلومات حول الطريق بحسب كل منعطف. أما الساعة الذكية «جالاكسي جير» من سامسونج (بسعر 300 دولار) فإنها تتيح للمستخدمين إجراء المكالمات والإجابة عليها، وكذلك التقاط صور من مكانها على رسغ الشخص، شريطة أن يكون لدى الشخص هاتف ذكي أندرويد قريباً من المكان. ربما تكون أبل تعمل الآن على تطوير جهاز قابل للارتداء، في الوقت الذي تتدافع فيه جميع شركات التكنولوجيا العملاقة لدخول هذا المجال. وهناك بعض الأجهزة التي يمكن أن تهمس بالمعلومات مباشرة في أذن المستخدم. موجودة من قبل، لكن بشكل آخر التكنولوجيا القابلة للارتداء ليست جديدة. أجهزة المساعدة على السمع موجودة من قبل بطبيعة الحال، كما أن نظارات الرؤية الليلية موجودة منذ سنوات وتستخدم في المجالات العسكرية وأجهزة تطبيق القانون. لكن كثيراً من الأجهزة الاستهلاكية الأولى، مثل الساعة الذكية من سوني، أخفقت في اكتساب الزخم. وقد اشتهر مفهوم الأجهزة القابلة للارتداء من خلال أجهزة متابعة النشاط البدني، مثل «فيول باند» من نايك للملابس الرياضية، و»جوبون أب»، والتي يستخدمها الأشخاص الذين يحتاجون إلى الأطباء دائماً لمتابعة وضعهم الصحي. وهناك مجموعة من الأجهزة موجودة منذ سنوات، لمراقبة مستويات السكر في الدم، ودقات القلب، وغيرها من البيانات الحيوية، من تصنيع شركات مثل أبوت وميدترونيك. لكن هذه الأجهزة كانت مخصصة للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة. والآن يرجح لها أن تدخل مجال الاستخدامات العامة، في الوقت الذي تصنع فيه شركات الإلكترونيات الاستهلاكية أجهزة قابلة للارتداء يستطيع أي شخص شراءها – ومقابل أسعار رخيصة باستمرار. من المتوقع أن تهيمن أجهزة الصحة واللياقة البدنية على هذه السوق في السنوات القليلة المقبلة. حوالي 10 في المائة من الشركات التي عرضت منتجاتها في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية لعام 2014 كانت تركز على الصحة الرقمية. لماذا هذه الأجهزة؟ قال سيرجي برين، الشريك المؤسس لجوجل، إن نظارات جوجل والأجهزة المشابهة لها سوف تأخذ التكنولوجيا بعيداً عن الطريق، حتى لا نجد أنفسنا نتحرك بسرعة للبحث عن الهاتف حين نسمع الرنين أثناء القيادة أو أثناء موعد لتناول العشاء. هناك جهات أخرى تريد أن تكون لهذه الأجهزة تطبيقات في الشركات وفي مجال الأعمال. الأشخاص المهنيون المختصون، مثل الجراحين، سيكونون من بين أوائل الذين يستخدمون نظارات جوجل، التي ستسمح لهم بالبحث على أشعة إكس أو عقد مؤتمرات فيديو مع الزملاء والأجابة عن الأسئلة من طلاب كلية الطب، وفي الوقت نفسه تكون أيديهم حرة لإجراء الجراحة. من هذا المنطلق، يمكن في النهاية لأي شخص، من الجرسون في المطعم إلى الفني المختص بالتصليح في الورشة إلى الأولاد في المدرسة، استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء لإنجاز الأعمال بصورة أسرع وأفضل. استجابة لذلك، جادل باحثان مرموقان، وهما من علماء النفس، في مقال في النيويورك تايمز، بأن من المرجح أن نخرج عن الطريق أثناء القيادة لأن أيدينا ربما تكون حرة لكن عقولنا تكون مشغولة بشيء آخر. يقول المدافعون عن الخصوصية إن الأجهزة التي من قبيل نظارات جوجل تشكل مخاطر مثل التسجيل غير المقصود والتعرف المباشر على الشخص من خلال الوجه، وقد حُظر استخدامها في بعض الكازينوهات وشركات خاصة أخرى. لكن يرجح للأجهزة القابلة للارتداء أن تزداد انتشاراً. حين تصل إلى أن تكون في حجم الدبوس، فسوف تدخل في تركيب النسخ «الذكية» من الأقمشة والأحذية والحقائب. وحين تصبح جزءاً من كل شيء نرتديه ونحمله، سوف نشعر بأن هناك جهاز كمبيوتر موجودا دائماً يبقي أنظاره علينا. وهذه فكرة ربما يعتبرها البعض رائعة أو تبعث على القشعريرة، ويتوقف ذلك على وجهة نظرك الشخصية.