عندما دخلنا معارضها.. انتابنا شعور جارف بالحنين الى الماضي العريق, والتراث الجميل, والزمن الذي لم يعد كما كان, لكن.. عندما دخلنا بيتها تضاعف هذا الاحساس آلاف المرات, فكل ركن فيه يتحدث عن ذلك الزمن النقي, وعن ذلك التراث الذي يمثل جزءا من الهوية الثقافية للمملكة كل شيء يستمد قيمته من المخزون الشعبي الاصيل, ومن البيئة الطبيعية التي لم تنل منها الآلة الحضارية الحديثة, لم نلحظ وجود قطيعة معرفية بين الماضي والحاضر, ولكننا وجدنا حوارا اليفا بين التراثي القديم والعصري الحديث. فهذا جزء من حالة تعكس وعي المرأة السعودية بتاريخها, وبيئتها, وتراثها, والنموذج الذي حقق هذه الدهشة, يتمثل في سيدة الأعمال سعاد الدباغ, التي حققت حلما بعد اكثر من عشرين سنة من الجهد والمثابرة, حتى اصبحت اهم منتج للأزياء التراثية القديمة في المملكة, واصبح انتاجها يتحدث عنها في العديد من دول العالم, والسبب يعود الى يقينها بأهمية ان يكون لكل مجتمع هويته الخاصة في ملبسه, من منطلق ان (الزي) في الاساس جزء من التكوين الثقافي لأي مجتمع. البداية @ متى كانت بداية المشوار؟ البداية كانت منذ الطفولة, فأنا من مواليد (الطائف) والطائف في ايام طفولتي كانت تتميز بأنها شديدة التمسك بعاداتها وتقاليدها فيما يتعلق بالملبس, ومن هنا جاء اهتمامي بالأزياء ليس بوصفها مجرد ملبس, ولكن بوصفها تكوينا ثقافيا واجتماعيا, كنت مشغولة بطريقة الملبس لدى نساء القبائل المختلفة, وذلك عن طريق احساس فطري, لأني وقتها لم اكن اعي تماما البعد الثقافي لهذا الموضوع, فكانت فطرتي تدفعني لزيارة القبائل والتعرف على طرق لبسهم, وشيئا فشيئا بدأ هذا الاحساس ينمو بداخلي. تأثر @ وكيف كانت صورة تأثرك الفطري بهذا الجانب؟ مع نمو حبي وتزايده للأزياء القديمة والتراثية, وجدتني متأثرة بها, فكنت ارتدي مثل هذه الملابس في المدرسة, وبين زميلاتي, فأبدو مختلفة بينهن. وقد ظل ارتدائي مثل هذه الملابس جزءا من تكويني الشخصي حتى بعد ان وصلت الى المرحلة الجامعية, وعرفت بين زميلاتي في مختلف المراحل الدراسية بتعلقي وارتباطي بهذا الجانب لأني كنت مولعة بارتداء الملابس القديمة, وكنت ألبسها قديمة كما هي. دراسة @ اين كانت دراستك الجامعية, وما تخصصك؟ عندما وصلت لبداية المرحلة الجامعية, كنا قد انتقلنا من الطائف الى الرياض, وفي جامعة الملك سعود درست التاريخ, وبعد تخرجي فكرت في استكمال دراساتي العليا فتقدمت لنيل درجة الماجستير في نفس التخصص. نواة @ وكيف تحول هذا التعلق الفطري بالملابس القديمة الى نواة لمشروع ناجح؟ عندما كنت ارتدي الملابس القديمة ذات الطابع التراثي والبيئي, كانت هناك تساؤلات كثيرة تواجهني من الزميلات والصديقات والقريبات, وكانت هذه الاسئلة تتراوح بين الاعجاب والدهشة ومحاولة التعرف على كيفية فكرة ان يتحول هذا الجانب الى عمل تجاري يمكن من خلاله استثمار اعجاب الناس من جانب, وتأكيد رغبتي في اعادة احياء الزي التراثي من جانب آخر. توجه @ وهل درست هذا التوجيه قبل المضي فيه؟ نعم درسته جيدا, فعندما فكرت في الموضوع.. عكفت لعدة سنوات على دراسة الازياء التراثية, لدرجة انني سافرت الى كل مناطق المملكة بغرض عمل بحث علمي وعملي عن ازياء المناطق والقبائل حتى ابدا من قاعدة علمية مدروسة. تراث @ وماذا وجدت؟ وجدت ان لدينا تراثا مهما جدا من الازياء, يعكس جزءا من هويتنا الثقافية والاجتماعية, وفي ظل اندفاع المجتمع نحو المد الحضاري الجديد, كادت ملامح هذا التراث تندثر, فتضاعف عندي الاحساس بضرورة احيائها واعادتها الى التداول, لأنها ركيزة من ركائز هويتنا الاجتماعية وجدت - ايضا - ان كل منطقة لها خصائصها في طريقة الملبس, وكل قبيلة لها ما يميزها من حيث الملبس عن غيرها, فعملت على تجميع ملابس من كل المناطق في المملكة, من كل القبائل التي تعيش في تلك المناطق المترامية الاطراف. @ هل استعنت بجهات معينة او دراسات بعينها؟ لا.. لم تكن تتوافر لدي اشياء تخدمني في هذا الجانب, لذلك كان بحثي ميدانيا, وقد استعنت بالسيدات المسنات, وحصلت منهن على معلومات مهمة, وكذلك على ملابس تمثل خصائص المكان الذي ينتمين اليه, وبعد ان زرت المملكة كلها, وجمعت العديد من الملابس, بدأت عمل بحث من الناحية العلمية النظرية. @ ومن هنا كان اول معرض للملابس التراثية؟ نعم.. لكن (المحل) لم يكن فقط للملابس التراثية, وانما كان للهدايا والمشغولات الفضية, والى جانبها الملابس التراثية. @ لماذا؟ لأن الملابس التراثية - في ذلك الوقت - كانت شبه منسية, فالكل يبحث عن (المودرن) والجديد. وفي ظل ذلك كان الاقبال على الملابس التراثية يكاد يكون معدوما, ومع اني بدأت بها كجزء من مشروع محل الهدايا, الا انها كانت (تخسر) معي لسنوات طويلة فالملابس التراثية تكلف كثيرا, ومعظم النساء كن يتعاملن معها على انها ملابس مناسباتية, بمعنى انها تستخدم في مناسبات معينة ثم تفقد قيمتها, وكانت بعضهن تطلب مني تأجيرها ليوم واحد مثلا, من منطلق انها لا تريد ان تدفع مبلغا في فستان لن ترتديه سوى مرة واحدة. حضور عالمي @ هل المرتادات من داخل المملكة فقط؟ الآن.. الملابس التي انتجها لها حضور في العديد من بلدان العالم, فلدي عميلات من مختلف دول الخليج العربي, واجانب من مختلف الجاليات التي تتواجد في المملكة والخليج, فالأجانب على وجه الخصوص, عندما يعودون الى بلدانهم يريدون شراء اشياء تعبر عن هوية البلد الذي زاروه, لذلك تبدو الملابس التي ننتجها تعبيرا عن التراث الاجتماعي لدينا, فيقبلون عليها. @ هل تنفذين تصميمات اعمالك في أماكن معينة؟ كل انتاج محلاتي من تصميمي, وانا من يشرف على تنفيذه, فلدي الآن ورشة عمل كبيرة وفيها يتم انتاج الموديلات التي نعرضها, والتي تستمد كلها من التراث. @ هل التقنية الحديثة اصبح لها دور في انتاجك؟ انا لا استخدم الالات الحديثة بل (آلة التطريز) التقليدية، وهي تستخدم منذ خمسين سنة تقريباً اما استخدام الكمبيوتر كما يحدث الآن في العالم، فلم نعتمد عليه، والسبب ان (الغرزة) في ملابسنا فاذا تغيرت هذه الغرزة سوف يعرفن. ومثل هذه الخصائص هي اهم ما يميز الملابس ويكسبها البعد التراثي القديم، لذلك فنحن لا نستخدم الالة الحديثة، وهذا ما يميز اعمالي عن سواها. @ ولماذا - في رأيك - تغيرت نظرة الناس وعادت للملابس التراثية؟ في السنوات الاخيرة اصبح هناك اهتمام بالتراث والماضي فقد قام مهرجان الجنادرية لإحياء مثل هذه الجوانب، وكذلك حدث تكثيف اعلامي لاعادة احياء الاشياء التي كانت تنقرض ومنها الملابس طبعا، وهذا غير من نظرة المجتمع تجاه الملابس التراثية القديمة، فأصبحت النساء تقبل على تلك الملابس لأنها اكتشفت فيها ملامح جمالية تعبر عنها هذه الملامح هي في الاساس هويتها التي تميزها كامرأة عن غيرها بين نساء العالم، وبين المجتمعات الأخرى. @ بعد تحقيق هذا الحلم الذي يمتد الى اكثر من عشرين سنة، هل لديك نية لفتح فروع خارج المملكة؟ هذا هو حلمي الثاني، فأنا بالفعل افكر في هذا الامر، وانتظر الوقت المناسب لفتح بعض الفروع في بعض الدول الخليجية والعربية والاوروبية ايضا، لكنني انتظر الوقت المناسب.