في الوقت الذي بدا فيه الأمريكيون منقسمين بشدة ، حضر جمهوري كان يشتهر بأنه ريفي بسيط الى نيويورك وحاول إقناع الأمريكيين ان البيت الأبيض هو مكانه. لم يكن هذا الجمهوري جورج دبليو بوش في 2004، بل ابراهام لينكولن في 1860. وخلال زيارته، ألقى لينكولن خطابا اتسم بالذكاء حول العبودية، التي كانت قضية بارزة في ذلك الوقت، وحقق فوزا في الانتخابات بعد ان قام مصور حاذق من برودواي بالتقاط صورة ساهمت في تحويل النظرة للينكولن من شخص ريفي بسيط الى زعيم يمتلك القدرة والذكاء لتولي منصب الرئاسة. وبعد نحو 150 عاما، يأمل بوش ان يعمل مجددا سحر مدينة نيويوركالأمريكية المميزة، والتي أصبحت في الوقت الحاضر معقلا للحزب الديمقراطي المنافس لحزب بوش الجمهوري. ومن المقرر ان يتوجه بوش الى نيويورك لحضور المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرر عقده في الأسبوع القادم. ولنيويورك مكانة خاصة منذ فترة طويلة في مخيلة الناس في جميع انحاء العالم، وذلك منذ الايام الاولى التي حلم فيها المهاجرون الهولنديون بالثروة، وحتى تدمير مركز التجارة العالمي. وليس بامكان مدينة أخرى في الولاياتالمتحدة، وربما يوجد هناك عدد ضئيل من المدن في العالم، ان تحظى بالمكانة الاسطورية والخيالية التي منحتها لنفسها نيويورك، حيث تجنى الثروات وتتبخر، وحيث ربما يتحول حلم اي شخص الى حقيقة في يوم من الايام. وكان البريطانيون هم الذين اطلقوا اسم نيويورك على المدينة في 1664 بعد الاستيلاء عليها من الهولنديين، الذين نجحوا في جعل عدد سكانها فقط في حدود الف وخمسمائة شخص خلال العقود الأربعة التي سبقت ذلك التاريخ. وتحولت المدنية الى مركز للموالين للتاج البريطاني. وظلت نيويوركالمدينة الاميركية الوحيدة تحت الاحتلال البريطاني طوال فترة حرب الاستقلال. وعندما انتهت تلك الحرب، بدت نيويورك مدينة كئيبة لحقت بها اضرار جسيمة. لكن تمت اعادة بناء المدينة بسرعة، وتحولت الى منطقة مالية، وبحلول نهاية القرن الثامن عشر، اصبحت نيويورك مركزا للتعاملات بالاسهم الجديدة والاوراق المالية، وهو ما تطور فيما بعد ليصبح ما يعرف الان "بوول ستريت". في ذلك الوقت، دون احد الذين يكتبون مذكراتهم ان شعار المدينة كان "امض قدما"، وهو ما قام به سكان نيويورك، بتحويلهم لمدينتهم مركزا للثروة والتكنولوجيا، ومكانا لاساليب ترفيهية لا تعد ولا تحصى. ويعتبر "ماديسون سكوير غاردن" حيث من المقرر ان يقبل فيه بوش ترشيح الحزب الجمهوري له رسميا في الأسبوع القادم احد المعالم التاريخية للمدينة الاشهر في العالم وقد شهد عروضا مثيرة في السيرك اعتبارا من 1873. ومع نهاية القرن التاسع عشر، اصبحت شوارع نيويورك تضم منازل الاثرياء من الصناعيين، كما أصبحت ايضا تضم احياء فقيرة للعمال الاجانب الذين كانوا يعملون وسط ظروف مرعبة. وساهم الحريق الذي اندلع في 1911 في مصنع للملابس، واودى بحياة اكثر من 140 شخصا، معظمهم من الفتيات المهاجرات من اليهود والإيطاليين، في بروز الحركة العمالية الأمريكية ، وفي ان تصبح المدينة معقلا للسياسات التقدمية. وفي القرن العشرين، عززت نيويورك من موقعها كمركز ثقافي واستقطبت المثقفين والفنانين، وكبار الأثرياء. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظل هناك شي متناقض في هذه المدينة. ويذكر احد الكتيبات السياحية ان مركز روكفلر يميز نيويورك كما يميز متحف اللوفر العاصمة الفرنسية، فيما يقول المهندس المعماري الشهير فرانك لويد رايت ان المدينة لاتصلح لشي اكثر من القطاع البنكي والدعارة. وفي كل حال فان نيويورك حافظت على ولائها للحزب الديمقراطي فهي مدينة، ينظر فيها، عادة، للجمهوريين على انهم أجانب، وربما على انهم مخلوقات شريرة. واشتهرت كاتبة معروفة في مجلة "نيويوركر" في عبارة نقلت على لسانها تقول فيها انها لم تعرف أي شخص صوت لريتشارد نيكسون، بعد ان نجح الجمهوري في مسعاه للوصول للبيت الابيض بفوز ساحق في الانتخابات. ومنذ ذلك الوقت لم يتغير الكثير حتى ان رئيس بلدية نيويورك، الثري الجمهوري مايكل بلومبرغ، هو ديمقراطي سابق ، تجمعه امور قليلة مع المتشددين في الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه بوش. وقد وجهت انتقادات شديدة للجمهوريين لعقدهم مؤتمرهم الوطني في نيويورك لاول مرة، فيما يتهمهم المنتقدون بانهم يحاولون استغلال الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر لتحقيق اغراض سياسية. كذلك أعرب العديد من سكان المدينة عن الضيق من الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذت في المدينة، مع إغلاق طرق، والغاء رحلات قطارات، وتغيير مواقف سيارات الأجرة، وغيرها من الإجراءات التي لن يعرفها السكان مطلقا. وبلمسة نيويوركية خاصة سعى بلومبرغ الى الفوز على عشرات الاف المتوقع وصولهم للمدينة لتنظيم مظاهرات ضد بوش، من خلال تقديم اقتراح بمنحهم حسومات في الفنادق والمطاعم. وقال بلومبرغ "نريد ان يشعر الآلاف من المتظاهرين انهم موضع ترحيب ويمكنهم الإفادة من كل ما يمكن لنيويورك ان تقدمه" مضيفا "ان الاحتجاج مع معدة خاوية امر غير ممتع".