مع تزايد الحديث في وسائل الإعلام عن الانتخابات البلدية العامة يتزايد اهتمام الناس بهذه الانتخابات . هنا تسجيل أمين نسبياً لما دار في إحدى الديوانيات حول هذا الموضوع . بالرغم من أن معالم هذه الانتخابات من النواحي التنظيمية والمهام والمقاصد لم تنضج بعد إلا أن أي إنسان مهتم بحقوقه وواجباته وحقوق الناس وواجباتهم لا يمكن إلا أن يجد في هذه الفرصة التاريخية مناسبة لوضع مفاهيمه وتطلعاته موضع التنفيذ . @ إن المهمة الأولى التي تقع على هؤلاء المهتمين بالشأن العام هي دفع الناس لأخذ هذه التجربة الانتخابية على محمل الجد . لا بد من تشجيع الناس على المشاركة في هذه العملية بغض النظر عن النتائج ومن سيفوز ومن سيخسر . لا بد من تحويل اللقاءات الدورية المتعارف عليها في مجتمعنا إلى ورش عمل أولية هدفها الدفاع عن حق المشاركة حتى ولو بشكل غير مباشر في استغلال فترة الدعاية الانتخابية لتوطين مفاهيم الحق والمواطنة والمشاركة والمسئولية . لا بد من أن يقتنع الناس بأن هذه الانتخابات جدية وأن المسئولية الفردية والجماعية تقتضي المشاركة فيها . @ لا بد وقبل الخوض في تفاصيل هذه الانتخابات من الإجابة على بعض التساؤلات المبدئية . أي لا بد من اتخاذ موقف واضح مع أو ضد هذه الانتخابات . صحيح أن هذه الانتخابات تأتي في سياق عملية الإصلاح الشامل المعترف به من الجميع إلا أن ما قد يحيط بها من آليات وقيود قد يسيرها باتجاهات لا تخدم الإصلاح بقدر ما تدفع الناس إلى اليأس والإحباط . العبرة في النتائج وإذا كانت النتائج مرتبطة بمقدماتها فإن ما أعلن حتى اليوم حول ضوابط هذه الانتخابات قد لا يشجع البعض للدفاع عنها خاصة في ظل ثقافة سياسية واجتماعية متشائمة ومثقلة بالآراء المسبقة . إنني لا أرى بأساً من استغلال هذه المناسبة لدفع وعي الناس إلى الأمام لكنني لا أراهن على المشاركة المباشرة @ عن أية انتخابات تتحدثون ؟ الأمر لن يخرج عن إضافة دائرة جديدة للهيئات الحكومية القائمة . ألم تلاحظوا ما جاء في اللائحة التنظيمية لهذه الانتخابات وتحديد تلك المتعلقة باللجان التنظيمية وآليات عملها ؟ صحيح أنها مناسبة للحوار بين مراكز التأثير على الرأي العام لكن غلبة الرأي الرسمي وإمكانياته المادية والإعلامية لن تجعل للأصوات الأخرى أدنى إمكانية للتأثير الإيجابي وعليه فإن ما سيحدث لن يتعدى زوبعة في فنجان تعود بعدها الأوضاع إلى ما كانت عليه والمستقبل وحده كفيل بإثبات أو نفي ما أراه . @ الموضوع مرتبط بالديموقراطية والديموقراطية ليست سلعة وطنية هي مفهوم لطريقة الحكم تجسد على الواقع ليس فقط في بلاد المنشأ ( الغرب ) بل يطبق اليوم في أكثر البلدان تخلفاً . وبما أننا جزء من هذا العالم فلماذا التحفظ في تشجيع الأخذ بما يؤدي إلى اللحاق بالعالم . التجربة ستكون ناقصة وسيكون عليها الكثير من المآخذ لكن العبرة هي في الانخراط في هذا الطريق خاصة إذا كانت بدائل هذا الطريق إما فاشلة أو في طريقها للفشل . إن القول باستغلال المناسبة بغض النظر عن النتائج هو قول ينقصه الجانب العملي . الانتخابات ليست جديدة حتى علينا في السعودية . الغرف التجارية ومجالس الشركات والعديد من الجمعيات تمارس الانتخابات منذ زمن ويفتخر القائمون عليها بما وفرت لهم الانتخابات من فعالية في العمل ونزاهة وشفافية على مستوى الأداء . المحاذير والقيود المرافقة للعملية الانتخابية يمكن التعامل معها وفقاً لجوهر القصد والوصول إلى ما لا يتعارض مع إلحاح البعض على وجود قوائم توفر الانسجام لفريق العمل في المنطقة الانتخابية فكيف سيكون الوضع إذا لم يعتمد أسلوب القوائم ؟ يتساءل البعض بمشروعية . والجواب هو أن الانتخابات من الناحية العملية ستكون بناء على توافقات جماعية . فالمرشح في دائرة انتخابية ما سيكون من أولى مهماته البحث عن دعم فردي وجماعي وستلعب العلاقات دوراً في اصطفاف بعض المرشحين وفقاً لشعار كل لمصلحته والكل للجميع ليفوز في هذه الدائرة أو تلك فلان وجماعته وهذا شيء جيد . @ لماذا التركيز على المرشحين والاهتمام بالفوز ونحن في بداية تجربة جديدة . يجب أن ينصب الجهد على الاحتفاء بهذه المناسبة وجعلها عرساً شعبياً يمجد الانتخابات بغض النظر عمن يفوز أو يخسر . نحن في بداية الطريق والمطلوب هو حشد الناس حول مفهوم الانتخابات ورفع الوعي الحقوقي لكل مواطن . المطلوب هو المساهمة في الحملة الانتخابية لا لمصلحة هذا المرشح أو ذاك وإنما لمصلحة البلد أي لترويج مفاهيم المشاركة في الشأن العام والابتعاد عما يمكن أن يفسر على أنه ركض وراء مصالح ذاتية . المشاركة المباشرة ( ترشيح ) غير ضرورية في هذه الفترة . @ المشاركة المباشرة عبر الترشيح هي ما سيضيف حيوية ومصداقية على الحملة الانتخابية وعلى توطين أفكار الإصلاح والمشاركة الشعبية . أول سؤال طبيعي سيوجه إلى من يساهم في هذه الحملة سيكون لمن يصوت ؟ لن تكون المشاركة غير المباشرة في الانتخابات قادرة على التغلغل في وجدان الناس ما لم ترتبط برموز ملموسة على مستوى الأفراد والأفكار . لا أحد يستطيع التشكيك في نوايا الناس لكن تجارب الانتخابات في ظروف مشابهة لظروف بلادنا جديرة بأن تؤخذ بالحسبان حتى لا يضاف المجلس البلدي المنتخب جزئياً إلى مؤسسة حكومية جديدة . @ أرجو أن يكون فهمي خاطئاً إذا اعتقدت أن ثمة من يعتقد بضرر هذه الانتخابات من حيث إنها استمرار لسياسة لا تمس جوهر الأشياء بقدر ما تمس جوانب شكلية . إذا كانت الدولة قد باشرت على أرض الواقع في تنفيذ أجندة الإصلاح الشامل مهما كانت خطوات هذا التنفيذ محافظة وحذرة إلا أن خيارات الواقع لا تترك غير المساهمة في هذه الخطوات طريقاً آمن لدفع عجلة الإصلاح . الانتخابات البلدية - الجزئية - هي جزء تكويني من منظومة الإصلاح وبالتالي فإن التساؤل عن مصداقية هذه المنظومة وفعاليتها مرتبط بالموقف من الانتخابات ودرجة المشاركة الشعبية فيها . كل التساؤلات مشروعة بغض النظر عما في الصدور لكن المساهمة في تقدم أو تأخر الحراك الاجتماعي في هذا المجال أو ذاك هو الرهان الذي قد يغلب ما في الحاضر من عوامل المستقبل أو يساهم في جمود له مبرراته في الماضي والحاضر .