كان لافتاً مشهد وزير الدولة للإنتاج الحربي الدكتور سيد مشعل يخطب في المصلين من على منبر أحد مساجد محافظة حلوان (جنوبالقاهرة) المرشح في إحدى دوائرها، لكنه لم يكن غريباً في موسم انتخابات يسعى فيه المرشحون إلى ضمان روافد متعددة لحشد الناخبين. وبدا أن مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم قرروا ألا يتركوا جماعة «الإخوان»، فصيل المعارضة الأبرز، تنعم منفردة بأحد أهم مصادر دعم مرشحيها في الانتخابات وهي المساجد التي عادة ما ينشط مرشحو وأنصار جماعة «الإخوان» في ساحاتها لحض الناخبين على تأييد الجماعة انطلاقاً من أن «الإسلام هو الحل». غير أن هذا الأمر تغيّر قليلاً على ما يبدو في حملة الدعاية لانتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان المصري) المقرر إجراؤها يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، إذ أبدى مرشحو «الوطني» اهتماماً أكبر بالدعاية في المساجد فوضعوها في مرتبة متقدمة خلال جولاتهم الانتخابية وتكررت زياراتهم وصلواتهم فيها ولقاءاتهم مع مرتاديها وهم عادة هدف سهل لمرشحي «الإخوان» الحريصين على بدء «طريق الإصلاح» من «بيوت الله» رافعين شعار «الإسلام هو الحل» وآملين في مساندة ودعم «من أعزهم الله بالإسلام». ول «الإخوان» في مصر، خصوصاً في القرى، مساجد يُعرف أن المترددين عليها غالباً ما يكونون من الجماعة، حتى أنه يطلق في بعض الأحيان على مسجد في قرية أو مدينة نائية «مسجد الإخوان». لكن مرشحي «الوطني» قرروا منازلة «الإخوان» في ساحاتهم، فغلب على خطابهم طابع ديني يتماشى مع جمهور المخاطبين من المصلين، وعمد كثير من مرشحي الحزب الحاكم إلى إطلاق حملاتهم الانتخابية من على منابر المساجد مخاطبين الناخبين بالقرآن والسنة النبوية لحضهم على منح «الأمانة» لمن يستحقونها. فوزير الدولة للإنتاج الحربي مرشح الحزب الوطني في الدائرة 24 في حلوان أطلق حملته الانتخابية من على منبر أحد المساجد محدثاً جموع الناخبين عن «أناس اختصهم الله بقضاء حوائج الناس»، وزميله وزير التضامن الاجتماعي الدكتور علي المصيلحي مرشح الحزب الوطني في دائرة أبو كبير في محافظة الشرقية (دلتا مصر) اختار أيضاً أن يطلق حملته الانتخابية من على منابر المساجد، إذ دوّت أصوات مكبرات الصوت في مساجد الدائرة معلنة عن لقاء الوزير مع ناخبي الدائرة. ووجد مرشحو «الوطني» و «الإخوان» وأيضاً أحزاب المعارضة في ساحات صلاة عيد الأضحى «بيئة خصبة» للترويج لحملاتهم الانتخابية، وهو أمر لم يقتصر على المرشحين المسلمين فقط بل تعداه إلى مرشحين من الأقباط أيضاً. فمن لم يستطع من المرشحين الأقباط خطب ود الناخبين من على منابر المساجد انتظر خروجهم من الصلاة ليجدوا عطايا «إخوانهم» في انتظارهم. ويرى نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في «الأهرام» الدكتور نبيل عبدالفتاح أن ظاهرة اللجوء إلى المساجد للترويج للمرشحين نوع من «مغازلة الموجة الدينية» في مصر. وقال عبدالفتاح ل «الحياة» إن «أحد أبرز ملامح المعركة الانتخابية الحالية أنها تدور على ذات الأرضية الفكرية والذهنية للغالبية الساحقة من المرشحين سواء من الحزب الحاكم أو الإخوان أو حزب الوفد (المعارض) وحتى بعض عناصر اليسار، فهي حملة تغازل الموجة الدينية السلفية الطاغية في المجتمع المصري»، مضيفاً أن الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الحاكم وأيضاً المعارضة «تميل إلى استخدام الآليات التقليدية للدعاية الدينية التي ابتكرتها جماعة الإخوان ومنها استخدام المساجد أو الشعارات الدينية أو اللغة التي يستخدمها المرشح ومناصروه واستغلال المناسبات الدينية في تقديم مجموعة من العطايا المباشرة لجماعة الناخبين». وانتقد لجوء ذات الأشخاص الذين يستخدمون الشعارات الدينية إلى «آليات التزوير سواء كانوا مدعومين من الدولة أو مرشحي الإخوان أو قوى المعارضة». من ناحية أخرى، حددت اللجنة العليا للانتخابات برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار السيد عبدالعزيز عمر القواعد الإرشادية الواجب على ممثلي منظمات المجتمع المدني الالتزام بها في متابعة عملية الانتخابات والتي تتضمن أن يكون المتابع من غير المنتمين للأحزاب أو المشاركين فيها أو المرتبطين بعلاقات وثيقة مع أحد المرشحين، وأن يحترم الإجراءات المرتبطة بالعملية الانتخابية والقرارات الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات. وتقضي التعليمات بأن يتم السماح للشخص المصرح له بمتابعة الانتخابات بدخول لجان الاقتراع والفرز بناء على إذن من رئيس اللجنة العامة أو اللجنة الفرعية، والإبلاغ عن المخالفات للمسؤولين بناء على معلومات موثقة وأدلة ملموسة. وأكدت ضرورة ألا يتدخل من يتابع الانتخابات في عمل رئيس اللجنة العامة أو الفرعية أو أعضائهما أو توجيه ملاحظات أو استفسارات لأي منهم، وعدم إجراء حوارات أو استطلاعات رأي داخل اللجان مع الناخبين أو مندوبي المرشحين، وكذلك عدم القيام بأي شكل من أشكال الدعاية لأي من المرشحين أو الأحزاب.