اختتمت ندوة "إفريقيا والأحلام الضائعة" أعمالها بأصيلة في شمال المغرب بالدعوة إلى إنشاء "معهد أصيلة الإفريقي للثقافة والتنمية" يعهد إليه دراسة القضايا التي تعترض طريق الديمقراطية والتنمية في إفريقيا، والذي وقع على إنشائه بالأحرف الأولى. وقال محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ووزير خارجية المغرب في كلمة خلال الجلسة الختامية إن المؤسسة ترحب بهذا المقترح مؤكدا على أن أصيلة تتوافر على بنيات هامة ستمكن المعهد من القيام بدوره، واضحى أن هذا المعهد سيشكل ملتقى للباحثين والسياسيين والإعلاميين من الأفارقة لدراسة مختلف القضايا التي تهم القارة خاصة المتعلقة بالتنمية والديمقراطية مشيرا إلى انه سيتم وضع النص القانوني الخاص بهذه المؤسسة العلمية غير الحكومية. وكان المشاركون قد شددوا في الجلسة الختامية للندوة على أن القارة الإفريقية مدعوة في الوقت الراهن إلى صياغة نموذجها الديموقراطي الخاص بها الذي يراعي خصوصياتها مع رفض النموذج الوحيد للديموقراطية الذي تحاول بعض القوى الخارجية فرضه عليها، معتبرين أن الديموقراطية ليست وصفة جاهزة قابلة للتعميم على مختلف المجتمعات بنفس الشكل، بقدر ما هي تجربة ذاتية تنبع من داخل المجتمعات وتعبر عن خصوصياتها. وفي كلمة له شدد محمد بن عيسى على أن الفقر والأمية لا يتماشيان مع الديموقراطية، مؤكدا أنه لا يمكن التفكير في التنمية دون تحقيق الاستقرار. وأضاف ان التغيير في إفريقيا يحتاج إلى "بيداغوجية وإلى رؤية كما يحتاج أيضا إلى صبر جميل"، ومؤكدا على أنه لا يمكن الحديث عن تغيير بين لحظة وأخرى وأنه لابد من مراعاة إكراهات الواقع والإمكانيات المتوافرة، مذكرا في هذا السياق بتجارب عدد من البلدان الأوروبية مثل أسبانيا وإيطاليا التي مرت قبل وصولها إلى لحظة الديموقراطية الحالية بأشكال متعددة من أنماط الحكم غير الديموقراطي. وتوقف وزير الخارجية السنغالي الشيخ تيديان كاديو عند المفارقة التي تحكم الخطاب الغربي تجاه إفريقيا "الذي لا يتورع عن تحميل جميع الأفارقة أخطاء وجرائم بعض قادتهم في الوقت الذي يتم التعامل فيه مع نفس هذه الجرائم عندما تحدث في أوروبا على أنها تمثل من ارتكبها ولا تعني الأوروبيين جميعا". ويتعلق الأمر بالنسبة للشيخ تيديان بمنطق جاهز في التعامل مع مواضيع القارة الإفريقية بشكل يدفع إلى التعامل مع جرائم بوكاسا أو عيدي أمين أو الحرب في الكوت ديفوار على أنها حالات عامة في الوقت الذي يتعامل فيه مع موسوليني وهتلر أو مع الحرب في البوسنة والهرسك على أنها حالات معزولة ولا تمثل أوروبا بحال من الأحول. واعتبر وزير خارجية مصر السابق أحمد ماهر من جهته أن الديموقراطية ليست نظاما واحدا يطبق على جميع الشعوب والمجتمعات بنفس الكيفية، مشددا على أن النموذج الديموقراطي الغربي أو الأمريكي لا يمثل الكمال بقدر ما يشكل طريقة لتحقيق كرامة المواطن "وهو الأمر الذي يجب أن تنشده القارة الإفريقية". من جهته شدد عمر ديكو وزير الإدماج الإفريقي والمغتربين الماليين "على انه ليست هناك ديمقراطية مكتملة أو غير قابلة للتحسن مادام الأمر يتعلق بمسار تطلب أكثر من قرنين من الزمن بالنسبة لبعض البلدان الغربية لصياغته وهو ما يجعل من غير المقبول أن "نطلب من إفريقيا تحقيقه في ظرف30 او40 سنة". وبدورها اعتبرت الباحثة الجامعية المغربية فاطمة الجامعي الحبابي الأستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن الغرب الذي يعمد الى إملاء نموذجه الخاص في الديموقراطية "لا يطبق هذه الديموقراطية في تعامله مع الغير"، مستشهدة في هذا السياق بما يحصل في العراق وغيرها من البلدان التي تم التدخل فيها باسم نشر الديموقراطية. الجدير بالذكر أن ندوة "إفريقيا والآمال الضائعة" التي نظمت في إطار الدورة 19 لجامعة ابن عباد الصيفية المنظمة ضمن موسم أصيلة الثقافي 26 كانت قد استمرت لمدة يومين كاملين بمشاركة وزراء أفارقة من المغرب ومصر والسنغال والكونغو برازافيل ومالي وبوركينافاسو ، بالإضافة إلى نخبة من الباحثين والسياسيين الأكاديميين ورجالات الثقافة الأفارقة والعرب والأجانب.