تداعيات الانحطاط العربي تتسارع.. ووتائر اندثار الضعفاء ترفع شيئا فشيئا في عالم لم يعد يعترف بالضعفاء والأمم القزمية المشتتة.. وفي وقت تزداد فيه معاول الهدم وتطوير وسائل الإبادة للأجناس التي في طريقها الى الانقراض وتطويع هذه الوسائل المدمرة لتستهدف الوجود والثقافة والحضارة. وإذا كان ماثلا أمام الجميع ما لحق ويلحق بالأمة العربية وقد بات أطفالها ونساؤها يستصرخون ويولولون دون مجيب ونشاهد التدمير الذي تتعرض له البيوت والديار والأمصار والاحتلال الذي يتلوه احتلال.. فإن الخطر الذي يتهدد ثقافة وحضارة ودين هذه الأمة يسير بوتائر أسرع ويرتكز على رؤية قاصرة لدى عتاة اليمنيين يحملونها على سنام حرب إبادة ضد العرب والمسلمين لتحقيق نبوءة على أنقاض الاسلام والمسلمين.. وهو ما حملته الخطط التي صدرت عن مؤتمرات قساوسة التنصير منذ المؤتمر الذي نظمه (صموئيل زويمر) أبرز قادة الحركة التنصيرية في أواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في القاهرة عام 1906م ومؤتمر"ادنبره" للإرساليات العالمية عام 1910م ومرورا بمؤتمر"لكناو" في الهند عام 1911م وصولا الى مؤتمر"كولورادو" وهي المؤتمرات التي أبرزت دوافع تصاعد موجات التنصير للمسلمين وبلغت شأنا كبيرا لدى قساوسة التنصير أولئك الذين بعثوا برايات التنصير والمنصرين في ركاب الغزاة.. وعند انعقاد مؤتمر كولورادو الامريكي الذي عقده المنصرون في أمريكا عام 1978م الذي كان أخطر هذه المؤتمرات على الإطلاق في دقة خططه وتفاصيل استراتيجيته. إن هذه المخاطر التي تهدد وجودنا وقيمنا وحضارتنا تتمحور في الخطاب الرئيسي الذي ألقاه في المؤتمر"ستانلي مونيهام" الذي قال: (أنا لا أؤمن بان الوقت مناسب تماما تاريخيا فحسب.. بل إن من الضرورة الملحة ان نلتقي ونناقش ونصلي من أجل الواجب الملقى على عاتق النصرانية تجاه (720) مليونا من البشر يؤمنون بالإسلام.. فلا يمكننا بعد اليوم أن نعتمد الأساليب القديمة في مواجهة الإسلام الذي يتغير بسرعة وبصورة جوهرية.. فالحصاد الذي حان قطافه لا يسمح لنا بتأخير جني الثمار بانتظار الوقت الذي يلائمنا). ونحن أمام أبرز صورة للمخاطر التنصيرية التي تستهدف الوطن العربي والحقائق ماثلة أمامنا في كل بقعة فوق هذه الأرض العربية.. لا يمكن الا أن نتساءل عن وسائل وأدوات هذه الحملة التنصيرية الشرسة لنراها ماثلة فيما خطط له المنصرون في هذا المؤتمر وذلك عبر التركيز التنصيري على الطلاب في الدول الأوروبية وكذلك على المهاجرين وأيضا الاعتماد على أفراد يستخدمون امكاناتهم الذاتية وهي الوسيلة التي دخلوا بها أفغانستان عام 1948م بعدما كانت مغلقة في وجههم وهم من أطلقوا عليهم أصحاب الخيام الذين عملوا عدة سنوات مدرسين وفنيين ودبلوماسيين ومستشارين للأمم المتحدة أتيحت الفرصة لدخول منصرين أطباء وممرضين وممرضات وغيرهم من ذوي المهن التي كانت تحتاج اليها البلاد، بالإضافة الى ذلك استندوا في مخططهم هذا على وسيلة أخرى هي اختراق البلدان الإسلامية. ونحن أيضا أمام شواهد كثيرة اليوم تؤكد هذا المسعى التنصيري الخطير ويتمثل في التركيز على المذاهب والطوائف والأقليات العرقية للتغلغل في ديارنا ومناطقنا وبلداننا لتحقيق نتائج مخططاتهم البالغة الدقة في الصيغة والتنفيذ حتى وصلوا الى التغلغل في أكثر هذه البلدان صمودا في وجه حملات التنصير عبر مراحل تاريخها وأشدها قسوة إبان العهد الاستعماري وهي الجزائر التي تشهد اليوم في العديد من بقاعها إيغالا خطيرا بدأ يستشري في ربوعها منذرا بالهول والثبور على هذا البلد وغيره من البلدان العربية. وإذا كان هذا الامر الخطير ينبىء بشىء فهو يدل على مدى اتساع رقعة هذا الخطر الذي كنا نعتقد أنه أكثر استشراء في الشرق ولكن ها نحن اليوم نواجه هذا الخطر من الناحية الغربية من الوطن العربي وفي الجزائر بالذات.. وتقوم في وجهنا هذه الثغرة القاتلة في الجنب الغربى بعدما أصيب قلب الأمة في المقتل وبعدما أصاب الشرق ما أصابه من كوارث. فماذا نحن فاعلون أمام هذه الصورة الاكثر سوادا.. وأين هي اليقظة الإسلامية والعربية لمواجهة هذا الاختراق؟! فهذا سؤال نتركه للمستقبل وإن غدا لناظره لقريب.