بعضهم كان ينظر اليهم على انهم ابطال واخرون يعتبرونهم ضحايا أو يتجاهلونهم .. قدامى المحاربين الافارقة الذين ساهموا في تحرير فرنسا من النازية على سواحل بروفانس قبل ستين عاما هم الان "منسيو التاريخ". وكان جيش الافارقة الفرنسي يضم عند انزاله على سواحل بروفانس، 173 الف جندي من تونسوالجزائر والمغرب ومن غرب افريقيا وافريقيا الاستوائية الفرنسية و168 الفا من فرنسيي شمال افريقيا و35 الفا من سكان جزيرة كورسيكا و20 الفا من الفرنسيين الفارين من الاحتلال النازي. وسقط منهم بين عامي 1942 و1945 اربعون الف قتيل و72 الف جريح. وينخفض عددهم سنويا (حاليا 21 الفا في المغرب وعشرة الاف في كل من تونسوالجزائر و130 فقط في الغابون) في حين يلف النسيان ذكراهم. ولم يعد يذكر انجازات هؤلاء المنسيين سوى بعض المؤرخين المولعين بهذه الحقبة التاريخية المشتركة بين افريقيا وفرنسا او بعض اسر قدماء المحاربين الافارقة. واكد محمد بن تومي (79 سنة) التونسي المولود في بجاية (الجزائر) والذي قاتل في الكتيبة السابعة للرماة الجزائريين مع القوات الفرنسية، وهو يستعد بابتهاج للمشاركة في الاحتفالات بهذه الذكرى، انه يدرك انه دافع عن شرف فرنسا. ويقول وهو يرتدي بنطلونا ناصع البياض وقميصا من القطن انه سعيد جدا للقاء "رؤسائه الثلاثة" في اشارة الى جاك شيراك (فرنسا) وزين العابدين بن علي (تونس) وعبد العزيز بوتفليقة (الجزائر) في الخامس عشر من اغسطس في تولون. ويشارك 16 رئيس دولة افريقية في الخامس عشر من الشهر الجاري في الاحتفالات الدولية التي ستقام في عرض البحر ويرأسها شيراك على حاملة الطائرات شارل ديغول قبالة ميناء تولون جنوبفرنسا. وانزلت قوات التحالف في الخامس عشر من اغسطس 1944 في بروفانس بعد عشرة اسابيع من انزالها في النورماندي واوضح المؤرخ اندري كاسبي "ان العمليتين تهدفان الى تضييق الخناق على القوات الالمانية لارغامها على التراجع حتى نهر الراين". ويتذكر محمد بن تومي انه كان ضمن "الرماة دائما في المقدمة وكنا نؤمن بالمكتوب" (القدر) مضيفا "كان الانكليز مقاتلون اشداء والاميركيون كما هم الان في العراق، لديهم افضل الاسلحة لكنهم يرتكبون الاخطاء" ويروي كيف قصف طياروهم جنودا حلفاء خطأ في كاتدرائية مونتي كاسينو بايطاليا. ويقول محمد عزوزي رئيس الجمعية الوطنية لقدماء المحاربين المغاربة "نلاحظ لدى الشباب نقصا في الاهتمام وجهلا يكاد يكون كاملا لهذه الحقبة الثرية من تاريخنا". كذلك يطغى الشعور نفسه في السنغال حيث يشمل النسيان هذه الاحداث منذ الاستقلال على ما اكد الشيخ فاتي فاي المؤرخ في مدرسة المدرسين العليا بدكار والذي يأسف "لانه لم ينجز اي شيء للاحتفاظ بذكرى الرماة السنغاليين". وفي الغابون ينظر الناس الى الحرب العالمية على انها قبل كل شيء حرب بين "الفرنسيين والالمان" وتتجاهلها الاجيال الصاعدة على ما يقول غي روساتانغا-رينيو استاذ العلوم السياسية في جامعة عمر بونغو في ليبرفيل. وفي الجزائر يرى العديد من السكان ان قدماء المحاربين في الحقبة "ضحايا استغلهم الاستعمار ودفع بهم كبش فداء ثم سقطوا في النسيان". ويعبر العديد من قدماء المحاربين عن امتعاضهم لعدم اعتراف فرنسا بجميلهم من خلال تدني علاواتهم التي لم تتم مراجعتها خلافا لقدماء المحاربين الفرنسيي الجنسية. فمثلا لا تتجاوز علاوة المغربي محمد شلحي 68 يورو شهريا في حين تبلغ 320 يورو لكل ثلاثة اشهر في ليبرفيل وخمسين يورو في مالي و49 يورو في الكاميرون و52 يورو في تونس. وفي الاول من ديسمبر 1944 اطلق الجيش الفرنسي النار على 1280 من "الرماة السنغاليين" (الذين كانوا من عدة جنسيات) الذين كانوا يطالبون في معسكر تياروي (15 كلم عن دكار) بتسديد رواتبهم وعلاواتهم المتأخرة، فسقط ثلاثون قتيلا. وكان الجنود ينتمون الى 23 بلدا مستعمرا حينها من بينهم بلدان المغرب العربي والسنغال و(السودان الفرنسي) المالي (حاليا) وغينيا وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج... ولا يزال 85 الفا من قدماء المحاربين الافارقة الذين جمدت علاواتهم في 1959 ثم تمت زيادتها بعشرين في المئة في 2003، يعتبرون ان حقوقهم مهضومة ويطالبون بالمساواة مع رفقائهم الفرنسيين.