بثت وكالة رويترز مؤخراً تقريراً من مراسلها فى القاهرة ينسب خلاله الى المهندس ابراهيم المعلم رئيس اتحادى الناشرين المصريين والعرب القول (لم يعد احد يقرأ أساساً) وان القراءة والكتابة هما اول شئ يعانى التراجع الاقتصادى وان ظروف الحياة الضاغطة على المصريين تمنعهم من القراءة. كما نسب اليه تأكيداً بأن مصر لم تنتج أكثر من 12 الف كتاب عام 2001 رغم ان عدد سكانها يصل الى 68 مليونا وان كان هذا الرقم يمثل 37% من اجمالى الانتاج فى المنطقة العربية، وان اقل من خمسين فى المائة من هذه الكتب كانت اصدارات جديدة، بينما حازت الكتب الدينية والمدرسية على نصيب الاسد من استثناءات قليلة. وجاء فى التقرير ايضا تأكيد المعلم ان الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل يبقى اكثر الكتاب مبيعا وتحظى تحليلاته باحترام كبير فى العالم العربى، ويمكن ان يبيع احد كتبه ما يزيد على متوسط يتراوح بين خمسة الاف نسخة. بينما اشار التقرير الى ان قطاعا ضئيلا فقط من المجتمع المصرى اليوم يقرأ نجيب محفوظ أو اية روايات عربية. ويؤكد تقرير رويتر أنه بعد فوز محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 لم يكن هناك الكثير مما يظهر طفرة فى مبيعات الروايات بالعربية ويبدو ان الجائزة دعمت فقط الترجمة الانجليزية. كما ان تقرير التنمية البشرية العربى الذى اصدرته الاممالمتحدة رسم صورة قاحلة للحياة الادبية فى المنطقة العربية. مشيرا الى امية واسعة وتحول كثيرين ممن يمكنهم القراءة الى الكتب الدينية فقط. وأضاف ان المجموع التراكمى للكتب المترجمة منذ عصر المأمون اى منذ القرن التاسع الميلادى حوالى مائة ألف عنوان وهو تقريبا ما تترجمه اسبانيا فى سنة واحدة. هذه النظرة المتشائمة التي رسمها تقرير رويتر لواقع التلقي الأدبي في عالمنا العربي خاصة في مصر على اعتبار ان التقرير صادر من القاهرة، فجر استنكار عدد من الكتاب والناشرين لبعض ماجاء فيه من معلومات غير دقيقة، وكان لابد من توضيح الامر ووضع النقاط فوق الحروف. ففي البداية يؤكد المهندس ابراهيم المعلم رئيس اتحادي الناشرين المصريين والعرب ان بعض اقواله فهمت ليس كما يقصدها تماما فتراجع القراءة مسألة لم تستجد هذه الايام، اي اننا كنا نقرأ كثيرا في الماضي ثم انصرفنا عن ذلك الآن، بل هي قضية قائمة في العصر الحديث، بدليل تبني بعض الحكومات العربية لحملات قومية لتشجيع القراءة، والواقع يشهد الان ازدهارا في حركة النشر من حيث المستوى الطباعي والتنوع الهائل في الموضوعات التي تتناولها العناوين الجديدة، إنما المشكلة الحقيقية تكمن في مجالي الشعر والرواية، هذان المجالان تراجعت فيهما القراءة بصورة تدعونا الى التساؤل: لماذا؟ رغم ان عدد الروائيين المتميزين يزداد وكذلك الشعراء الجيدون ولكن ذلك لا يوازيه تلق بنفس النسبة، فعدد قراء الرواية والشعر لا يزيد بنسبة مماثلة بل يظل ثابتا، ويتضح هذا من المعدلات العالمية وهي في مصر اقل كثيرا، والامر يمثل قضية يجب مناقشتها، وكم دعوت المفكرين والنقاد الى بحثها، اما ما يخص اديبنا العالمي نجيب محفوظ الذي يعد اعظم الروائيين تأثيرا على مستوى العالم العربي كله، فللأسف لم يحدث فوزه بجائزة نوبل طفرة في نسبة قراء أعماله محليا وإن ادى ذلك الى اهتمام نقدي واعلامي بأعماله لم يواكبه مردود على المستوى الجماهيري. ويضيف المعلم قائلا : ورأيي الشخصي ان نجيب محفوظ يستحق اهتماما جماهيريا، اكبر بكثير مما هو عليه الآن، ويختلف الامر بالنسبة للمجالات الاخرى فهناك اقبال على كتب الاطفال، والكتب السياسية الساخنة، وتلك التي تعالج علوم المستقبل والكمبيوتر، وايضا العناوين التي تعالج قضايا الحياة كأفضل الطرق لاختيار شريكة المستقبل، التداوي بالاعشاب، وغيرها من الموضوعات.. اما عن زيادة مبيعات الكتب الدينية فأود توضيح انني اعني الكتاب الديني المستنير كمؤلفات: القرضاوي والغزالي وعمارة والعوا، بعيدا عن الكتب الصفراء ومؤلفات التطرف، فالكتاب الديني له مكانة خاصة في العالم كله ونحن شعب متدين والاقبال على شرائه امر تاريخي ولا يعني ذلك عدم الاقبال على النوعيات الاخرى، واذا كنا نصدر في مصر الآن 12 الف عنوان سنويا منها خمسة الاف عنوان جديد، فإني أعتبر ان هذا العدد اقل من طموحاتنا لكنه اكثر مما كان يصدر في الماضي، فما صدر من عناوين في ربع القرن الاخير يبلغ ثلاثة أضعاف العناوين الصادرة في القرنين الماضيين، اما عناوين الاطفال على مدى العشرين عاما الماضية فيمثل ثلاثة اضعاف ما نشر للطفل، وهذه علامات صحية، تدفعنا الى التفاؤل وتسلب اي معنى من ذلك التشاؤم الذي يهوى البعض اشاعته في النفوس، وأرجو الا يتصور احد ان الركود الاقتصادي يؤثر على حركة الشراء والبيع في مصر فقط، بل هو تأثير موجود في العالم كله. وعن الاحصائية التي اوردها تقرير رويتر الخاصة بالعناوين المترجمة منذ عصر الخليفة المأمون حتى الآن البالغة مائة الف عنوان، يؤكد المعلم انه رقم غير صحيح بالطبع فمن اين لنا معرفة العدد الصحيح منذ هذا العهد البعيد. ويضع الناقد الدكتور محمد عناني أيدينا على حقيقة لا يفطن اليها البعض قائلا : إذا قارنا قراء الستينيات بقراء التسعينيات لوجدنا ان عددهم زاد بصورة مطلقة، لكنه تناقص بصورة نسبية، اي أن عدد سكان مصر وقتها كان 25 مليون نسمة وكان المفروض أن يتضاعف العدد بعد ذلك مع التعداد، لكن ذلك لم يحدث.. لماذا؟ لانتشار الوسائط الاخرى كالتليفزيون والكمبيوتر وادمان الشباب له، وقد ارتبط ذلك بحركة الانفتاح المفاجىء وسيطرة الرغبة في الحصول على التسلية والمتعة، وقد انقسم الناس إلى قسمين : الاول اتجه الى الكتب الدينية المبسطة بعيدا عن العناوين المستنيرة ك(حياة محمد صلي الله عليه وسلم) للدكتور محمد حسين هيكل، أو (على هامش السيرة) لطه حسين، او (محمد) لتوفيق الحكيم، وانبهر القسم الثاني بصور اللهو التي اصبح يتصور انها جوهر الحضارة الغربية، مما ادى الى تفريغ الطبقة الوسطى من مثلها القديمة التي قامت عليها دائما: القراءة، والعلم، والعمل. ويضيف الدكتور عناني قائلا: ولاشك في ان مكتبة الاسرة قد حلت جزءا كبيرا من المشكلة وان كنا نريد زيادة المطبوع. ويقول الدكتور محمد حسن عبدالله الاستاذ بجامعة القاهرة: اعتقد كناقد ان العزوف عن قراءة الاعمال الادبية يعود في المقام الاول الى سيطرة مضامين الحداثة التي اغرقت النص، وأبعدته عن المحتويات الجادة والمؤثرة، وهي نظريات مستوحاة من الغرب، ولا تتفق مع مجتمعاتنا، وفي عصر سابق كان الابداع رسالة، وكانت الكتابة موقفا، وكان الفن مسئولية، وفي ضوء ذلك انتعشت فنون الرواية والمسرح، أما دعوات الحداثة الآن فقد أعلت من شأن العبث واللعب بالتشويق، وأخلت الكاتب من مسئولية التعبير عن الجماعة والاسهام الجدي في القضايا المصيرية، وجعلت الكتابة الادبية زخارف مستغلقة، وقاست جرأة الاديب بما يصنع من استهانة بالمقدسات والسخرية منها واهدار الكرامات.. كل هذا جعل الناس ينصرفون عن القراءة، مؤكدا ان السبب الاقتصادي ليس هو الوحيد المسئول عن هذا الانحراف، بدليل ان هناك دولا لا تعاني أية مشكلة اقتصادية، ومع ذلك تتراجع نسبة القراءة فيها ويمثل وجود بدائل للقراءة سببا اساسيا في انحراف البعض عنها، كالمشاهدة والنص الناطق الذي قد لا يختلف كثيرا عن النص المقروء، فلماذا التباكي مادامت جماليات النص تصل إلينا مضافا اليها الديكور والموسيقي؟ في حين يجزم الروائي ابراهيم عبدالمجيد الذي حصل على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الامريكية في اولى دوراتها بقوله : لا أحد يستطيع انكار ان العالم العربي يعاني نسبة امية مرتفعة، والامر لا ينطبق على قراءة نجيب محفوظ فقط، ولكن على الكتاب في العالم العربي وانا منهم، بعض اعمالي حققت 6 طبعات وهذا يعني حوالي 30 ألف نسخة، وهناك كتاب طبعت كتبهم مرة واحدة اي حوالي 3 آلاف نسخة، واعمال محفوظ لو طبعت كل واحدة عشر طبعات فإن ذلك يعني 180 الف نسخة واذا قرأ النسخة ثلاثة افراد فسوف يصل القراء الى حوالي نصف مليون قارئ من 280 مليون عربي، وارجو الا ننزعج من هذا الكلام لان هناك بلادا عدد سكانها 70 مليون نسمة وتطبع نصف مليون نسخة من الطبعة الواحدة، هذه مسألة تتعلق بالبنية الاجتماعية للعالم العربي وليس بقيمة الادب العربي فقيمته مرتفعة جدا ويقرأه النخبة، وهو لا يقل في قيمته عن الادب العالمي. تقرير رويترز فيه الكثير من الخطأ قيمة الأدب مرتفعة رغم قلة القراءة