يُحكى أن شقياً كان يجوب الأرض باحثاً عن الشوك، ومفتّشاً على مواطن الفتنة والشر.. بحث طويلاً في الفيافي والصحارى والجبال الجرداء ،فلم يجد ضالّته. تفتّق ذكاؤه عن فكرة جهنمية، حيث بدأ يزرع الشوك في المروج الخصبة، وعلى الروابي المعششة بالزهور والرياحين، وما أن نبت الشوك حتى تسارعت كل قوى الشر إليه فارتمى بين أحضان الطاغوت. كبرت نبتات الشوك، وتسلّقت بطون الزهور الجميلة وكان لا بد أن يبقى أحدهما، الشر أو الخير.. فرض الشر نفسه بفعل الدهاء والقوّة، فبدأت الزهور تغادر مواطنها بحثاً عن أمان واستمرار..أما سهول الخير فقد امتلأت بالطواغيت. لم يكن ذلك الباحث عن بذور الشر إلا لاهثاً وراء وطن يمضي إلى النصر بهمم زهوره، كي يعيث به فساداً ضارباً بعرض الانتماء والشرف كل المفاهيم التي ألفها ذلك الشعب. حرث الأرض الطيبة بشرذمة من الحاقدين، وغسل أقدام الطغيان في المذبح المقدس ليطهر الخطيئة بالخطيئة،وليقتل حلم الشرفاء الأخير. تفرقت العصافير وسكتت عن الزقزقة في الربوع الخضراء، ليس خوفاً من الفزّاعة، بل محافظة على لحمة المناضلين كي يكون السلاح كل السلاح تصدياً للعدو الغازي. أوغل في الطعن والغدر لا يأبه بنداءات الحكماء، وراح يطعن بسموم نصاله تعب الناس، وحلمهم الأكبر وهم عنه غافلون، وجباههم المعروقة تبحث عن وسيلة البقاء دعماً للصمود، لينتزعوا حياتهم الكريمة من أنياب الكابوس الجاثم على صدروهم. لقد أحتل الغزاة الأرض، لكنهم لم يحتلوا ولم يكسروا إرادة الأحرار .. ولكن كحلان قام بهذا الدور من الباطن، لإضعاف قوتهم، وقتل عزيمتهم ليزرع أنيابه، ويمرر تعليمات أسياده لمزيد من الضغائن والثارات ليصل أخيراً إلى تشييد مملكة الجبناء. ارحل.. فشقائق النعمان لا بد أن تزهر على طريق الآلام لتعلن من قلب حزام النار زغرودة تنبي عن ولادة بطل من ابطال حريتنا.. لا قزماً من صنع الصهاينة.فنحن أدرى بك منك، وأهل مكة أدرى بشعابها.. فارحل عنا... اترك أمر البلاد التي ربّتك وحملتك وأرضعتك الحياة كي تصنع الحرية بعيداً عن جنونك الأرعن، وسيشرق نور الحق معلناً الجهاد المقدس، وساحقاً غربان الهدم والدمار.أكاليل الغار لم تكلل غير جباه الشرفاء، ولن تكون أبداً للنخاسين..وسيبقى جبين الوطن هو الأعلى، ولو تمادت الخفافيش فللباطل جولة وللحق كل جولة.. أما في هذا الزمن العجيب.؟ حيث لم يعد للشهامة والوفاء من مكان بين مفردات قواميس المتخاذلين، بل ستظل اللغة الواحدة هي التي يصنعها الأبطال تحمي جباهاً مشرقة.. عالية تسمو على كل ضلال. غابت الكلمات، وعجزت المفردات أن تجد صفة للساقطين العابثين بمصير أمة ما زالت تعطي بلا حدود من دم أبنائها على مذبح الحريةّ، وما يجري بفعل ال كحلان يبعث على الحزن، ويعتصر القلوب رهبة من فتنة القراصنة، واتّكأت حروف العزة فسقطت النقاط كفاجعة على نفوس البسطاء. ليته لم يتنسم يوماً سحر وعبير الوطن، ولم يكبر بحضن دافىء رعاه انتشله من المجهول، فكان الوفاء أنه جحد فضل أم ترعرع في رحمها أعظم الشهداء..وها هو يمارس نكران الحنين والذكريات.. ارجع أيها الطريد إلى عتمتك، فالعدالة الإلهية وقصاص الشعوب أعظم من كل الأحكام... *محررة وناشرة موقع (مبدعون عرب) (عن جريدة الصباح الفلسطينية)