تتخذ ظاهرة اضطهاد الاطفال اشكالا عدة منها ايذاء الاطفال بدنيا او جنسيا او استغلالهم في ممارسة بعض الاعمال التي لا تتناسب مع اعمارهم السنية والظاهرة كما ذكرت في مقالة الاسبوع الفائت في انتشار كبير خاصة في دول العالم الثالث وما نحن بصدده في هذه المقالة هو ليس الوقوف على حجم هذه الظاهرة والتي سبق ان تحدثنا عنها في الاسبوع الماضي ولكن عن اسباب وتداعيات هذه الظاهرة. وعلى اية حال فان اضطهاد الاطفال نمط من الانماط العصرية لايذاء الاطفال فبالتالي فان كل اشكال الايذاء كترويج صور اباحية للاطفال واستخدام الاطفال لاغراض جنسية واستغلالهم في الاعلانات التجارية او غيرها او حتى المتاجرة بهم وتشغيلهم والتسول بهم كل هذه صور مختلفة من ايذاء الاطفال. تتفق العديد من الدراسات على ان اضطهاد الاطفال من خلال استغلالهم ينبغي ان تدرس في اطارها الشامل المتمثل في تشغيل الاطفال او استغلالهم في التسول او مشكلة اطفال الشوارع ولعل من اهم الاسباب لتفشي هذه الظاهرة هي الدوافع الاقتصادية. ان تدني دخل الاسرة يمثل السبب المباشر في استغلال الاطفال وخروجهم الى الشوارع معرضين انفسهم للخطر من اجل توفير سبل العيش لهم ولاسرهم التي تعاني من الفاقة والفقر. ان ظاهرة اضطهاد الاطفال من خلال استغلالهم ظاهرة ذات اطار مجتمعي يقتضي وصفها في سياق الابعاد المؤثرة عليها من نواح اقتصادية واجتماعية وتعليمية وينتمي عادة مثل هؤلاء الاطفال الى اسر فقيرة ومنخفضة الدخل وعادة ما تعيش هذه الاسر تحت مستوى خط الفقر او دونه وهذا ما يجعل الاسر تدفع بابنائها الى ممارسة الاعمال التي لا تتناسب مع طبيعتهم الغضة مثل التسول والبيع عند الاشارات المرورية طوال اليوم لمساعدتهم. اما اذ عرجنا الى العوامل المجتمعية والاسرية فان من اهم مشكلة تفشي هذه الظاهرة هو نمو انتشار المجتمعات السكنية والعشوائية اذ انها البؤر الاساسية المعززة لظاهرة اطفال الشوارع اذ توجد نسبة كبيرة من السكان من ذوي الدخل المنخفض وازدياد الكثافة السكانية وتكدس اكثر من اسرة في سكن واحد بالاضافة الى سوء الحالة الصحية والتعليمية بهذه المجتمعات وارتفاع نسبة المشاكل الاجتماعية كالاجرام وتشرد الاحداث والطلاق والمشاجرات الاسرية. وعندما يأتي الحديث عن الاسرة والتي تمثل المراجع الاساسي بالنسبة للطفل فانخفض المستوى التعليمي للوالدين يساعد على ترك الابناء للمدارس ولجوئهم الى الشوارع دون مقاومة من الاسرة بل ان بعض الاسر هي التي تدفع بهم من اجل الكسب المادي. ويساعد ذلك كبر حجم الاسرة وعدم تكافلها وسوء العلاقات وقسوة الوالدين والذي يجعل من المنزل قطرا غير مستقر للاطفال ويكون ذلك دافعا رئيسيا لخروجهم منه. ولهذه الاسباب وغيرها نجد الكثير من الاطفال في مختلف دول العالم الثالث يتركون منازلهم واسرهم بل ان بعضهم يفضل العيش بالشوارع عن العودة الى المنزل لفقدان الامن والرعاية والاحساس بالامان. وجراء ذلك يتعرض الاطفال الذين يتم استغلالهم سواء في التسول او بأي شكل من الاشكال التي ذكرناها الى العديد من المشاكل والسلبيات والمخاطر التي قد يتجاوز تأثيرها الاطفال الى المجتمع بأسره. ومن هذه المشاكل تسربهم من المدارس ووراثة الفقر والمكانة الهينة المنخفضة والاصابة بالامراض العضوية والنفسية والاستغلال الجنسي من الافراد والعصابات اضافة الى خطورة تواجدهم في الشوارع اثناء ممارسة التسول او البيع عند الاشارات المرورية وتعرضهم لحوادث السيارات واخيرا استغلالهم في بعض الاعمال التخريبية من قبل العصابات. ولعل استغلال الاطفال من خلال العصابات هو اخطر ما يهدد المجتمع بصفة عامة. فهذه العصابات تتخذ من هؤلاء الاطفال ادوات سهلة ورخيصة نشاطاتها غير المشروعة سواء باستخدمهم كادوات مساعدة في الترويج والتوزيع للممنوعات واحداث الاضطرابات والعنف او استغلالهم بالمسائل المتصلة بالفسق والدعارة والاخطر من هذا كله هو التأثير عليهم فكريا. ونتيجة لذلك يتعرض الطفل للاهانة من الكبار حتى تصل الى الايذاء البدني المبرح مما يضعف لديه الشعور بالولاء والانتماء في مرحلته العمرية التي يفترض توافر الحماية له والامان وينشأ اميا وفريسة لثقافة الجهل كما يحرم من الاستمتاع بطفولته ليكون النهاية الحتمية شخصية مضطربة وغير قادرة على التكييف مع الواقع الاجتماعي مما يؤدي الى انحرافات سلوكية مستقبلية.