مع بداية موسم الإجازات الصيفية، تبدأ الطوابير في أقسام القروض بالمصارف العاملة في الدولة(الأمارات العربية المتحدة). وقد قيل الكثير عن المآسي الشخصية والعائلية التي تقف القروض الشخصية وراءها، وعن أشخاص وقعوا في شباك إغراء إعلانات هذا البنك أو ذاك، فوقعوا على أوراق لا يكلف التوقيع عليها جهداً، واستلموا مبالغ لا يستطيعون فعلياً سدادها، ولكن، عندما جد الجد، وحان وقت السداد، انتهى بهم المطاف في مراكز الشرطة وردهات المحاكم، واستقروا في النهاية بين أربعة جدران في مؤسسات الإصلاح والتأهيل. والسبب قد لا يبدو واضحا لكل الناس. فمن أخذ مبالغ كبيرة بسهولة شديدة سيصرفها بسهولة مشابهة، إن لم يمنعه وازع من عقل أو يقيده زاجر من ضمير. ويزداد الطين بلة، كما يقال، عندما يكون المقترض، شاباً غراً، لم يتسلح بعد من تجارب الحياة، بحلوها ومرها بما يكفي، لكي يمتلك القدرة على تقييم أفعاله، ويرى من البداية ما يمكن أن يترتب على تلك الأفعال. إن كلامنا ما زال حتى الآن كلاماً في مستوى السلوك الشخصي والأخلاقي بشكل عام. لأن الأبعاد الاقتصادية لمشكلة القروض الشخصية في الدولة أغنانا عن الحديث عنها مختصون في هذا المجال، وجهات ذات اختصاص، ولغة الأرقام والإحصاءات، وليس عنا ببعيد تصريح رئيس المجلس الوطني الاتحادي بأن تسعين في المئة من مواطني الدولة مدينون للبنوك وأن حجم القروض الشخصية على المواطنين للبنوك قد بلغ ثلاثة عشر مليار درهم. ونصل إلى السؤال التالي: ما الرابط بين زحام طابور القروض والإجازات الصيفية؟ لقد جرت العادة في البلدان الخليجية عامة على أن تسافر العائلات والأشخاص خلال فترة الإجازة الصيفية للسياحة في العالم مع ما يقتضيه ذلك من تكاليف باهظة قد لا تكون ميزانيات الجميع مستعدة لتغطية نفقاتها على أيسر حال، وهذا ما يدفع إلى تغطية أي نقص من خلال القروض. والمصارف جاهزة منذ وقت لتقديم كل ما يلزم من سيولة مطلوبة، لكن بشرط واحد وهو أن يكون المقترض مستعدا لقضاء بقية العام في سداد الأقساط، والفوائد، وفي حال تخلفه عن ذلك، لا قدر الله، لهذا السبب أو ذاك، فليعلم أنه لا حل سوى الدخول في متاهات السداد والتعقيدات القانونية. أعتقد أن المجتمعات الخليجية عموماً في حاجة إلى تجاوز الكثير من ممارسات مجتمع الرفاهية الزائفة، خاصة منها تلك التي تلحق ضررا فادحاً بالاقتصاد الوطني لهذه الدول، وتصادر الكثير من حقوق الأجيال القادمة في التمتع بنفس المستوى من الحياة والمعيشة المرتفعة. ولعل أول خطوة على هذا الطريق هي الحد من السفر في الإجازات الصيفية، وتشجيع السياحة الداخلية، لكي يصب ما يصرفه المواطن الخليجي في فصل الصيف، في دورة الاقتصاد الوطني لبلده. أما إذا كان هذا مطلباً مستحيلا لدى البعض فلا أقل من أن يرشد السائح الخليجي إنفاقه، ويمتنع عن رهن عامِه، إن لم نقل مستقبله ومستقبل أبنائه وعائلته، للبنوك وقروضها، الميسرة، وهذا أضعف الإيمان. كاتب إماراتي