تناولنا عزيز القارىء في مقالة الاسبوع المنصرم بعضا من انماط السلوك (الشاذة) لبعض رفقاء رحلة الحياة, والتي من خلالها او بسببها اصبحت هذه الرحلة اكثر مشقة, واشد وقعا, وسنكمل بمشيئة الله في لقائنا اليوم صورا اخرى لا اجدها بكل تأكيد تقل سلبية عما سبقها. ... وذاك (البخيل) الذي اصبح المال لديه غاية ووسيلة في نفس الوقت, فاقبل يجمعها بكل الشغف, غير عابه على الاطلاق بمعاني الحرمان المرتسمة على وجوه اقرب المقربين اليه, منكرا في الوقت نفسه ان اولئك المحرومين هم اصحاب تلك الاموال طال الزمن ام قصر. فزاده (المادي) من الدنيا الى الآخرة يعرفه هو قبل الجميع, ومع ذلك لا تجده الا مزدادا شره على شره, وطمعا فوق طمع. ... وعلى الوجه المقابل هناك (المسرف) الذي تجده يلهو كطفل عابث بكل ما انعم الله عليه من خير غير عابه بغدر الزمان, ولا بحقوق عائلته رادا على كل ناصح بمقولة (انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب). من هنا فلا غرو ان وجدنا هذا النمط قد احاطت به الديون احاطة السوار بالمعصم, واصبح ما يقضيه من وقت في السجون والمحاكم اكثر مما يقضيه بين اسرته واطفاله. ... وذاك (الكذوب) الذي يعرف الجميع بانه شخص لا وعد له, ولا كلمة. على ان الغريب حقاهو ان هذا النمط يعرف تماما بانه يسير في طريق هو واحد من شعب النفاق, وانه قد اختار بكل طوعه واختياره السير فيه غير عابه على الاطلاق بنظرات (الشك) التي ترسم حول كل ما يقوله, ولا بدرجات (عدم الثقة) التي اصبحت سمة تميز التعامل معه عما سواه. ... فهناك (الفاجر) الذي لا يجد وازعا من دين او ضمير في التعرض لحرمات الآخرين وهتك اعراضهم عيانا بيانا ان لم يمكن بالقول فبالفعل, بل ولعل الادهى والامر هنا ان يتطرف هذا البعض كثيرا ليشمل بفجوره اقرب الاقربين اليه غير عابه بعار الفضيحة, ولا بتلك النظرات التي تزدريه ليل نهار. لقد رضي الفاجرون من الرفاق لانفسهم بكل الطوع والاختيار ان يكونوا مثالا للنمط الذي لا يزداد سوى احتقار في اعين الآخرين, وازدراء في نفوس كل من عرفهم قربا ام بعدا, حتى وان حال هذا البعض لبس لبوس الناصحين تارة, والابرياء تارة اخرى,. او تظاهروا بالاقلاع عن تلك العادة الدميمة. فالإناء سيظل دائما ينضح بما فيه, والطبع يغلب التطبع على كل حال. ... وذاك (المرابي) بصورته المقيتة, وسلوكه البشع الذي جعل منه مثالا لمخلوق ادمي قد تجرد من كل صفات الانسانية. كيف لا والحياة قد اصبحت لا تزين له ولا تكتمل فيها سعادته الا تحت انات المعوزين, وصرخات المعدمين التي يراها وسيلته الوحيدة لكي يزيد من ثروته, ويروي اظماءه الذي لا يكاد ينتهي للاصفر البراق معدنا, وبالاخضر, او الاحمر اللماع ورقا. لقد رمى هذا البعض من الرفاق بكل تعاليم السماء التي تحرم الربا وتتوعد متعامليه بأشد العقاب الاخروي بعيدا, وكونوا بدلا منها فلسفاتهم الخاصة التي لا تجدها تصمد امام اي منطق او حس سوي ناهيك عن التعاليم الإلهية. ... وهذا (المنافق) بصفاته المعروفة من كذب حديث, وخلف وعد, وفجر مخاصمة, وغدر عهد, ومع ذلك فهو ماض في طريقه غير عابه بما ينتظره من عذاب دنيا وآخرة. بل ولعل الادهى والامر هنا ان نجد هذا البعض وهو يحاول جاهدا ان يضفي ابعادا (اجتماعية) بل واخلاقية على سلوكياته آملا ان يعطيها بعضا من (شرعية اجتماعية), او لنقل (قبولا اجتماعيا) من خلال دعاوى واهية لا تملك حتى ابسط مقومات الحس الاجتماعي السوي. الى هنا دعنا - عزيز القارىء - نفترق مع وعد بلقاء قادم نستكمل فيه حديثنا عن بعض انماط سلوك رفقاء رحلة هذه الحياة. فإلى ان نلتقي دعوات من الاعماق ان يحسن الله عز وجل رفقتنا. وعلى الحب نلتقي.