في أمسية قيمة حضرتها للمدرب العالمي ابراهيم الفقي اعجبتني عبارة قالها (العقل البشري يدعمك دائما فإذا كنت سعيدا سيدعمك ، وإذا اخترت أن تكون تعيسا سيدعمك) وعندما ننظر مليا لذاك الصندوق العجيب في أدمغتنا البشرية ، ذاك الصندوق الذي يفرز أفكارنا التي تترجم ردود أفعالنا تجاه أي موقف أو تحد في الحياة تصيبنا الدهشة لمدى أهمية هذا الصندوق وتأثيره في كيان وشخصية أي منا . فكل مانفكر به عادة يصوغ أفعالنا وبالتالي خطواتنا وتفاعلنا مع ماتهبه الحياة لنا من مختلف الصعوبات والمواقف التي تتطلب منا قرارات نتفوه بها ذهنيا فتترجمها تصرفاتنا التي يقيمنا على أساسها من حولنا. وقد تنبه كثير من المهتمين بشئون المجتمع إلى أهمية هذه القضية فذهب بهم العلم لطرق كل الأبواب العلمية الممكنة التي تتيح للفرد أن يرقى بذاته ويفهمها ويسعى لمواءمتها مع الواقع وتحديات العصر . فانتشرت لدينا كثير من الدورات التي تهتم بالطاقة البشرية وبرمجة الذات والعقل وإدارة الوقت والتخطيط للحياة وغيرها من الدورات التي بالفعل تعين الانسان على استيعاب كل الضغوط من حوله وبرمجة سلوكه ليستطيع مواجهتها بأفضل الطرق . المميز في هذه الدورات أنها تتعامل مع الواقع بأسلوبه وليس بأي أسلوب تقليدي فتخلط القصة بالطرفة والمفهوم بواقع النفس البشرية أي أنها لاتتعامل معها بشكل مجرد بل بكل مافيها من تناقضات .وهنا تظهر روعة هذه العلوم حيث أنها تحقق المتعة والراحة مع الفائدة العظيمة. لكن تبقى المشكلة الوحيدة في هذا الطموح الكبير لتطوير الانسان هي المادة . وأعني بها كلفة تلك الدورات العالية التي تفوق قدرة الانسان العادي ذي الدخل المحدود مما يتسبب في حرمان الكثير ممن لديهم الرغبة الحقيقية في حضور مثل هذه الدورات . أرقني هذا الموضوع كثيرا إذ أرى حاجة الشباب لمثل هذه الدورات القيمة خاصة في وقت نواجه فيه تخبطا لبعضهم وانسياقا مع أفكار مغلوطة تدفعهم لايذاء أنفسهم وايذاء الآخرين. وليس هناك تحد أكبر من هذا في وقتنا الحالي إذا أن جهودنا الرئيسية لابد أن توجه نحو هؤلاء الشباب وإن كنا لانعني بذلك حرمان فئات المجتمع الأخرى من ذات الفرصة . إذ اننا لابد أن ندرك ان الزمن قد تغير ولم تعد الحال كما كانت وبتفشي مشاكل اجتماعية كثيرة تعتبر البطالة على رأسها أصبح لابد من استيعاب تحديات المستقبل التي هي أكثر مايشغل فكر الشباب . من ذاك الباب أحببت أن أضع اقتراحي على منضدة سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد لماعرف عنه من اهتمام كبير بقضايا المجتمع .. وأتساءل ألايمكن أن نفكر سويا في إيجاد وسيلة تمكن الراغبين في حضور مثل هذه الدورات المهمة ( بالأخص أصحاب الدخل المحدود) التي قد تصل كلفة بعضها إلى العشرة آلاف ريال؟ ألا يمكن أن نجد حلا نعلم جميعا أن فائدته القصوى ستعود إلينا ؟ ألا توجد خطة قريبة وبعيدة المدى قد توضع في الحسبان من أجل هؤلاء ، مؤسسة على سبيل المثال تعنى بهذا الموضوع وتوليه أهمية خاصة لنصل لهدف لامحدود من تطوير الذوات البشرية بوسائل علمية غير تقليدية ومناسبة لتطورات العصر ؟ ان فالهدف السامي الذي نسعى إليه يمكن تحقيقه بمنتهى العقل والوعي إذا أدركنا أهمية جانب التدريب والتطوير في تشكيل الشخصية الانسانية ودفعها لتكون فاعلة ومنتجة في المجتمع. لذا باسم كل من يتمنى حضور هذه الدورات التطويرية ولا يستطيع لارتفاع تكاليفها ، أوجه دعوة لسمو الأمير عبدالعزيز بن فهد لدراسة هذا الموضوع ، وأتمنى أن نجد سويا صياغة منطقية وواقعية لهذا الاقتراح وفي أقرب وقت فالعالم يتقدمنا بآلاف الخطوات ونحن بحاجة للحاق بهذا الركب . لم يعد هناك وقت لنعطي السنوات الطويلة والاستراتيجيات التخطيطية المملة المساحة لتحرمنا من الانفتاح العلمي المدروس والذي يمكن أن يتناول احتياجاتنا من خلال أساتذة ومدربين أنفقوا الكثير من الوقت والجهد لتعلم هذه المهارات ومن حقنا أن ننهل من علمهم وخبراتهم ، فلنفكر ونعمل سويا فإننا بحاجة الآن لصناعة الشخصية الواعية التي تستطيع أن تواجه بكل اقتدار تحديات الحياة قبل أي شيء آخر . لؤلؤة: اينما يذهب العقل تذهب الطاقة ومن ثم النتائج فوجه عقلك لما يدفعك للأمام حتى تستجيب طاقتك لذلك فتتغير بالتالي حياتك. ( د/ابراهيم الفقي )