مع تجدّد انقطاعات الكهرباء، والحديث أيضاً عن أزمة مياهٍ مُرتقبة، ومع الشغف الجديد بتقديس الاستثمار والمستثمرين، تراود الخاطر مخاوف من أنء يتحوّل الاهتمام الرسميّ، على هذا الصعيد، إلى المشاريع الاستثماريّة الكبرى، ومديريها وكبار العاملين فيها، وتحتلّ هي المرتبة الأولى الحاسمة في التزويد بالكهرباء والماء، في مواقع العمل وفي المنازل، فيما يُهمَل عامّة الناس من الفقراء والمساكين، ولا يكون تزويدهم بالكهرباء والماء سوى ترف إنء حصلَ حصلَ وإنء لم يحصل فلا مشكلة. إنّ توفير الكهرباء والماء، على نحو كاف، لقطاع الاستثمار شيء ضروريّ، ولا مراء في ذلك، فالبلاد التي على طاولات المسئولين فيها خطط تنمية متخمة، وفي مُخيّلاتهم أحلام كبيرة وآمال، يجب أن توفر للاستثمار شروطه وبيئته الصالحة والمُنتجة، ليس فقط على صعيد الكهرباء والماء، ولكنء أيضاً على كلّ صعيد، بما في ذلك تحرير الاستثمار من الضغوط والطلبيات، الظاهر منها والخفيّ، وها هنا تشمخ إمارة دبي اليوم مَعءلَماً يهدي في هذا السبيل، لمَنء يريد فعلاً جذب الاستثمارات، وبناء بيئتها الصحيحة، بصرف النظر هاهنا عن السلبيّات المُصاحِبة. لكنء التركيزُ على توفير الماء والكهرباء للمُستثمرين، والتهاون مع عامّة الناس من الفقراء والمساكين، فلو كنا قبل ستين سنة أو خمسين لقلنا إنّ الكهرباء والماء سلعة كماليّة، أو أنها ترف، ولكنء نحن الآن في القرن الأول بعد العشرين، وإنّ انقطاع الماء أو الكهرباء، ولو مدّة نصف ساعة، يصنع الكثير من المأساة في كلّ بيت ودكّان. فلءيُلتفت إلى قطاع الاستثمار، وليُكرم على أحسن ما يكون الكرم، ولكنء من غير اقتطاع للماء والكهرباء من المنازل والدكاكين، ومن المناطق المُهمّشة والفقيرة، ومناطق الطبقة الوسطى (وهي في الواقع طبقة وسطى بالاسم لأنها في أغلبيتها تلامس اليوم خطوط الفقر ولا تكاد تعيش). كاتب بحريني