من دون أية رقابة، تُمارس إمبراطورية نسلتي انطلاقا من مدينة فوفي السويسرية سلطَتها على حياة مئات آلاف الأشخاص، إن لم يكن ملايين الأشخاص. كيف تكونت هذه السلطة؟ وكيف تُمارَس؟ وما انعكاساتها؟ هذا ما نُحاول فهمه من أجل التحرك بهدف إيجاد بديل عادل وديمقراطي. هذه هي أبرز الانطباعات والتساؤلات التي دفعت مجموعة من المنظمات السويسرية والدولية النشيطة في مجال مناهضة العولمة والبحث عن بدائل لها ودعم دول العالم الثالث، لتنظيم أول منتدى مُناهض للمجموعة المتعددة الجنسيات العملاقة للمأكولات والمشروبات والأغذية الصحية نستلي. ومن أبرز المنظمين جمعية أتاك السويسرية، ومنظمة إعلان برن، ومنظمة السلام الأخضر، واتحاد النقابات في كانتون فو، واللجنة الدولية للعقد العالمي للمياه.المنتدى اقيم في مدينة فوفي التي تأوي المقر الرئيسي ل نستلي، أكثر من 350 شخصا من سويسرا والخارج حضروا جلسات نقاش وحلقات دراسية حول عمل الشركات متعددة الجنسيات من خلال تسليط الضوء على مثال نستلي، أول مجموعة غذائية في العالم.وقدم المنتدى هذه المجموعة كنموذج نمطي للشركات الدولية التي تقوم على مبدأ الربح غاية تُبرر الوسيلة، فيما تتجاهل حقوق المأجورين واحترام الإنسان والبيئة وأخلاقيات التجارة. وظهرت نستلي من خلال المداخلات كمافيا خطيرة، حيث تم اتهامها - استنادا إلى عدد هام من الشهادات - باستغلال النزاعات المُسلحة في مناطق دول العالم الثالث، وبتورطها في عمليات اختطاف أو حتى قتل الناشطين في النقابات العمالية الذين يحاولون الكشف عن ممارسات نستلي والدفاع عن حقوقهم، خاصة فيما يتعلق بإلغاء اتفاقيات العمل الجماعية وخفض الأجور وعمليات غير عادلة لطرد العمال. هذا فضلا عما وُصف بتجاهلها وترفعها عن جملة من القوانين الدولية في مجال التجارة وحماية المُستهلك.وخلال الساعات العشر التي استغرقها النقاش، انكب المشاركون على مُمارسات نستلي التي شبهوها بالنهب في مجالات المياه والزراعة والصناعة الغذائية وتعاملاتها مع المأجورين. وأعرب الحاضرون عن قناعتهم بأن هذه الممارسات، الشبيهة بما تُقدم عليه شركات دولية أخرى منافسة لها أو متواطئة معها، لها انعكاسات خطيرة على ملايين الأشخاص.ووردت في البيان الختامي للمنتدى جملة من التساؤلات من أبرزها: لمَ لا تستغني مجموعة نستلي، التي تدّعي بأنها من المحافظين على البيئة، عن قنينات المياه البلاستيكية التي تشكل خطرا على البيئة؟ ولم لم تطور مشاريع لإعادة استعمال عبوات البلاستك؟وقدم المشاركون وثائق مستفيضة عن الخسائر الجسيمة التي يتسبب فيها الاستغلال المبالغ فيه لنستلي للمياه المعدنية في الولاياتالمتحدة والبرازيل، متسائلين: هل ستواصل هذه المجموعة تطوير رقم مبيعاتها في مجال المياه المعدنية في قنينات البلاستيك مع ارتداء قناع النضال من أجل حماية البيئة؟.على صعيد آخر، ذكر المنتدى في بيانه الختامي أن الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية اعتمدت منذ 25 عاما القانون الدولي للمتاجرة بالمواد البديلة عن حليب الأم. وفي عام 2002، تبنت المنظمة الاستراتيجية العالمية لتغذية الرضيع والطفل التي تحدد مادتُها رقم 40 بوضوح مسئوليات وواجبات صانعي وموزعي الأغذية الخاصة بالرضع والأطفال.وعلى جميع الدول والشركات تطبيق القوانين المتعلقة بهذا النوع من الأغذية الذي يشمل كافة المواد البديلة عن حليب الأم وليس فقط الحليب الاصطناعي المُجفف. وتساءل الإعلان الختامي في هذا المجال أيضا لم لا تحترم نستلي إلى اليوم هذه القوانين وعددا من القرارات التي تبتنها منظمة الصحة العالمية؟.من جهة أخرى، أشار البيان إلى أن نستلي تلتزم بالقدر الأدنى من التشريعات الوطنية ولا تمنح لسكان الدول النامية - على خلاف أبناء الدول المتقدمة - الحق في معرفة ما إذا كانت المنتجات الغذائية التي تسوقها نستلي في بلدانهم تحتوي على عناصر محورة جينيا. وفي هذا السياق يتساءل البيان: كيف يمكن تبرير هذا التمييز؟وفيما يتعلق بالعنف الذي تمارسه مجموعات شبه عسكرية في عدد من دول الجنوب والتي تشكل تهديدا على العاملين خاصة المنخرطين في النقابات وحركات المُزارعين، ترفض نستلي الاتهامات التي مفادها أنها تستعمل مثل هذه المجموعات لفائدتها. وفي هذا الإطار يطرح البيان الختامي السؤال التالي: "كيف يمكن تفسير عدم إدانة نستلي رسميا للتهديدات والعنف الذي تمارسه الجماعات شبه المسلحة في كولومبيا على المأجورين لديها (نستلي)؟ويشير البيان إلى أن نستلي حققت في عام 2003 أرباحا صافية بلغت 6 مليارات فرنك سويسري، وأنها تعتزم توفير 6 مليارات أخرى بحلول عام 2006. وسيتم توفير هذا المبلغ الضخم، حسب المشاركين في المنتدى، بفضل إلغاء آلاف مواطن العمل من بينها قرابة 1500 في فرنسا. وقد بدأت تظهر الملامح الأولى لهذا المخطط بإغلاق مصنع سانت ميني بمارسيليا.ويستند الإعلان الختامي أيضا إلى أمثلة لممارسات نستلي في روسيا وكوريا وكولومبيا، والتي توضح السياسة المتكررة للمجموعة العملاقة ضد النقابات وحقوق المأجورين.وأخيرا يتساءل البيان: هل من الطبيعي أن تُفرض الخيارات التي تُُقرَّر في فوفي (Vevey)على مئات ملايين الأشخاص في العالم، وأن تزن أكثر من القرارات التي تُتخذ بصفة ديمقراطية من قبل دول تتمتع بسيادتها؟ومساندوها في سويسرا والخارج على زعزعة إمبراطورية نستلي التي حرصت على أن تكون من بين السباقين إلى دعم الميثاق العالمي الذي اقترحه الأمين العام للأمم المتحدة في عام 1999؟ وجدير بالذكر هنا أن هذا الميثاق الذي تفخر نستلي باعتماده يهدف إلى إلزام المؤسسات الخاصة باحترام المعايير الخلقية في معاملاتها والمساهمة في التنمية المستديمة ومحاربة الفقر. لكن كل الاتهامات الموجهة لهذه الامبراطورية تصب في خانة المعايير التي التزمت باحترامها.