هذه المفردة (اتمعنى) من المفردات الخاصة باللهجة العراقية، والتي لن تجدها في اي لهجة عربية اخرى. وهي لما فيها من كثرة المعنى، تحتاج الى الشرح لأي مستمع لها غير عراقي. هناك اغنية عراقية قديمة لفرقة الانشاد بعنوان (خدري الشاي خدريه) وهي من أعذب الاغنيات العراقية.. اريد منك ان تسمع منها هذا البيت: (احلف ما أخدره ولا أقعد قباله إلا يجي المحبوب واتمعنى بجماله) سوف يقربك هذا البيت من فهم مفردة (اتمعنى) اذ يمكن ان تفهم منها ان معناها مأخوذ من التمعن، وهو اطالة النظر الى المحبوب. ويمكن ان تفهم منها حصول المعنى لتخدير الشاي والجلوس امامه في حضور المحبوب الذي يزرع المعنى في الاشياء. لكن هناك احتمالا ثالثا استمده من تعبير للسيدة الناقدة الروائية الكبيرة اسيمة درويش، وهو قولها: (تحرير المعنى). لقد وقف ادونيس على هذا التعبير باعجاب في كتابه (موسيقى الحوت الازرق) قائلا: (تحريره اي المعنى من السياقات، وهو تحرير يتيح توليد معان جديدة تنبجس منها صور جديدة للانسان في علاقاته بالاخر وبالكون واشيائه). بعد هذا الاستطراد القصير الذي اريد منه القاء الضوء على مدخلي الى الاحتمال الثالث وهو: ان معنى اتمعنى يخص العاشقة نفسها التي تقول او تغني البيت. فهي لا تجد لها معنى الا حين يجيء المحبوب. عند ذلك فقط يصبح لها معنى، يصبح لها حضور في الحياة، تصبح انثى محملة بعناقيد العشق. كل هذه الاحتمالات الثلاثة موجودة في هذه المفردة (اتمعنى) ومن الغريب ان تكون مفردة واحدة زاخرة بمعان عديدة، بل هي تبقي الباب مشرعا امام احتمالات جديدة، ذلك لان السياق اي سياق الجمل هو الذي يعطي اكثر من معنى حسب عمق القارىء ورهافة ذوقه. اما ان تقوم مفردة واحدة بما يقوم به السياق فهذا من الغرابة بمكان. لكل لهجة عربية مفرداتها الخاصة، ولكني اجد ان اللهجة المصرية وبعدها العراقية الاكثر ثروة والابلغ تعبيرا والاشد حرارة وصقلا. هل توافقني؟ عمرك ما وافقت