فتح الدكتور صالح صناديق البريد الإلكترونية خاصته. طالع بعض الرسائل فاستوقفه عنوان لأحدها "وظيفة شاغرة - مساعد محامي "، فتحها وقرأ مواصفات الموظف المطلوب، كانت زهيدة أمام مؤهلاته الفعلية، نقر على الرابط الموجود في أسفل الصفحة فانفتحت نافذة لموقع آخر لشركة متعددة الجنسيات، ثم تفرع منها إلى قسم إدارة الشؤون القانونية وهي الجهة المعنية بالوظيفة الشاغرة. قدم خلال تسجيله طلب الوظيفة صورة عن وثيقة الدكتوراة في العولمة الاقتصادية وأخرى عن شهادة الدكتوراة في العولمة القانونية، وماجستير في النانوتكنولوجي، وبكالوريوس في الهندسة الوراثية، وشهادة خبرة لثلاث سنوات من الشركة العالمية لسياحة الفضاء في وظيفة مُعد للميزانيات التقديرية المعنية برحلات السائحين لكوكبي الزهرة والمريخ، وختم تسجيله الإلكتروني برسالة جاء فيها : " سأدع شهاداتي العلمية والعملية المرفقة تتحدث عن إمكانياتي العقلية والعلمية، وأرغب، هنا، في أن أشير إلى معاناتي اليومية منذ سنة ونيف في البحث عن عمل يساعدني على سد احتياجاتي الإنسانية فقط، فقد تسابقت على 1361 وظيفة عبر الهاتف المصور، وحاولت في 2003 مسابقة وظيفة بالإنترنت المصور والحي والمسموع، ولكن دون جدوى، وأمنيتي الكبرى أن أفوز بالوظيفة المعروضة وعلى استعداد تام للخضوع للامتحانات المطلوبة... صديقكم الإنسان : صالح. في 21/09/2025م ". بعثها واسترخى قليلاً حتى صدر رنين من جهاز الكمبيوتر، أقترب وقرأ في أسفل الشاشة بأن هناك من يطلب محاورته، فوجده من ذات الشركة واسمه صادق ويقول : * استلمت رسالتك، فإن كنت قريباً أجبني : لماذا لم تتزوج وعمرك 40 سنة ؟ لم يفكر طويلاً، فكتب : * الاستقرار الوظيفي أولاً، وأنتم كشركة أمريكية عالمية تقدرون ذلك. * شبكة المعلومات لدينا رشحتك للوظيفة، وأنت المرشح رقم 10691 في الفرز الأولي، وبعد هذا الحوار ستدخل عملية الفرز الثانية، وطبيعة العمل هي إعداد مذكرات الترافع للمحامين القانونيين في الشركة، فهل لديك خبرة واضحة في هذا المجال ؟ * نعم وإليك بملف مرفق يثبت الخبرة، وصورة من المذكرات التي أعددتها خلال تجربتي العملية. ضغط على أزرار قليلة وبعث الملف على الفور. * شكراً، استلمت الملف، وستقوم شبكة المعلومات لدينا بعملية فرز المرشحين الآن. بعد ثوان عاد رنين الكمبيوتر يطلبه للحوار، لاحظ صالح أن المحاور هذه المرة اسمه خالد وقد كتب له: * أصبحت الآن المرشح رقم 610، وكي تتمكن من دخول عملية الفرز الثالثة، أجب على السؤالين التاليين : الأول : ما اللغات الحية التي تجيدها في القراءة والكتابة والمحادثة ؟ الثاني : ما العلاقة بين علمي النانو تكنولوجي والهندسة الوراثية ؟ وببداهة كتب : * الإجابة الأولى : أجيد اللغة الإنجليزية والعربية والفرنسية والألمانية والصينية. الإجابة الثانية : إنهما علمان يكملان، مع علم ثالث وهو علم الكمبيوتر، في تكوين علم "تكنولوجيا الصغائر". وستجد في الملف الإلكتروني المرفق شهاداتي للجواب الأول وبحوثي الخاصة بالجواب الثاني. ثم نقر على أقيونة جانبية في الجهاز وبعث الملف، فاستلم على الفور من الشركة ملاحظة تقول: "نشكر جاهزيتك ونقدر سرعتك، وسنتواصل معك بعد قليل، انتظرنا". لحظات وجاء الرنين مرة أخرى، وكان طالب الحوار دانيال صبحي والذي كتب : * مرحباً. مبروك. أنت المرشح رقم 212. هل يمكنك تشغيل أجهزة السمعبصرية لديك الآن ؟ شغلها الدكتور صالح، بعد لحظات قصيرة جداً صار كلاً منهما يشاهد ويسمع الآخر. فقال دانيال : * أنا مدير الشؤون القانونية. ابتسم ثم تابع... صورتك الحقيقية أفضل من المتوفرة عنك في قاعدة بياناتنا. * شكراً. * سوف أحاورك بجميع اللغات التي ذكرت بأنك تجيدها وفي مواضيع مختلفة. فتحاورا عن القانون الدولي باللغة الإنجليزية، وبالفرنسية حول علم الحضارات، وعن العلوم الإنسانية باللغة الألمانية، وبالصينية حول الاقتصاد والتجارة. ثم قال دانيال : * مبروك مرة أخرى، أصبحت المرشح رقم 11، وسيقوم الأستاذ مايكل وضاح، وهو مدير التوظيف في الشركة، بعد 33 دقيقة من الآن، بالامتحان الإشعاعي. لذا قم بإعداد الكرسي الإلكتروني المرتبط بالإنترنت وثبت وجهتك على القمر الصناعي رقم 365 الخاص بالشركة. * أشكرك أستاذ دانيال، وسأكون في الوقت المحدد جاهزاً للاختبار. أعد الدكتور كل شيء، وفي الدقيقة المقررة كان جالساً على الكرسي والاستاذ مايكل يشاهده ويسأله : * كم لاصق إشعاعي يحتويه كرسيك الإلكتروني ؟ * عشرة سلكية وواحد لاسلكي. * ممتاز. الصق ثلاثة منها على صدرك وثلاثة على الرأس وواحد على ظهر الكف اليمنى وأخر على كف اليد اليسرى، وضع اللاصق اللاسلكي تحت اللسان، وتأكد بألا يحدث انفصام لأي واحدة منها. * كل اللواصق مثبتة الآن، ومؤشر القمر الصناعي الذي أمامي يؤكد ذلك. * أنت تعلم أن هذا الفحص أمر روتيني تقوم به الشركات العالمية، حسب أوامر المجلس العالمي للأمم المتحدة، لمعرفة حجم المعلومات في العقل البشري، ونسبة المقاربة بين قاعدة البيانات المتوافرة عن الموظف والمعلومات الحقيقية التي يمتلكها في مخه، ولكشف حجم الطاقات الإنسانية لديه وقدراته التي يمكن استثمارها مستقبلاً. وأنا أعتقد أن إمكانيات الإنسان أكبر مما تُخبرنا به هذه الأجهزة الصماء. * اشاطرك الرأي استاذ مايكل. * دقائق قصيرة وينتهي الفحص. قال مايكل بعد انتهاء الأمر : * نسبتك في اجتياز الفحص 91%، وبذلك تكون المرشح رقم 3 مبروك. وأنا بانتظارك غداً عند الساعة الرابعة صباحاً في مبنى الشركة في الطابق الخامس عشر تحت الأرض لعرضك على جهاز المسبار "ميزان الإرهاب". * إذن إلى اللقاء غداً. في اليوم التالي استقبله الأستاذ مايكل الذي رافقه إلى غرفة مكتوب عليها بعدة لغات "غرفة ميزان الإرهاب"، دخلاها ثم أشار مايكل على الدكتور بالجلوس على مقعد خاص ومحاط بدائرة زجاجية تنغلق مباشرة عند جلوس الإنسان على المقعد، وهذا ما حدث للدكتور. خاطبه مايكل : * سينزل من السقف الزجاجي جهاز كخوذة الرأس فأدخل رأسك فيه، وادخل أصابع يديك في جهازين سيبرزان من جانبي المقعد الآن. نفذ الدكتور الأمر. وجلس مايكل خلف شاشة إلكترونية مسطحة ذات الوان أربعة، اللون الأحمر يُظهر وضع الدكتور المالي لدى بنوك العالم والوزارات في الدولة والتزامه في دفع الضرائب ومديونياته في كل مكان. اللون الأصفر عن سجله الصحي ونسبة تواجد الأمراض العالمية في دمه. و اللون الأزرق عن ارتباطاته السياسية ونشاطاته الاجتماعية والعلمية والثقافية. واللون الأبيض عن شخصيته ومحيطه العائلي والاجتماعي. بعد برهة اضيئت الأنوار وخرج الدكتور صالح مستبشراً حيث قال له مايكل: * يحق لك أن تكون المرشح رقم 2 وبجدارة... ثم تابع : تعال معي. انتقلا إلى الطابق التاسع بعد المائتين فوق الأرض، ثم دخلا غرفة واسعة، فقام مايكل بتعريف الدكتور على الموظفين الخمسة العاملين في الغرفة وقال : * ستكون زميلاً لهؤلاء، وأشار بيده إليهم. لذلك سيجلس كل واحد منهم معك لمدة نصف ساعة حتى يرفعوا للشركة توقعاتهم عن إمكانية تأقلمهم معك في العمل. قابلهم الدكتور جميعاً، وأجاب على كل استفساراتهم وشاركهم مرحهم بتحفظ. الخامس منهم كان يعشق علم الرياضيات والأرقام ويتفاخر بذلك، فسأل الدكتور قائلاً : * كم عدد سكان مدينتنا زحمتستان ؟ أجابه الدكتور بلا تردد : * كانوا يوم أمس 25000115 نسمة، وحيث ان الزيادة اليومية بنسبة 0.033% وبعد أن نطرح نسبة الوفيات اليومية وهي 0.010% يكون عددهم اليوم 25005865 ومعنى ذلك أن لدينا خمسة مواليد في كل دقيقة في زحمتستان. قدم الموظفون تقديراتهم بإعجاب بالدكتور صالح. فقال مايكل : * سأعرض جميع النتائج غداً على السيد جاكوب لوبيز، وانتظر اتصالي بك غداً. مضى اليوم اللاحق دون اتصال من الأستاذ مايكل، بينما الدكتور صالح يعد الدقائق. وعند منتصف الليل وردت رسالة إلكترونية من مايكل يخاطب الدكتور فيها: "عرضت ملفك على المدير العام، فانبهر بك، وكانت لديه رغبة شديدة في التعرف عليك، ولكن حدث أمر مألوف في هذه الأيام، اتصل به أحد المساهمين الكبار في الشركة وطلب تعيين زوج ابنته في الوظيفة التي كنت أنت المرشح الأول لها، فلم يستطيع مديرنا رفض الطلب، وقد تم تعيينه فيها. وحظ سعيد في وظيفة أخرى....، مايكل" @ القصة الفائزة بالمركز الاول في مسابقة القصة بنادي تبوك لعام 1424ه