مؤلم ان يجد الانسان في احدى زوايا الكون المظلمة بعد ان كان في منصة الشرف تلاحقه الاضواء... وتصفق له الاكف.. مؤلم ان تتغير النفوس ويهرب او يتهرب الاصدقاء وتغيب الشمس التي كانت تسلط اشعتها نورا ودفئا عليه... ومؤلم ان يبحر المرء وحيدا يصارع الامواج غريبا بين اهله دخيلا على البيت الذي احبه وعشقه وضحى لاجله. مؤلم امر هذه الحياة او لنقل بعض من يعيش فيها ممن يتغيرون.. يتلونون.. وينسون من ابدعوا ومن زرعوا الامل ومن ضحوا. (الميدان) اختار ان يسلك الطريق الوعر المليء بالمطبات ليخترق جدار الصمت الذي احاط بعدد من نجوم الرياضة ليخرجهم من حالة الانزواء التي يعيشون فيها ليسردوا للجماهير معاناتهم واسباب ابتعادهم عن الساحة الرياضية. ضيفنا اليوم هو الحكم فهد الشمري الذي فتح قلبه ل(الميدان): @ في البداية عرفنا على بدايتك الرياضية وكيف التحقت بمجال التحكيم؟ بدايتي كانت في فريق نادي الغوطة بمدينة موقق القريبة من حائل وتدرجت من درجة الشباب الى الاولى ثم اعتزلت اللعب والتحقت بدورة التحكيم ثم تدرجت حتى وصلت الى الدرجة الاولى وقد اعاقت مواصلتي مشواري التحكيمي بعض الظروف القاهرة التي غيرت مجرى حياتي كلها. @ ماهذه الظروف؟ قدر الله علي وعلى والدتي ونحن راضون بما قسم الله لنا فقد اصيبت والدتي بتليف في الكبد وبلهارسيا منذ 5 سنوات تقريبا وقد عرضتها على عدة اطباء في حائل والرياض وجدة في المستشفيات الحكومية واخرى خاصة ثم اتجهت الى بعض الدول العربية المجاورة حيث ذهبت بها الى الاردن ومصر وقد حملتني هذه السفرات ديونا لايعلمها الا الله. @ لماذا ذهبت الى هذه الدول ولم تكتف بعلاجها في المملكة؟ هذه والدتي التي ربتني منذ صغري ولها علي حقوق لا يمكن ايفاؤها مهما عملت واعتبر انني لم احقق طموحي تجاهها حتى الآن فبرها واجب تشرفت به واتمنى ان يعينني الله على ذلك. @ كيف تحملت كل هذه الديون؟ بعدما شاهدت حالة الوالدة شفاها الله لم استطع الصبر فاقترضت من كل الاقارب والمعارف وكلما اتجهت الى جهة اقترضت لمصاريف السفر والعلاج ثم بعد ذلك اتجهت لمعارض السيارات واخذت سيارات بالتقسيط بكفالة بعض الاصدقاء والاقارب وصرفت قيمتها على والدتي. كما اتجهت لبعض البنوك ايضا وهذا زاد الدين علي ولم استطع الايفاء بمستحقات الناس مما جعلهم يطاردونني في كل مكان اذهب اليه حتى في مقر عملي مما جعلني لا استقر في مكان فحاولت الاختفاء عن اعين الدائنين والهروب منهم حتى تم فصلي من عملي في البريد فقد كنت على المرتبة الثالثة واستلم اكثر من اربعة الاف ريال ولكني خسرت كل شيء. @ حدثنا عن تلك الفترة العصيبة؟ كما قلت قبل قليل كثرة ملاحقة الدائنين جعلتني اتهرب عن الناس فكل يوم اجد احدهم يحمل امر قبض علي من الشرطة او الحقوق المدنية وهذا احرجني امام زملائي والمراجعين حتى كرهت العمل لانه اصبح مكان مطاردة وقد اجبرت على التخفي والتفكير في الهرب من الدائنين الذين حاصروني بشكل مزعج ولم يكن لي حيلة امام اوامر القبض الرسمية التي يحملونها فضاقت بي الدنيا حتى فصلت واصبحت جالسا في المنزل عالة على زوجتي وابنائي بدلا من ان اعولهم. @ كيف كانت حياتك ومن الذي ساعدك في محنتك؟ ادين بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى لزوجتي واهلها وازواج اخواتي الذين ساعدوني بشكل لا يتصور فقد وصلت لمرحلة لا اجد فيها ريالا واحدا اشتري به خبزا لابنائي ومصيبة على الرجل ان يشعر بانه عاجز عن القيام بواجباته الاسرية فقد كنت اتقطع من الداخل واحاول ان اخفي همي ومصيبتي عن اقرب الناس لي حتى لا اكون في موقف محرج لي ولهم في نفس الوقت. وقد بقيت مدة سنتين دون عمل اعيش منه انا وافراد اسرتي الكبيرة وعددهم 15 فردا الا على احسان اهل الخير. @ من تعول غير ابنائك؟ كما قلت اسرتي كبيرة فهناك والدي ووالدتي وزوجتي و6 ابناء و6 اشقاء انا العائل الوحيد لهم وهذا حمل كبير يعجز عنه من يكون دخله ضعف دخلي قبل الفصل فما بالك بعد الفصل وجلوسي عاطلا عن العمل. @ هل اثرت الديون على تحصيل ابنائك دراسيا؟ نعم بكل تأكيد فظروفنا المادية حطمت ابنائي وبناتي نفسيا وهم يرون غيرهم في وضع افضل منهم حتى انهم يخجلون عند ركوبهم معي كون السيارة قديمة جدا وهناك بعض زملائهم يعايرونهم بوضعنا المادي مما سبب لهم حالة نفسية وكرهوا الذهاب للمدرسة حتى لا يتعرضوا لنظرات البعض وهذا بالطبع يضايقني ولكن ماذا افعل؟ @ والآن ماذا تعمل؟ بحمد الله عدت الى عملي في البريد قبل سنتين تقريبا ولكن على بند الاجور براتب زهيد قدره 2400 ريال فقد خسرت نصف راتبي تقريبا وهذا مما زاد من اعبائي المالية. @ وبعد عودتك للعمل هل ما زلت تلاقي نفس مشكلة المطاردة من الدائنين. نعم ما زالت نفس المشكلة تهددني بترك العمل. @ ما اصعب المواقف التي مرت بك؟ المواقف الصعبة والمحرجة شبه يومية فأجد اكثرهم يرفع صوته وسط الزملاء والمراجعين ويتهمني بالكذب والغش والخداع وتجد احدهم يقول: (انت ما تستحي) او (انت اكلت حقوقنا) وهذا صعب علي تحمله فيما قام احدهم بتهديدي بالقتل. @ هددك بالقتل!! لماذا لم تشكه؟ نعم هددني بمسدس ولكن لم اشتك عليه ليقيني بانه صاحب حق ويطالب بماله وقد قدرت حالته في تلك اللحظة. @ وكيف تجاوزت هذه المرحلة؟ وعدته بالسداد وطلبت منه مهلة فاعطاني يوما واحدا وقد وقفت بجانبي زوجتي مثل كل مرة وقد باعت مالديها من ذهب وسددنا دينه وكفانا الله شره. @ وكم كان المبلغ؟ 5 آلاف ريال تقريبا. @ هل هناك مواقف اخرى؟ نعم كما قلت المواقف شبه يومية ومنها في احدى المرات اخذ احدهم سيارتي وهي موديل 82 وبقيت في المنزل لا استطيع الذهاب لأي مكان وقد تبرع لي احد الاقارب بسيارة قديمة لديه لكنها تقضي حاجتي ومتطلباتي الأسرية. @ ألا توجد لكم املاك او مزارع تستفيد منها؟ لا, لا يوجد هناك سوى مزرعة صغيرة لوالدي فيها اكثر من عشرة شركاء ولا يمكن الاستفادة منها لانها صغيرة لا قيمة لها ولان هناك شركاء لا يوافقون على البيع. وهذا ما اصابني بالتوتر الشديد والدائم حتى اصبت بقرحة في المعدة ونزيف بالامعاء وقد اكد الاطباء ان النزيف الآن في تحسن والحمد لله. @ ألم تستفد من اعسار المساجين بالسداد؟ لا, فلم ابق بالسجن مدة طويلة وكان والدي واقاربي يتوسطون لي عند الدائنين لاطلاق سراحي تقديرا لظروفنا الاسرية التي يعلمونها جيدا كما ان الحياء يمنعني ان اطلب منهم المساعدة او ان يسدد عني كما يفعل البعض. @ ألم يساعدك زملاؤك الحكام في ظروفك المالية؟ وكيف هي علاقتك بهم؟ الحمد لله علاقتي بهم جميعا جيدة رغم انقطاعي منذ سنتين بسبب هذه الظروف ولم يساعدني منهم احد ولم اطلب منهم فهم يعرفون ظروفي ويمنعني الحياء ان اطلب منهم شيئاً، كما ان بعضهم يعاني هو الآخر ظروفا ربما تعيقه عن تقديم المساعدة. @ ألم يكن لهم دور في شرح معاناتك لدى المسؤولين لتجاوز هذه الظروف؟ لا لم يكن لهم اي دور في ذلك. @ هل انت عاتب عليهم؟ نعم عاتب عليهم كونهم زملاء مهنة وكان من المفترض ان اجدهم بجانبي وقت الضيق لانني اعتقد انه لو كان لدي قدرة وشاهدت احد زملائي في هذا الوضع لوقفت معه ماديا ومعنويا. وقد تفاجأ عندما تعلم ان احد زملائي الذين كنت اعول عليهم قد اودعني السجن ولم ينتظر كما انتظر غيره من بقية الدائنين. @ من تقصد؟ اقصد زميلي الحكم الدولي رئيس لجنة الحكام الفرعية بمنطقة حائل سابقا زيد المهنا. فقد اشتريت منه سيارة قديمة (نيسان) موديل 82 بمبلغ 17 الف ريال اقساط واتفقنا على ان يكون السداد من مستحقاتي من التحكيم المتأخرة وقد وافق على ذلك في بادىء الامر ولكن تأخر المكافآت جعله يغير ما اتفقنا عليه وطالبني بالسداد من غير مبلغ المكافآت فلم استطع وقد وكل شخصا اخر بمطالبتي بالمبلغ كاملا ولم يكن لدي اي شيء فطلبني للمحكمة واخذ علي صكا شرعيا وبعد مدة قبض علي في مقر عملي امام زملائي في موقف صعب ومحرج واودعت السجن بدين زميلي رئيس لجنة الحكام الذي كنت اظنه سيقف معي ويساعدني في ظروفي، حتى انه لم يسمح لي بمكالمة اهلي لابلاغهم فلم يعلموا عني شيئا لمدة يومين وهم في قلق ورعب خوفا علي وبعد يومين ذهبوا لمقر عملي فابلغهم زملائي بأنني قبض علي من قبل الشرطة ثم راجعوا الشرطة وعلموا انني موقوف وهذا من اصعب المواقف التي مرت علي مما اصاب الاهل خصوصا والدتي بالخوف. @ هل انت نادم على دخول مجال التحكيم؟ لا، لا، لا، ابدا ولم الندم بالعكس انا عاشق لهذا المجال وارى نفسي به فهو مجال يحقق طموح الانسان الذي يسعى للوصول للشهرة والاضواء وتحقيق الذات. @ هل حصلت على الشهرة والاضواء من خلال التحكيم؟ لا فما زلت في البداية في مجال التحكيم عموما و من سيواصل الجد والاجتهاد سيصل ان شاء الله في نهاية الامر الى تحقيق مراده. @ حدثنا عن بداية مشوارك في التحكيم ومن وقف معك وابرزك؟ هناك الكثيرون ممن ادين لهم بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى فهناك زيد المهنا وخلف البقعاوي وغيرهم حيث استفدت من خبرتهم ومن توجيهاتهم. @ هذا تناقض منك فقد لمت المهنا قبل قليل ثم تدين له بالفضل فسر لنا ذلك؟ لا ليس تناقضا ولكن هذا صدق وحقيقة فقد ذكرت ما مر علي. فالحقيقة المرة انني صدمت بتصرفه وسجني بسببه والحقيقة الاخرى انه وقف معي في البداية وساعدني ولا يمكن ان انكر ذلك ابدا. كما ان لومي له لاننا ابناء قرية واحدة تربطنا علاقات قوية وعادات اجتماعية كما انه لم يكن محتاجا ليضغط علي بهذا الشكل. @ ماذا تقترح ليكون حلا لمشكلتك وامثالك من المعسرين ومن لديهم مشاكل مادية؟ اقترح ان يكون هناك صندوق خاص بالحكام لمثل هذه الظروف القاهرة حتى يحفظ لهم كرامتهم وانسانيتهم ويعينهم على تجاوز مايواجهونه من مشاكل وظروف مادية وذلك باقتطاع جزء من مكافآت الحكام وكذلك فتح المجال لرجال الاعمال واهل الخير بالمساهمة في تمويل الصندوق. واناشد الرئيس العام لرعاية الشباب صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الامير نواف بن فيصل بتبني هذا الصندوق الخيري لما له من فائدة للجميع كما ان المطالبة به مستمرة في جميع وسائل الاعلام المختلفة. @ سبق ان نشرت مشكلتك هل وجدت تجاوبا من قبل المسؤولين؟ الحقيقة هذه فرصة طيبة لأقدم شكري وعرفاني لكل من وقف معي فقد غمرني صاحب السمو الملكي الامير هذلول بن عبدالعزيز حفظه الله بالتبرع لي بمبلغ 50 الف ريال بعد نشر موضوع عن ظروفي في جريدة (الجزيرة) واحب ان اشكر هنا محمد العبدي الذي منحني هذه الفرصة. كما تبرع لي صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد بمبلغ 30 الف ريال وصاحب السمو الملكي الامير نواف بن فيصل ب 10 الاف ريال ساهمت في تسديد جزء من الديون التي تراكمت علي وتصل الآن الى 240 الف ريال تقريبا. كما تفضل صاحب الايادي البيضاء صاحب السمو الملكي الامير عبدالعزيز بن فهد حفظه الله ورعاه بعد نشر معاناتي في جريدة (عالم الرياضة) بالتوجيه بعلاج والدتي في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض على نفقة سموه الكريم. كما تلقيت ببالغ الشكر والامتنان اتصالا من مكتب سموه الخاص بشأن سداد الدين كاملا الذي نشأ جراء بري بوالدتي ومحاولة علاجها. @ وماذا حدث بعد ذلك؟ اتصلت عدة مرات في مكتب سموه ولكن الرد كان ان علي الانتظار حتى يتم الاتصال بي وان الموضوع بين يدي سموه الكريم حفظه الله. وقد وعدت من لهم حقوق علي بان السداد سيكون قريبا ان شاء الله. @ ما رأيك في التحكيم حاليا وهل انت مع ام ضد الاستعانة بالحكام الاجانب؟ التحكيم السعودي بخير ولدينا حكام على مستوى عالمي ولكن ضغوط الاعلام تحد من النجاح المنتظر وتشكل عبئا ثقيل. وقد خفف الحكم الاجنبي رغم الاخطاء التي حدثت في المربع من هذا الضغط واصبح هناك تقبلا من الاداريين والجماهير لاخطاء الحكام التي كانت لا تغتفر سابقا مع الحكم السعودي. @ من افضل اللجان الرئيسية برأيك؟ اعتقد ان اللجنة الحالية برئاسة عمر الشقير من انجح اللجان فقد اعطت الفرصة لاكبر عدد من الحكام حتى اصبحت هناك قاعدة مما يبشر بمستقبل زاهر للتحكيم كما احب ان اشيد بعبدالرحمن الدهام الذي يعد من الركائز الاساسية للنجاح في مجال التحكيم. @ بماذا تحلم وما طموحك في مجال التحكيم؟ اتمنى الوصول للدولية ان شاء الله لأخدم الرياضة السعودية واساهم في خدمة وطني الذي اعطاني الكثير وحتى الآن لم اقدم له ما يوازي الذي حصلت عليه. @ كلمة اخيرة؟ اتقدم بجزيل الشكر والعرفان لمحمد البكر المشرف على ملحق الميدان بجريدة (اليوم) على هذه الفرصة التي منحني اياها لايصال معاناتي ومناشدتي للمسؤولين حفظهم الله والذين عودونا على تلمس حاجات ابناء الوطن والوقوف معهم في وقت الشدائد وانا على يقين بان الله سيقيض لي من يخلصني من ديوني كونها لم تكن بسبب تلاعب او عبث او لهو او غير ذلك من الامور المنكرة فانا ولله الحمد كان لي هدف سام وهو بر والدتي وعلاجها مهما كلف الثمن ولم افكر بعواقب الديون لان القصد كان وجه الله تعالى. الشمري يسرد معاناته للمحرر الشمري مع عائلته