مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    وزير الصناعة من قلب هيئة الصحفيين بمكة : لدينا استراتيجيات واعدة ترتقي بالاستثمار وتخلق فرصا وظيفية لشباب وشابات الوطن    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    استقرار أسعار الذهب عند 2625.48 دولارًا للأوقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    ألوان الطيف    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    القتال على عدة جبهات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    كلنا يا سيادة الرئيس!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سخر السادات من "الواد المجنون بتاع ليبيا" ففجر قطارات السكة الحديد
ابن قرية "جهنم".. حكايات لا تنتهي
نشر في اليوم يوم 12 - 06 - 2004

ذات يوم، وبعد أن ضاق به ذرعاً، قال الرئيس المصري الراحل أنو السادات بلهجته القروية الشهيرة "إن
الواد المجنون بتاع ليبيا موش راضي يبطل جنان" فضج أعضاء مجلس الشعب المصري وقتها (في
السبعينيات) بالضحك.
صراحة السادات "غير السياسية" يبدو أنها كانت نبوءة مبكرة رغم أنها تخطت حدود الدبلوماسية لتنال
ممن يفترض أنه زعيم دولة عربية شقيقة.. فالقذافي كان يعتقد أنه الوريث الشرعي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر أيام المد الثوري العربي، وكان يتصرف من منطلق أنه الأمين الوحيد على القومية العربية، والسادات كان يرى في تلك الحركات مجرد "ألعاب صبيانية"، لذا استحكمت الكراهية التي ما لبثت أن تحولت إلى سلوك استراتيجي (من طرف العقيد) يملك وحده حق التخوين وإلصاق التهم والادعاء بمحارب الاستعمار والتحرير وغيرها.
ويذكر الصحافي المصري إبراهيم سعدة (رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم المصرية) أنه ورسام الكاريكاتير
الشهير مصطفى حسين (صاحب أكبر قدر من السخرية والنيل من القذافي برسمه في صورة طفل يجلس على قدر البلاستيك المخصص للتبرز) كانا على لائحة القتل القذافية، ويسرد سعدة أنه حاول الاعتذار عن السفر ضمن الوفد المرافق للرئيس حسني مبارك في زيارته إلى ليبيا، لكنه فشل، وفي مطار بنغازي وخلال استعراض الرئيسين للضيوف، وأثناء تعريف القذافي بأعضاء الوفد (اعترف سعده بأنه كان يرتعش) توقف القذافي عنده وقال بصرامة: "لولا انك مع مبارك لقتلتك الآن".. ولم يزر ليبيا بعدها حتى الآن.
يقول الباحث الليبي حسين محمود, الذي درس "ظاهرة العقيد" عن كثب: عرفت البشرية انواعا مختلفة واشكالا متباينة من النظم السياسية, ترنحت بين الشمولية الدكتاتورية والديمقراطية, وتفاوتت بينهما بدرجات مختلفة, وتميز بعضها بالشطط, حتى أصبحت ظواهر سياسية ذات علامات بارزة, وقد عرف ابناء الشعب الليبي وشهد العالم اجمع إحدى الظواهر السياسية خلال السبع والعشرين سنة الماضية, ونعني بها "ظاهرة العقيد" ولقد امتدت هذه الظاهرة وانعكاساتها خارج الحدود, لتعمل وسائلها في تشويه صورة الليبي والإساءة الى سمعة البلاد, ولتجعل ذلك الإنسان الليبي محل ريبة وشك في أي مكان يذهب اليه".
ورغم ان "ظاهرة العقيد" تحتاج الى ملفات عديدة لتحليلها وسبر اغوارها, الا انه بالإمكان تتبع بعض فصولها والقاء الضوء على تاريخها وجذورها في الأمثلة التالية:
البداية في جهنم!
ولد معمر محمد عبد السلام ابو منيار القذافي في قرية "جهنم" باحدى مناطق مدينة سرت عام 1942م, وقد خلد مسقط رأسه في قصته الادبية المشهورة "الفرار الى جهنم", وقد عاش القذافي ونشأ بين مناطق سرت ومصراته وسبها, والتحق بالكلية العسكرية الملكية الليبية ليتخرج برتبة ملازم بالجيش في منتصف الستينات تقريبا.
ولقد برزت ظاهرة القذافي كغيرها من الظواهر الاخرى التي انتجها التطور التاريخي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري الذي مر به المجتمع الليبي, منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تناقض
على الصعيد العربي الاسلامي لاقى انقلاب القذافي العسكري على الحكم الملكي عام 1969 ترحيبا لا بأس به في بداية ظهوره, خاصة وان القذافي كان قد حرص على الظهور امام العالم بمظهر القائد العربي المحنك والانسان المسلم الورع والتقي, المتحمس لنشر الدين الاسلامي , ولكن هذه المواقف جميعها سرعان ما تبددت بعدما وضح للعيان مخالفته للاجماع العربي والاسلامي. ولطعنه الصريح في صحة الحديث النبوي والسنة, ولتغييره التاريخ الهجري ولاعلانه صراحة ان كتاب الله الكريم لا يعالج الا امور الحلال والحرام والزواج والطلاق والجنة والنار, وليقول بكل جرأة بأن "كتابه الاخضر" هو المرجع الوحيد المشتمل على حلول كل المشاكل البشرية.
الثورة الشعبية
بدأت ملامح ومعالم "ظاهرة العقيد" تظهر في شهر ابريل عام 1973 عندما اعلن ما اسماه "الثورة الشعبية" في خطابه المشهور بمدينة زوارة والتي اعتبرها اطارا عاما لنقاطه الخمس, التي احتواها الخطاب وحدد اهدافها بصورة موجزة قائلا :
المطلوب في كل قرية ومدينة ومؤسسة جماهيرية ان تسيطر الجماهير على السلطة وتقوم بتقويض ما تراه غير صحيح وتخلق وضعا شعبيا جديدا. وكانت النقاط الخمس الشهيرة هي تعطيل والغاء كل القوانين المعمول بها حتى الساعة, تطهير البلاد من المرضى سياسيا الذين يتآمرون على القضية الثورية وعلى الشعب وعلى التحول الثوري, اعلان الثورة الثقافية , اعلان الثورة الادارية , تسليح الشعب , الحرية للشعب , لا حرية لاعداء الشعب.
وللمزيد من فهم شخصية وافكار القذافي, التي ساعدت على بلورة "ظاهرة العقيد" نعود الى خطابه الذي يقول فيه: "لا بد من تطهير البلد من جميع المرضى, أي شخص نجده يتكلم في الشيوعية او الفكر الماركسي سوف يوضع في السجن" الا ان القذافي قال في خطاب لرابطة الادباء والكتاب في ليبيا في عام 1988 : "ان الجماهيرية هي البؤرة التي ترتكز فيها تطلعات الفوضوية والشيوعية والمدينة الفاضلة, ان الجماهيرية هي خلاصة وثمرة الجهود التاريخية الانسانية لتطلعات الفوضويين والشيوعيين , انها النعيم المفقود والفردوس الارضي". ثم يضيف قائلا: انا تعديت الشيوعية والفوضوية الباكونية (نسبة الى باكونين) انا عملت شيئا منظما ابعد منها.
الكتاب الأخضر واللجان الثورية
وبعد خطاب زوارة المشهور امر العقيد معمر القذافي, على مرأى ومسمع من العالم بحرق الكتب الاجنبية والالات الموسيقية في ساحات المدن الليبية, كما امر بالغاء مهنة المحاماة. وطالب ب "الزحف" الثوري على المؤسسات والبيوت , تطبيقا لمقولته الشهيرة "البيت لساكنه" وحرص على تصفية "اعداء الشعب" واعتماد الفوضى الشاملة اسلوبا للحكم والادارة. وامر بتأسيس لجان فكر وتوعية والبدء في انشاء اتحاد اشتراكي ولجان شعبية وبالطبع لجان ثورية.
وكانت هذه اللجان هي اهم الادوات لتنفيذ فكر العقيد. فهي جهاز سياسي يقوم بدور الحزب الحاكم, وهي جهاز تحريضي يستوعب ارشادات القائد. وهي جهاز عسكري واخباري وامني, وقضائي وتعليمي وتربوي ودعائي. وقد وصفها قائلا : اللجان الثورية هي الثمرة النهائية لكفاح الشعوب من اجل الديمقراطية. وبالتالي اسبغت هذه اللجان لقبين جديدين على العقيد واسمته "صانع عصر الجماهير وقائد مسيرة الانسانية في رحلة الانعتاق النهائي" وتأثر العقيد بهذا التكريم خاصة وصفها له بانه "نبي العصر".
الكتاب الاخضر كان بالطبع العامل الرئيسي في شهرة العقيد وظاهرته. وبين دفتي هذا الكتاب بفصوله الثلاثة خط "النظرية العالمية الثالثة" وهذا الكتاب كما ورد في فصله الثاني: "لا يحل مشكلة الانتاج المادي فقط بل يرسم طريق الحل الشامل لمشكلات المجتمع الانساني , ليتحرر الفرد ماديا ومعنويا تحررا نهائيا لتتحقق سعادته". ووصف القذافي الكتاب الاخضر ونظرته العالمية حيث قال: "هذه النظرية ستجعل لنا دينا, لان الناس في هذا العصر محتاجة الى دين الى كتاب يوحدها". (من خطاب القاه في المؤتمر الدولي للحركات السياسية لشباب اوروبا والبلاد العربية وفي مقدمة الطبعة الروسية من الكتاب الاخضر , كتب القذافي "اقدم لكم كتابي الاخضر, الذي يشبه بشارة عيسى او الواح موسى, او خطبة راكب الجمل القصيرة, الذي كتبته في داخل خيمتي التي يعرفها العالم بعد ان هجمت عليها 170 طائرة وقصفتها بقصد حرق مسودة كتابي التي هي بخط يدي".
تحرشات عربية
منذ مجيئ العقيد القذافي الى الحكم وهو في حالة مد وجزر, حب وكراهية مع دول عربية عديدة وهو لم يتوان في بعض الاحيان في غزو هذه البلدان عسكريا, او محاولة زعزعة انظمة حكمها, ليعود ويعلن توحده معها مما اعاق بالتالي مراحل نموها واستقرارها وتطورها. فبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر الذي اطلق على القذافي لقب "امين القومية العربية" , دخل في صدامات سياسية ثم عسكرية مع الرئيس الراحل انور السادات, ولم ينج بالطبع الشعب المصري من حروبه الاعلامية وتصرفاته. كما كان السودان منذ السنوات المبكرة لحكم القذافي , هدفا لتحرشاته رغم كل ادعاءاته القومية وشعاراته العروبية, الا ان دعمه لايران ضد العراق اثبت عكس ذلك.
وذاقت تونس لسنوات عديدة تحرشات القذافي العسكرية والامنية, وعلى رأسها محاولة احتلال مدينة (قفصة) التونسية, ومحاولة نسف مقر الجامعة العربية بتونس العاصمة, وكذلك محاولة اغتيال العشرات من الشخصيات السياسية والصحافيين التونسيين, الذين نادى في خطاب له ب "قص السنتهم وقطع اياديهم.
كذلك خاض حروبا طويلة اهدرت فيها الارواح والاموال في محاولات لغزو تشاد, وكانت المغرب وملكها الحسن الثاني هدفا لسنوات طويلة خلال دعمه للمنشقين في الصحراء المغربية, وفي حالات كثيرة لم ينج العمال العرب من مزاجية القذافي, الذي كان يرمي بهم خارج الحدود كما حدث مع العمال المصريين والسودانيين والتونسيين والفلسطينيين.
اما القضية الفلسطينية فنالت هي الاخرى نصيبها من القذافي, واتهمه بعض قادتها بانه عمل على شق وتفتيت صفوف الثورة الفلسطينية في محاولات عديدة, وذلك بتأليب ودعم فصائلها المختلفة وفي محاولات لاحتوائها, ولعل اشهر مواقفه عندما دعا الثوار الفلسطينيين اثناء حصار بيروت عام 1982 الى الانتحار الجماعي.
لقد وصف القذافي الرئيس عرفات انه مجرد "عريف في الشرطة الاسرائيلية" وبان كل دوره هو حماية اسرائيل. كما طلب منه "ان يأتي للعمل في ليبيا بدل عمله في الشرطة الاسرائيلية وانه لو حضر الى ليبيا فانه لن يستقبله ولن يوجه اليه أي نصح, ونقد عملية السلام بين بعض العرب واسرائيل ما يراه المحللون البعد الرئيسي في "ظاهرة العقيد" بكل تناقضاتها وازدواجيتها. فبعد حملاته وشعاراته المتوالية ضد عملية السلام, فاجأ القذافي العالم بارسال وفد من الحجيج الليبي الى القدس. وقد علق تاجر السلاح الايراني يعقوب نمرودي حينها في مقابلة مع تلفزيون تل ابيب: شيء ما حدث للقذافي , اريدك ان تعلم انه ابدى رغبته الشديدة في تبديل موقفه, لقد اخبر عدنان (عدنان خاشقجي) بانه يحب اسرائيل وله اصدقاء يهود, واحدهم هو الذي رتب لزيارة الحجاج الليبيين.
ورغم تبرؤ القذافي اعلاميا من هؤلاء الحجاج, الا انه اتضح ان وفد الحجيج كان يتكون من افراد واعضاء من رجال الامن واللجان الثورية. ولقد فاجأ العقيد العالم مرة اخرى بترحيل الفلسطينيين ورميهم على الحدود الليبية المصرية, وبرر العقيد قراره بانه يقدم خدمة للفلسطينيين لاعادتهم الى بلدهم, كما صرح للمرحلين امام معسكر لهم قرب الحدود الليبية المصرية بانه :" لا يستطيع احد ان يزايد على معمر القذافي بالنسبة للفلسطينيين فانا حبيبهم الاول وانا المدافع الاول عن الشعب الفلسطيني, وانا احرص من أي احد على الفلسطينيين في أي مكان من الكرة الارضية", واضاف: " انا على استعداد لاحضار خيمتي ونصبها الى جوار خيامكم في الصحراء حتى نعود جميعنا الى ارضنا المحتلة".
جنون العظمة
وبعد هذه الدراسة المقتضبة عن بعض ملامح "ظاهرة العقيد" بكل شطحاتها وتناقضاتها وازدواجيتها نستطيع القول انه من الصعب فهم اسرار شخصية العقيد القذافي المتشابكة, او الاقتراب من مفاجأته المزاجية التي تبدو عفوية في الظاهر . وقد يتساءل البعض: هل العقيد مصاب بجنون العظمة ؟ او بانفصام الشخصية؟ ام انها حركات مسرحية مدروسة لاخفاء ذكائه؟ ام انه زعيم نستطيع اعتباره فلتة عصره وزمانه؟ وللاجابة على هذه الاسئلة نفرد هنا اجابة للقذافي للصحافية الايطالية ميريلابيانكو, التي سألته خلال حديثها معه الذي نشر في كتاب "القذافي رسول الصحراء" :يا رسول اكنتم راعي غنم؟ -نعم..فلم يكن نبي لم يفعل ذلك.
كما نفرد كذلك حديثا للقذافي اثناء انعقاد "مجلس اتحاد الجامعات العربية" بمدينة بنغازي, المسجل مرئيا في شهر فبراير عام 1990 :" كلمة كن فيكون لا تعني الان, قد تحصل بعد مليون سنة, مثلا: ايتها السحابة الكونية كوني كواكب سيارة من الشمس الى الارض بعد 400 مليون سنة. ما دام الله قرر هكذا, ففعلا بعد 400 مليون سنة ستكون بهذا الشكل, كن فيكون, يعني كوني هكذا فكانت حسب المدة, لا تعني السرعة, لا تعني الان, انا قلت فلتكن ثورة بعد عشرين سنة وعملت من اجلها..فقامت.. نعم قلت:فلتكن ثورة, فكانت ثورة!!!!
القذافي ومصر
زعيم بلا شعب ام شعب بلا زعيم؟
بعدما توقع العقيد القذافي عودة الاستعمار من جديد لاحتلال الوطن العربي وشمال افريقيا, اكد ان مصر ستكون اول دولة يتم احتلالها من قبل الاستعمار الامريكي الاسرائيلي.
تصريح العقيد الذي اكده مرة اخرى قبل إحدى زياراته لمصر عندما اعلن ان دول شمال افريقيا محتلة ما عدا ليبيا, ثم عاد واعتذر لمصر واستثناها من هذا الاحتلال لتلحق بالدولة الوحيدة المستقلة في مغرب العالم العربي.
هذه النوعية من التصريحات تعد السمة البارزة في علاقة القذافي بالكثير من دول العالم, لكنها تستمد قدرا خاصا من الاهمية عندما تتعلق ب"الشقيقة الكبرى" فقد ظلت علاقة العقيد بمصر تتراوح بين الشد والجذب, القبول والرفض, الوحدة والانفصال طوال السبعة والعشرين عاما لحكمه ليبي, خلال هذه السنوات امتدت مفاجآت وتصريحات واحيانا اخرى قذائف القذافي لتملأ الحدود الطويلة بين البلدين.
بدأت خيوط صورة العقيد في مصر ترسم منذ اللحظات الاولى لثورة الفاتح من سبتمبر.
فبعد هزيمة عام 1967 قدم الملك ادريس السنوسي الكثير من المساعدات لمصر داعما موقف النظام فيها. لذلك فقد كان الانقلاب العسكري في ليبيا عام 1969 , هو اخر ما يتمناه النظام المصري على حدوده الغربية.
كان العقيد كما بدا واضحا في هذه اللحظات لا يملك الحد الادنى من الوعي بالعلاقات الدولية القائمة, وكان يمثل قنبلة موقوته لكن العقيد القذافي كان من مريدي عبد الناصر, لذا فالقنبلة الموقوتة لم تنفجر في مصر انذاك, وكانت الوحدة والامال القومية تحيط وترفرف حول الجميع, الا ان عبد الناصر رحل واعتبر القذافي نفسه خليفة له وما لبث الخليفة ان اصبح الزعيم نفسه وتقلد مقاليد الزعامة والحكمة ومؤخرا الادب.
وكان من الطبيعي الا يلتقي القذافي والسادات بسهولة فكل منهما كان يسعى لتوطيد مركزه بعيدا عن تراث عبدالناصر , لكن كلا منهما في نفس الوقت كان مازال في امس الحاجة لهذا التراث ليستمد منه شرعيته.
لذلك فقد انهارت الوحدة وما تلاها من مشاريع الانشقاق والاختلاف محل الوفاق والوحدة , وهكذا وجد العقيد نفسه كما قال هو "زعيما بلا شعب وفي مصر شعب بلا زعيم". وفي عام 1973 وحينما كانت مصر تشحذ العالم العربي للوقوف خلفها في حرب اكتوبر كان العقيد مشغولا بالثورة الثقافية التي اراد لها ان تبتعد عن نمط ماوتسي تنج في الصين لتصبح ثورة ثقافية ذات طابع "قذافي" . الا انها انتهت لتقترب اكثر ما يمكن الى سلبيات الثورة الثقافية في الصين دون ايجابياتها.
وبالرغم من ان العقيد القذافي لم يكن القائد العربي الوحيد الذي رفض مبادرة السادات بزيارة اسرائيل, الا انه كان الوحيد الذي استطاع السادات ان يرد له الصاع صاعين.
وفي اوائل عام 1977 ابرمت ليبيا صفقة اسلحة مع الاتحاد السوفييتي قيل انها تهدد الامن القومي المصري, وفي يوليو 1977 قام الجيش المصري بغارات تاديبية ضد ليبيا محدثا خسائر كبيرة ماديا ومعنويا.
راهبات الثورة...وميشكا!!
في عام 1972 شن العقيد معمر القذافي هجوما شديدا ضد المرأة , وفي لقائه باتحاد المرأة في القاهرة في هذا العام وصف العقيد المرأة بانها كالبقرة التي "قدر لها الا تفعل اكثر من الحمل والولادة والرضاعة".
لم تكن هذه التصريحات هي الاولى من نوعها ولكن سبقتها مقولات متناثرة عبر مائدة الحوار التي اعدت في جريدة "الاهرام"مع كبار الصحافيين واعضاء مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالجريدة. وكان الانطباع السائد في ذلك الوقت يؤكد ان موقف القذافي من المرأة لا يتعدى في احسن الاحوال من موقفه من حيوان اليف. لذلك فقد كانت دعوته لانشاء مجموعة الراهبات الثوريات بعد اقل من عشر سنوات على تصريحاته هذه بمثابة حركة بارعة للانتقال من كوكب الارض الى المريخ.
كانت فكرة العقيد تنحصر (على ما يبدو) في انشاء معمل عسكري لتفريخ راهبات ثوريات لحماية الثورة في ليبيا.
وكان من الممكن ان تعد هذه الخطوة كواحدة من ابرز علامات تحرر المرأة في الواقع العربي عموماوفي ليبيا خصوصا, الا انها خطوة ابتعدت كثيرا عن معطيات الواقع الليبي, خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار طبيعة المجتمع البدوي الذي لم تبذل اللجان الثورية للعقيد اية محاولات حقيقية لتحديثه, ليس في الشكل ولكن من حيث مضمون القيم والاعراف. لذلك كان من الطبيعي ان يقف المجتمع ضد هذه الدعوة والا تلقى اذانا صاغية فيما عدا القليل من الفتيات الليبيات.
المفترض ان تعداد النساء في ليبيا لا يتجاوز 200 الف سيدة وكان هدف القذافي الوصول الى 5 بالمائة من هذا العدد ليشاركن في جيش الراهبات الثوريات.
وكما وقف المجتمع بتقاليده واعرافه ضد انخراط المرأة في العمل السياسي , فقد كان من الطبيعي ان تكون وقفته اشد ضد رهبانية المرأة, وهي تقليد مختلف عليه بشدة ليس بالاسلام وحده ولكن في اديان اخرى.
بعد ثلاث سنوات من اعلان القذافي عن رغبته في انشاء وحدة الراهبات الثوريات, قام عدد منهن باقتحام مدرسة الزاوية الثانوية للبنات في محاولة لتجنيد اكبر عدد من الفتيات لينضممن الى جيش الثورة الليبية, لكن اولياء الامور تصدوا بقوة لهذه المحاولة التي لم تسفر الا عن مزيد من ابتعاد الفتيات في ليبيا عن هذا الفهم لدور المرأة.
انضمت لراهبات الثورة اسماء معروفة مثل عائشة جلود امينة اللجان الشعبية في بلدية الجبل الاخضر وهي اول راهبة ثورية, كذلك هدى بن عامر وهي من اشهر الراهبات الثوريات فهي عضو المحكمة الثورية ومعروفة بقيادتها للمظاهرات. وعند زيارة القذافي الاخيرة لمصر كان هناك حوالي 12 فتاة لحراسة العقيد, الحقيقة ان هذا العدد من الفتيات لا يشكل نموذجا حقيقيا لوضع المرأة في ليبيا.
فاهداف الراهبات الثوريات (بالنيابة عن الرجال المهزومين) بالتصدي لقضايا الامة فهو الاخر نموذج ثبت فشله وانعدام واقعيته , انه نموذج تخطاه الزمن.
"أدب" العقيد هستيريا جنون العظمة
ذكرت صحيفة الاعلام التونسية عام 1988 ان العقيد معمر القذافي قد اصبح مؤلفا للاغاني, حيث طلب من عدنان الشواشي ان يلحن له كلمات الاغاني, وقد وضع العقيد طائرة خاصة تحت تصرف الملحن التونسي لتسهيل تنقلاته بين طبرق وبني غازي وطرابلس.
وقبل ان تصل طائرة الشواشي الى قلوب المستمعين كان العقيد قد تحول عن كتابة الاغاني الى كتابة القصة القصيرة, وكان اللقاء في معرض القاهرة الدولي للكتاب في العام الماضي حول مجموعة العقيد القرية..الغربة..الارض..الارض..وانتحار رائد فضاء بمثابة خطوته الثانية في عالم الفن والادب, وقد اشاد عدد لا بأس به من المثقفين المصريين بالمجموعة مراعاة لشعور القذافي في حين اعتذر الكثيرون عن مجرد حضور اللقاء وادارته واعتذر عدد اكبر عن التعليق على هذه المجموعة للمجلة وخيرا فعلوا.
اما في فرنسا فقد لجأت مجلة "ليفنمان دوجودي "الفرنسية الرصينة الى عرض مجموعة القذافي القصصية على طبيب نفساني شهير فكان تحليله كالتالي: " ان هذا الكتاب يصلح لتدريسه لطلاب الطب النفسي , كونه يجمع بين كل عناصر هستيريات جنون العظمة".
واجمع خبراء نفسيون آخرون بعد قراءة كتاب العقيد على ان صاحبه "يعاني من مرض نفسي يجعله منعزلا ولا يستمع الا لنفسه". كتاب القذافي الجديد الذي سيثير انتباه وسائل الاعلام قريبا يدعى "تحيا دولة الحقراء" , وقد وصف كاتب عربي القذافي بعد قراءته لهذا الكتاب بانه "غلبت عليه حالة الوهم والنرجسية قادته الى خلط المفاهيم على نحو لا يحتمل التأويل".
وعلاوة على تدني اسلوب الكتاب, سيشعر القارئ بغياب التوازن النفسي عند الكاتب, فالعقيد يبدأ مقالته الاولى بشن هجوم كاسح على الحقراء! ويستمر في اوهامه وبدون مقدمات يبدو وكأنه يصحو من حالته النفسية هذه الى حالة نفسية اخرى.
من "شطحات العقيد" :
@ خالف الاجماع العربي والإسلامي .
@ طعن في صحة الحديث النبوي والسنة.
@ غير التاريخ الهجري.
@ أدعى أن كتاب الله الكريم لا يعالج الا أمور الحلال والحرام والزواج والطلاق والجنة والنار.
@ قال بكل جرأة بان "كتابه الأخضر" هو المرجع الوحيد المشتمل على حلول كل المشاكل البشرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.