قبل أكثر من ستين سنة كانت سارة تعيش في منزل من الحجر الأبيض البحري في مدينة الجبيل على شاطئ البحر كان منزلها يتألف من الغرفة التي تنام فيها مع جدتها حصة وأختيها نورة وحصة. أما والدتها وأخوها عبد الرحمن ووالدها فقد كانوا ينامون في غرفة النوم الكبيرة وكان هناك (حوش) كبير في وسط المنزل ومجلس للرجال عند باب المنزل. أما غرفة نوم البنات مع الجدة فقد كانت تتحول نهاراً إلى مجلس تلتقي فيها صديقات جدتها ووالدتها. وفي المساء كانت المطوعة حمدة تزور جدتها كل يوم تقريباً وإذا جاءت حمدة سارعت سارة وأخواتها وصديقاتها الصغيرات للجلوس مع الجدة ومطالبة المطوعة حمدة بسرد إحدى حكاياتها اللطيفة وفي ليلة صيفية قالت حمدة: إنها لن تقص عليهن حكاية خيالية مثل كل مرة ولكنها ستحكي لهن حكاية واقعية حدثت للكثير من البنات وستحدث طالماً الحياة مستمرة وعلى كل من حكايتها تتشابه مع ما حدث لصاحبة القصة فعليها أن تثق بما أعطاه الله لها وبقدرها وأن تؤمن بأن الفرج لابد من حدوثه والصبر أولى خطوات تحقيق الأماني. وهنا بدأت حمدة بسرد الحكاية الواقعية. كان هناك فتاة صغيرة يتيمة الأم تعيش مع جدتها لوالدها ووالدها وأخويها الصغيرين حياة هانئة لا يعكرها سوى شوقها لوالدتها وفي يوم بارد من أيام الشتاء ناداها والدها للجلوس معه وجدتها وهنا أخبرها الوالد أنه سيحضر إلى البيت زوجة جديدة ستكون الأم الثانية لها ولأخوتها.أخفت قماشة حزنها على والدتها وأظهرت لوالدها سعادتها بزواجه وبالفعل جاءت الزوجة التي ظهرت عليها علامات الحقد وعدم الرحمة من الشهر الأول لقدومها وجعلت من سارة خادمة لها وعاملت أخويها الصغيرين بقسوة بالغة وزاد من وطأة الألم وفاة الجدة. وهنا عاشت قماشة حياة مريرة مع زوجة الأب التي استطاعت أن تقنع الأب بلطافتها البالغة مع أبنائه في حضوره وما أن يغيب حتى يظهر شرها في كل إشارة لها. عاشت قماشة على هذا الحال 7 سنوات حتى بلغت سن الرابعة عشرة. ثم زوجها والدها لأحد شباب العائلة الأقارب. وهنا استطاعت قماشة أن تعيش حياة هانئة خاصة أنها وبعد إنجابها لأبنها الأكبر جلبت أخويها للعيش معها بمرافقة زوجها الكريم الذي قدم كل العاطفة السامية لهم. وهنا انتهت حكاية المطوعة حمدة وأنا سعيدة بها ولم أشعر أن القدر كان يخبئ لي نفس الأحداث. فقد توفيت والدتي بعد خمسة أشهر من مرض لم يمهلها كثيراً. وتزوج والدي من زوجة قاسية في معاملتها لي ولأخواتي وأخواني عشنا على هذا الحال لسنوات تزوجت بعدها مع أختي نورة في ليلة واحدة وعشت في وسط عائلة زوجي حياة هانئة كريمة أما حصة الصغيرة فقد أخذتها لتعيش معي بعد أن تحججت لوالدي بأني لا أستطيع فراقها. وعبد الرحمن استطاع إتمام دراسته خارج الجبيل وحصل على شهادة عليا وهأنا محدثتكم الآن أعيش في نفس مدينتي الجبيل الحبيبة بين أبنائي وأحفادي. تعود بي الذاكرة لقصة المطوعة حمده دائماً. وأشعر لو كان بإمكاني أن أسرد تلك القصة دائماً على من يعشن نفس ظروفي السابقة لأزرع لديهن الأمل بالله وبالحياة وليثبتن على ثقتهن بالله.