علامات الاستفهام تنصب نفسها أمام المنتديات والمجالس الثقافية المتناثرة والتي احتلت مواقعها عبر سلسلة الأسبوع الزمنية وتقدم نفسها كمواقع داعمة للحركة الثقافية على حساب النفقات الخاصة إلا أن هذه المواقع أخذت أبعادا اجتماعية وثقافية وتنافست فيها أسماء عوائل ربما سعياً للوجاهة ورغبة في الظهور باجتماع وجوه متعارفة على موضوع من الموضوعات. "اليوم" ترصد في استطلاعها ظاهرة انتشار المنتديات الثقافية الخاصة على أصحاب منتديات ومثقفين ومسئولين في مؤسسات ثقافية: لتطرح أسئلتها التالية: هل هذه المنتديات الثقافية للوجاهة الاجتماعية أم لخدمة الساحة الثقافية؟ هل هي مغلقة على رواد معينين أم أنها منفتحة على المجتمع بجميع أطيافه الثقافية والفكرية؟ ما مدى أهمية الموضوعات التي تطرحها هذه المنتديات؟ هل تعددها في المنطقة الواحدة دليل على انتشار الوعي أم أنها تكرار لبعضها البعض؟ لماذا تكرر الشخصيات والضيوف التي تستضيفها المنتديات بشكل دائم؟ لماذا لا تهتم المنتديات بالجوانب الإبداعية لاكتشاف المواهب في المنطقة؟... أسئلة تثار في الساحة الثقافية ويتساءل عنها الجميع بسبب كثرة هذه الصالونات الأدبية، مما يوجب الوقوف والنظر في ماهيته! رموز تعبير يقول مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام عبد العزيز السماعيل: إن وجود المنتديات أو الصالونات الأدبية والثقافية محلياً باعتبارها وسيلة للاتصال والتواصل والحوار بين مجموعة أو فئة من المثقفين والأدباء والمفكرين يمكن النظر إليه بالكثير من النقاط الإيجابية.. إلا أن غياب نسق ثقافي وفكري اجتماعي متجدد في الساحة المحلية بحيث يمكن أن تكون هذه المنتديات أو الصالونات جزءا منه أو على الأقل امتداداً متفاعلاً معه قد جعل من تلك المنتديات بشكل عام أشبه بجزر معزولة ومحدودة الأثر.. ولعل ذلك هو ما يفسر الاختلاف الكبير والخصوصية الشديدة المنغلقة أحياناً بين المنتديات وبعضها لأنها تعبر في الغالب منها عن ميول أدبية ذاتية أو رغبة خاصة لدى فرد أو فئة من المثقفين ليست بالضرورة تهم الجميع أو تعنيهم.. بل إن بعضها يعمل وكأنه خارج الزمن فعلياً ليس فقط من حيث أهمية المواضيع والقضايا المطروحة وقيمتها زمانياً بل وحتى في طريقة انغلاقها على فئة محددة أو طبقة اجتماعية معينة دون اعتبار لطبيعة الزمن الذي نعيشه القائم على الانفتاح والحوار مع الثقافات الأخرى.. وهذه الفئة من المنتديات لا تستطيع بطبيعتها أن تكون منفتحة على الجميع من المثقفين والأدباء، كما أن كثرة وجودها لا يعكس في الحقيقة قيمة أدبية أو وعيا ثقافيا جمعيا استثنائيا في بلد أو منطقة معينة.. لذلك يمكن القول بوضوح: إن بعض هذه المنتديات المحلية عبارة عن حركة رمزية تعبر عن ذوات أصحابها أكثر من كونها تعبيرا عن حركة ثقافية محلية في العموم.. إلا أن البعض الآخر مهتم فعلاً بالحوار المعاصر وبتقديم البحوث والدراسات والمواضيع الجادة والمعاصرة، وهذه المنتديات الجادة تستطيع إذا أرادت من خلال اعتمادها على بعض الأساليب المتطورة في التنظيم والتخطيط أن تكون أكثر انفتاحاً وتساهم بشكل فاعل في إثراء الساحة الثقافية المحلية من خلال طباعة ونشر البحوث والدراسات والمحاضرات القيمة التي تنفذها وتقديمها للقراء جميعاً مساهمة منها في إثراء الساحة المحلية. تقديم الأفضل ويقول العميد المتقاعد عبد العزيز الموسى صاحب السبتية: اعتقد ان الدافع وراء تأسيس الندوات الثقافية هو تحقيق هدفي الوجاهة والثقافة , لأنه لا يستطيع أن يقدم على مثل هذا النشاط المتميز إلا شخص لديه الطموح الاجتماعي للإنجاز والنجاح ولديه ميل للأدب والثقافة وبالتأكيد هذا مجال مشرف, وجميع رواد الأدب وبالذات الشيخ احمد المبارك , والشيخ عبد الرحمن الملا , يقولون: في مجال الثقافة فليتنافس المتنافسون والنتيجة في جميع الحالات هي خدمة الوعي الثقافي العام للمجتمع. واكد الموسى انه يوجد في الساحة الثقافية ما هو مغلق ومنفتح على الرواد فالأول عبارة عن مجموعة من الأصدقاء والأقارب وقليل من الآخرين , اما المنفتح فهو منفتح على الجميع بشتى أطيافه وأناسه , وتستطيع التمييز بينهم بكثرة الرواد أي العدد ويلاحظ ذلك الفرق بينهم خاصة عندما تكون شخصية معروفة. ويضيف قائلا بالنسبة للموضوعات وأهميتها أن كل صاحب ندوة حريص على تقديم افضل المحاضرات لكن يتطلب توفير عوامل مهمة لتحقيق ذلك كعلاقته بالأوساط الأدبية والعلمية والمواطنين والمكانة الاجتماعية والمادية , وكلما كانت الندوة شهرية أو نصف شهرية كانت افضل من الأسبوعية حتى يكون هناك متسع من الوقت للإعداد والتحضير لنشاط ثقافي آخر , أما العنصر الأهم فهو تقبل الانتقاد البناء ودعوة كبار الشخصيات وقد تبنت سبتية الموسى منهج حكومتنا في الحوار الوطني. ويضيف الموسى: ان مجرد ظهور هذه الندوات يعتبر دليلا حضاريا وثقافيا مما يدل على وعي المجتمع , ومما يوجب علينا تنظيم وتقسيم الندوات في مختلف المناطق حتى يتيح للجميع الحضور والمشاركة وعدم تشتيتهم وتوزيعهم بما لا يخدم الحركة الأدبية في البلاد. وليس صحيحا ان يعمم على المنتديات انها لا تهتم بالجوانب الابداعية لاكتشاف المواهب فان لها مجالا واسعا للموهوبين والشعراء والادباء فقد برز في ذلك الكثير في ظل هذه المنتديات. عزوف المبدع ويقول صالح النعيم: يجب علينا النظر لاصحاب المنتديات هل هم مؤهلون ثقافيا وفكريا ويملكون تصورات واضحة لما ينبغي ان تكون عليه منتدياتهم؟ وهل هم من اصحاب الاقلام في المقالات والبحوث والتأليف؟ وهل لهم مساهمات في المحافل التربوية والادبية والثقافية والفكرية؟ وهل رسموا لانفسهم استراتيجية واضحة قبل الشروع في تأسيس منتدياتهم لتكون قاعدة صلبة يرتكزون عليها في تنويع برامجهم وتوثيقها. اذا لم تتوافر فيهم ما ذكرت فهي للوجاهة ولا غير.. وبالنسبة لرواد المنتديات فهي بالطبع منفتحة على كافة افراد المجتمع والا لما اشتهرت وعرفت واصبح لها رواد في شتى مناطق المملكة ودول الخليج ومصر والشام سواء المشاركة بالحضور شخصيا ام هاتفيا او بارسال مادتهم عبر وسائل الاتصال المختلفة، ولا يمكن تكرار المحاضرين بمواد مشابهة في اكثر من منتديين. ولاشك في ان كل منتدى مرآة صاحبه فهو الذي يقرب الناس من حوله وهو الذي ينفرهم لان لكل صاحب منتدى تصورا واضحا في تنويع برامجه ولا يتأتى ذلك الا اذا كان منفتحا مع الجميع بما يخدم الفكر الاصيل وينتقي ما يخدم الملتقى لان التنويع الهادف هو الذي يجعل المنتدى كنافذة يطل من خلالها المحاضر على من حوله من ادباء ومفكرين ونقاد. ولاشك في ان انتشار ظاهرة صحية وهي تعكس الوضع الطبيعي لكافة شرائح المجتمع الاحسائي لانه شعب مثقف ويحيي المجالس الثقافية والفكرية منذ زمن بعيد وعلى هذا الاساس تكون منتديات الحاضر امتداد لمنتديات الاحساء في الماضي. وعن تكرار الشخصيات يرى ان المنتديات في الاحساء تستضيف شخصيات متنوعة تثرى لقاءاتها ولو تكررت احدى الشخصيات في اكثر من منتدى فانها تختلف اطروحتها من منتدى لآخر وهذا لا يحصل الا في الشخصيات التي تستضيفها المنتديات من خارج الاحساء. اما الجوانب الابداعية فالمنتديات حريصة على استضافة كل من لديه ابداع، والمنتديات ابوابها مفتوحة ووسائل الاعلام تشير الى كثير من برامجها ولكن العزوف يأتي من المبدعين انفسهم لانهم لا يشاركون في هذه المنتديات الى انتقاء هؤلاء المبدعين في تفعيل برامجهم وتتيح لهم فرصة الخروج الى الساحة الثقافية عن طريق هذه المنتديات. ثمار الاشجار ويضيف الدكتور عدنان العفالق (صاحب الثلاثائية): ان المجالس الادبية هي في خدمة الثقافة اما النيات فهي في قلوب اصحابها، ويؤكد انها مفتوحة ولا اعلم ان هناك منتدى يقول عنه اهله او رواد انه مغلق على فئة او امام فئة او طيف دون آخر. اما عن الموضوعات فهي كثمار الاشجار ففيها الحلو والمر الناضج وغير الناضج فالقصور وارد ولكن على الشخص الاجتهاد ومشاورة اهل الرأي ثم يتوكل على الله. ويرى ان هناك تكرارا لبعضها البعض ولكن اظن ان ذلك يدل على انتشار الوعي وان الثقافة اصبح لها سوق، ولو لم يكن لها سوق لما اقام الناس اسواقها وهي المنتديات، وازعم ان هذا الدعاء وليس صحيحا بان الشخصيات تتكرر، فالذي اعرفه ان هناك محاولات للتجديد. ظاهرة صحيحة ويقطع الاستاذ عبدالرحمن المريخي رئيس جمعية الثقافة والفنون بالاحساء انه لا يمكن التشكيك في النوايا الطيبة لاصحاب هذه المنتديات الادبية، فهم اساتذة اجلاء فان كان احدهم يسعى نحو وجاهة او مراءاة مثلا فهذا الامر مردود عليه برمته، وان المسؤولين يتمتعون بوعي وخلق تنأيان بهم عن محيط الشبهة وتزييف الواقع لذك نحن على ثقة تامة بأن الهدف من تأسيس هذه المنتديات هو غاية نبيلة ونية صادقة وخلاف ذلك سوف يكتشف مستقبلا ويمقته الجميع، ناهيك عن الجهد الدائم وتحمل اعباء ونفقات هذه المنتديات الاسبوعية التي تثبت ان النية المخلصة هي الدافع وراء الاهتمام بهذه المنتديات فهذه الجهود الواعية تصب في صالح الثقافة وليس ضدها. اما بالنسبة لرواد المنتديات فهي في محاولة جادة لايجاد علاقة وطيدة تربطها بالمجتمع والانفتاح على الساحة الثقافية بكل اطيافها، ولكن ما يدعو للدهشة في الاخير أنه اصبح لكل منتدى رواد يترددون عليه ويحجمون عن غيره، او لنقل ان المنتدين انفسهم صاروا يتكررون عليها، أي الوجوه هي نفس الوجوه الا ما ندر. ويضيف: مما لاشك فيه ان هذه المنتديات تحاول ان تحافظ في طرحها على التنوع حتى ترتبط بالكثير من المهتمين حسبما يتفق مع توجهاتهم خاصة في الاونة الاخيرة.. طرحت هذه المنتديات موضوعات عدة.. فنية واجتماعية وفكرية. خلاف ما كان سائدا فيها سابقا من توجه محصور في الادب والشعر على وجه الخصوص، ولكنها في الاخير تنبهت الى ضرورة التباين والاختلاف في الطرح. وفي المقابل تأتي درجة الاهمية حسبما يرى وحسب التواصل معهم، ولكن ما مدى اهمية ما يطرح بالنسبة الى الآخرين! هذه مسألة بحاجة الى رأي دقيق، وتقييم واضح حتى لا نقلل من شأن المنتديات النشطة، او نعمل على تهميشها ودائما نشكرها على ما تقدمه. ولنقل ان الاحساء بحجمها وتاريخها الثقافي بحاجة دائمة الى قنوات ثقافية عدة لكي تعمل على نشر وعيها وتوصيل اصوات مثقفيها وادبائها. الاحساء بحاجة الى مراكز ثقافية متنوعة ومجالس ادبية، وكل القنوات الاخرى التي تعمل على تفعيل ثقافتها.. لذلك تأتى هذه الكثرة دلالة صحية وضرورة لابد منها، ولنقل بشكل اخر هل الافضل الاستغناء عنها؟ وما اهمية المجالس الاخرى غير الادبية بجانب هذه المجالس التي يهمها الثقافة، ونشر الوعي؟ او بالاحرى هل الأخرى هي الامثل؟! في اعتقادي ان هذه المنتديات ظاهرة صحية ناجحة تستحق الاشادة والوقوف بجانبها والتصفيق لها طويلا!! ويرى تكرار الشخصيات نظرا لان المنتدى يقدم نشاطا اسبوعيا على امتداد الاشهر الثمانية او التسعة خلال السنة الواحدة، وان ما يستضاف من الادباء والمفكرين المحليين بشكل خاص مرده الى ان هذه الشخصيات الادبية لديها القدرة على الخوض في اكثر من توجه ادبي او فكري ولكن لا يمنع من التنوع في دعوة المشاركين لكي تصبح اكثر ثراء وعافية. واعتقد ان المنتديات غير غافلة عن ذلك فهي في محاولة لاصلاح برامجها ونرجو ان يكون التوفيق حليفها. ان مسألة الاهتمام بالجوانب الابداعية والمواهب مسألة حساسة غير مناطة فقط بهذه المنتديات وحدها، يقاسمها الهم كثير من القنوات الثقافية الاخرى جمعية الثقافة والفنون مثلا او النادي الادبي المرتقب، وحتى المؤسسات التعليمية الموجودة، فلابد من تضافر الجهود للكشف عن المواهب والابداعات الجديدة. ومن الاجحاف ان نحمل هذه المنتديات مسؤولية كبيرة نسميها اكتشاف (النهب الادبي) والجميع مسؤول عن هذه الابداعات الجديدة حتى لا تغيب او تخبو نهائيا. الميدان ويرى الصحفي عبدالله القنبر ان هذه المنتديات ليست للوجاهة وانما لخدمة الثقافة بكافة اشكالها، حتى وان كانت للوجاهة مرحبا بوجاهة تخدم الثقافة، ويضيف: ان روادها من كافة الاطياف ومن مختلف الثقافات، اما مواضيعها فمهمة جدا وفي كافة المجالات، مواضيع تهتم باللغة والادب والعلم والطب وكافة المجالات، ويؤكد ان انتشارها دليل واضح على انتشار الوعي، بالنسبة لشخصيات لا تتكرر وان تكررت فمواضيعها مختلفة، وعن عدم اهتمامها بالمبدعين والمواهب يقول: ابدا هذا الميدان يا حميدان والمبدع له مكانه. ويرى الكاتب المسرحي اثير السادة ان هذه المنتديات تستمد مبررات وجوها في الاغلب من احساسها بضيق هامش الحرية وهامش الاختلاف في الدكاكين الثقافية الرسمية التي تتغلف نشاطاتها بصرامة المزاج الرسمي وحساسيته المفرطة، فهي تعلن رغبتها كما نرى في صياغة سلوكيات ثقافية جديدة، كاستجابة لمتغيرات ثقافية وسياسية واجتماعية، بعيدا عن تناقضات وتعقيدات الجهاز الرسمي. هي تمرين على الحوار بالضرورة واحتفاء به دون الجزم باكتمال شروطه ، وهذا التمرين يستوجب ذهابا الى مساحة الاختلاف من اجل الانفتاح على الآخر، واعترافا بحضوره في وعينا وبنائنا الاجتماعي والثقافي، وهو ما كانت تهمله سياسات الدكاكين الثقافية. ويضيف السادة: عندما تنظر في داخل هذه المنتديات وموضوعاتها ستجد ان ثمة اتساعا وتقويما لاهتماماتها، فهي تريد ان تمتد اجتماعيا قبل أي شيء آخر، أي انقلاب بعضها الى ديوانيات للعلاقات العامة.. انها لا تراهن ابتداء على تعزيز لون ثقافي معين او لنقل صناعة مشروع ثقافي ما. وقد ابانت بعضها في كثير من الاحيان محدودية افق رهانها الثقافي، ولا احسب ان ايجاد حركة ثقافية وادبية يمكن ان يتأتى هذا الطريق، فشكل المقايضة المقترح في هذا الفرض لا يبدو واقعيا، أي اننا سنمضي الى المبالغة اذا اعتبرنا أن مجرد اتساع نوافذ التعاطي في شئون الثقافة سيحرك الكوامن الثقافية من سكونها. اننا نتحدث هنا عن مشروع تنمية ثقافية منقوض ومتأخر ومصاب بالهشاشة، لا تملك مثل هذا المنتديات بمفردها النهوض به، وجل ما نتطلع اليه هو تعزيز الحالة الحوارية في المجتمع، واعادة ترتيب الاجندة الثقافية محليا ان سعت بصدق الى ذلك. المطلوب الآن ان تغادر هذه المنتديات محطة الاحتفاء بالحوار فقط الى المساهمة في تأسيس اصوات ثقافية جديدة اكثر قدرة على اثارة الاسئلة الثقافية والتعاطي بشجاعة مع قضايا هذا الوطن في ظل توافر اجواء اجتماعية وثقافية وسياسية اكثر مرونة. الموسى النعيم