على مساحة صغيرة بالنسبة للمساحة الكلية لجامعة أوهايو الحكومية في مدينة كولومبوس ، يتمدد على مقربة من الشارع المسمى (هاي ستريت) مركز ويكسنر للفنون ، معلنا حضوره في المكان بمعماره ما بعد الحداثي وسط هارمونية معمارية كلاسيكية سرعان ما تألفها العين ، وقد لا تمكث في الذاكرة طول مكوثه . وربما لفت الانتباه والبقاء في الذاكرة كانا من أسباب تشييده على هذا الطراز المعماري. مسألة اختيار تصميمه ليست بالموضوع الهام هنا ، فالحقيقة أن بقاءه في الذاكرة ، ذاكرتي على الأقل، لا أعزوه إلى ما بعد حداثية تصميمه واختلافه الذي لا تخطئه العين عن البنايات الأخرى ، إنما إلى ذلك الجو الجميل والدافئ الصاخب دائما بالفعاليات والمناشط الثقافية طيلة العام. لماذا أكتب عن مركز في جامعة أمريكية كنت فيها ذات حين؟ هل هي "النوستالجيا" ؟؟ الحنين إلى سنوات كنت خلالها أصغر سنا وأكثر تفاؤلا ، أم محاولة استرجاع لتأكيد توطنه في الذاكرة وتحصينه ضد النسيان للألفة التي كانت تربطني به . ربما هذه الكتابة غير خالية من الانشداد "النوستالجي" لتلك الأيام الهاربة، مجرد حلقة من سلسلة استرجاعات للحظات وسويعات ماتعة ومثرية كما يحدث مع أي إنسان آخر. لكن ربما ينكشف في الآتي من سطور ما قد يكون السبب الفعلي لفتح هذا المكمن الصغير الذي يشغله مركز "ويكسنر" في ذاكرتي ، أو لانفتاحه دون إرادة مني . هل بمقدورنا فرض الإرادة على الذاكرة دائما؟ مركز ويكسنر للفنون (ويكسنر سنتر) هذا الذي أبدو وكأني أفرضه على القراء مستغلا موقعي رئيسا للقسم الثقافي هو هدية ويكسنر، أحد أثرياء الولاية للجامعة. ولم يقطع "ويكسنر" علاقته بالمركز بعد انتهاء بنائه، وليس اسمه الذي منحه للمركز العلامة الوحيدة على علاقته به، فزوجته "ليزلي ه" . "ويكسنر" تترأس مجلس أوصياء مؤسسة مركز "ويكسنر" الشريك غير الربحي لجامعة "أوهايو" الحكومية . ويعتمد المركز في تمويل برامجه على التبرعات من الأفراد والمؤسسات والبنوك!! لا أبالغ أن قلت أن ما ينظمه هذا المركز المتميز على مستوى الولاياتالمتحدة من فعاليات ومناشط تتفوق كميا ونوعيا وتنوعا على تلك التي تنظمها المؤسسات الثقافية الرسمية لدينا والجامعات والصالونات والمنتديات ، إضافة الى ما ينظم في دول الجوار ويمكن إضافة ما ينظم في غيرها. وتشمل قائمة فعالياته المعارض الفنية التشكيلية والنحت والكونسيرتات والعروض المسرحية وعرض أفلام الإنتاج الخاص أو المستقلة(independent films ) وغير المستقلة والأفلام الوثائقية والمحاضرات وبرامج الفنانين والأدباء الزائرين والناشطين . و تتوج الفعاليات بمهرجان فيلم ينفتح على صناعة الفيلم في كل أنحاء العالم ، مهرجان "كان" صغير يرعاه كل صيف. طفا ذلك المركز البعيد الآن إلى سطح الذاكرة وشق طريقه إلى الورقة ونحن نعد استطلاع اليوم عن الصالونات والمنتديات الثقافية الخاصة. فأحببت أن أضع كتابتي عنه قريبا من الاستطلاع لعل أن يظهر السبب الذي أيقظه في الذاكرة!!