لم يكتف المقرر الأممي الخاص حول الأراضي الفلسطينية بوصف عمليات قتل المدنيين وهدم المنازل في رفح ب(جرائم حرب)، بل طالب أيضا باتخاذ خطوات عملية ضد إسرائيل.ومن بين الإجراءات التي اقترحها السيد جون دوجارد "فرض حظر على بيع الأسلحة شبيه بالحظر الذي فُرض على جنوب إفريقيا في عام 1977". لقد تطلب الأمر أن تكون عدسات الكاميرات شاهدة على ما وصفه عدد كبير من المراقبين ب"المجزرة" التي تعرض لها المتظاهرون الفلسطينيون يوم الأربعاء في رفح، لكي يجرؤ القادة والمسئولون الأمميون على الذهاب إلى أبعد من التصريحات المعتادة كلما ارتكبت إسرائيل انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني.وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان قد اكتفى "بتذكير إسرائيل مرة أخرى بالتزاماتها تجاه المدنيين وعدم اتخاذ إجراءات أمنية إلا في حدود ما يسمح به القانون الدولي" -في الوقت الذي عبرت فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها عن "إدانة هجمات متعمدة تستهدف المدنيين"- فإن المقرر الخاص حول وضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة جون دوجارد، ذهب لأول مرة بالنسبة لمسئول أممي إلى حد وصف ما ارتكبته إسرائيل في رفح ب"جرائم حرب". شدد السيد دوجارد في بيان له على "أن هذه العمليات تمثل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي وتُعتبر جرائم حرب وفقا للمادة 147 من معاهدة جنيف التي تحمي المدنيين في فترات الحرب".وحينما تبرر إسرائيل تنفيذ مثل هذه العمليات بمتطلبات أمنية محضة، يرد المقرر الخاص بالقول: "إنه من المستحيل قبول التعليلات الإسرائيلية القائلة ان تلك العمليات تبررها الضرورات العسكرية". ويرى دوجارد أن ما قامت به إسرائيل يعتبر وفقا للمادة 147 من معاهدة جنيف الرابعة "عملا مُتعمدا تم القيام به خارج نطاق القانون". لاجئو غزة: إلى أين المفر؟ وإذا كان ياسر عرفات قد طالب للمرة الألف بتدخل دولي، فإن المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان هي الأخرى تدعو الدول الفاعلة في المجموعة الدولية وفي مجلس الأمن لتحمل مسئولياتها. و ناشدت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان المجموعة الدولية من أجل "التدخل العاجل" لوقف ما وصفته منذ مدة "بجرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في حق المدنيين الفلسطينيين". وفي تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية قبل مجازر رفح، تطرقت المنظمة الإنسانية إلى سياسة هدم المنازل التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي المحتلة عموما، وفي قطاع غزة بالخصوص، موضحة استنادا إلى تقارير الأممالمتحدة بأنه تم خلال السنوات الثلاث الماضية "هدم 2000 منزل، وتحطيم 10% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، بينما تم بناء 90% من مخطط الجدار العازل في الأراضي المحتلة، وهدم حوالي 600 منزل في الضفة الغربية". وما يزيد من تعقيد وضع سكان قطاع غزة، الذي يوصف بالسجن المفتوح، "عدم وجود مكان يمكنهم من اللجوء إليه" حسب تقييم مدير وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونورا. وحذر بيتر هانسن من أن "اللاجئ الذي تنقل من مكان لآخر عدة مرات في قطاع غزة لن يجد أمامه مأوى يمكنه اللجوء إليه". ماذا بعد الجرأة الكلامية؟ بعد التحول من تدمير البيوت الى تدمير العباد بتبريرات يتفق الكثيرون على اعتبارها غير مقبولة، وجدت عدة جهات نفسها مرغمة على الخروج عن تصريحاتها المعتادة لتتخذ مواقف أكثر جرأة. فقد عبر وزير الخارجية الأيرلندي بريان كون، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، عن إدانته "للاحتقار غير المسئول تجاه الحياة البشرية" الذي أبدته القوات الإسرائيلية في عمليات رفح. وقال المسئول الأوروبي في بيانه إن "قتل الأطفال لا يخدم أية قضية مشروعة"، مُذكرا إسرائيل بمسئوليتها كقوة محتلة وفقا لمعاهدات جنيف. وحتى الرئيس الأمريكي المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، وجد نفسه مضطرا لدعوة إسرائيل "لاحترام الأرواح البريئة" دون الذهاب الى حد إدانة ما قامت به القوات الإسرائيلية في رفح. الإدارة الأمريكية المُتهمة بارتكاب انتهاكات في حق المدنيين العراقيين في سجن ابو غريب، والمُطالَبة بتوضيح انتهاك حقوق المدنيين في منطقة القائم على الحدود السورية العراقية، لا شك في أنها فضلت عدم التمادي في استفزاز شعور الشعوب العربية، حيث امتنعت عن استعمال حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الذي أدان "المجازر التي ارتكبت في رفح"، والذي عبر عن "القلق الكبير بخصوص هدم المنازل وبخصوص الوضع الإنساني في الأراضي المحتلة". وكان المقرر الخاص حول الأراضي المحتلة جون دوجارد قد ذكر في بيانه حول أحداث رفح بأن "تصرف بعض البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تستعمل حق الفيتو كلما تم التطرق الى موضوع إسرائيل، يُذكر بالمواقف التي كانت تُتخذ تجاه جنوب إفريقيا قبل نهاية نظام التمييز العنصري ودعا المقرر الخاص الدول الدائمة العضوية الى "عدم السماح لمتطلبات السياسة الداخلية بتعريض التزاماتها الدولية للخطر"، في إشارة الى وضع الرئيس الأمريكي جورج بوش. كما طالب المقرر الخاص المجموعة الدولية، وبالأخص الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ولأول مرة باتخاذ خطوات عملية ضد إسرائيل، مقترحا "فرض حظر على بيع الأسلحة شبيه بالحظر الذىفرض على جنوب إفريقيا في عام 1977". ولئن كانت هذه المواقف مجرد تنديد كلامي يصعب تحويله إلى مواقف ملموسة على أرض الواقع في المستقبل القريب، فإنها تمثل لا محالة تحولا في سياسة الصمت المطبقة منذ مدة تجاه انتهاكات إسرائيل. @@ زود دويتشه تسايتونج