استطاع المنتدى الثقافي المسرحي بجمعية الثقافة والفنون بالدمام تجاوز المشكلة التي وقع فيها مساء الاثنين الماضي بغياب مقدم الورقة الرئيسي الكاتب المسرحي عبد العزيز عسيري والورقة المساندة لفهد رده الحارثي، حيث قام عباس الحايك بقراءة ورقة العسيري فيما قدم الحارثي مداخلته عبر الهاتف. وانصب الحوار في الأمسية على التجريب في المسرح السعودي آفاقه ومستقبله، حيث جاءت الورقة بعنوان (آفاق التجريب المسرحي - تجربة المملكة العربية السعودية) من خلال فرقة الطائف المسرحية، التي أجمع الحضور على تميزها وأسبقيتها في التفوق والحضور في المشهد المحلي وربما العربي. تخبط مسرحي وقال العسيري في ورقته إن المسرح التجريبي أحال مسرحنا المحلي إلى حالة من التخبط وأوصله إلى التأزم في ظل الفهم الخاطئ للتجريب المسرحي، والانبهار بالتجارب المسرحية الأخرى والسعي الدؤوب للمشاركة في المهرجانات الدولية خاصة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ماعدا فئة قليلة استوعبت ما يحدث حولها. ويضيف العسيري قائلاً: لا يمكن تجاهل الظروف المحيطة بالحركة المسرحية التي ساهمت في اختلال المفاهيم وضبابية الرؤية والتي بسببها مازال مسرحنا في مرحلة الكائن وعاجزاً عن بلوغ مرحلة الممكن. مفاهيم خاطئة وعبر هذه المقدمة يتحدث العسيري عن الفهم الخاطئ وهو ما عده النموذج الأول في بحثه حيث يقول: اعتقد البعض أن إلغاء الستارة والابتعاد عن شكل المسرح التقليدي من معمار العلبة الإيطالية وفصوله المتعددة وشخصياته النمطية يعد تجريباً. هذه حقيقة كانت ماثلة ومجسدة في نموذجها الأكثر وضوحاً وهي العروض المسرحية التي قدمها فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة في الفترة التي شهدت أعمال المخرجين عثمان حمد وعبد الإله العوضي وعبد الله النفيعي... ولم تكن العروض التي يقدمها مكتب رعاية الشباب بجدة بعيدة عن هذا النمط والتفكير. ويعدد العسيري مجموعة من المسرحيات مبتدئاً بمرحلة العروض المسرحية التي قدمت وفق منهج المدارس المسرحية العالمية مثل مسرحية (العودة والهشيم) وانتهاء بمسرحية (حكاية بيت)، ثم ينتقل إلى مسرحية (السيمفونية) مصنفاً إياها من المسرح الفقير مع الاعتماد على ألعاب قديمة مثل اتصال الممثلين بالجمهور واستخدام عازف على آلة الكمان. ثم ينتقل للنموذج الثاني ويصفه بالعروض الطارئة حيث يقول: يتجلى هذا النموذج في تجارب المركز الرئيسي لجمعية الثقافة والفنون بالرياض حيث كان الهاجس المسيطر هو المشاركات في المهرجانات الدولية فكان يتم إعداد مسرحيات تتوافق مع كراسة شروط المهرجان. لكنه يعود ويقول: بعدما انحسرت موجة الرغبة في السفر إلى تلك المهرجانات كتونس ومصر عادت العروض التقليدية إلى وضعها الطبيعي، ويؤكد قائلاً: لا تجريب مع الأشياء الطارئة. مأزق النظرية أما المنهج الثالث فيسميه مأزق النظرية ويتحدث عن استديو الممثل الذي كان عنواناً هاماً ومدهشاً في الحركة المسرحية المحلية ولعله مازال يؤثر كثيراً في العروض المسرحية التي ينتجها فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. ويضيف العسيري قائلاً: هذا الاستخدام للمسرح نقل مأزق النظرية الأدبية إلى الفعل المسرحي لذا كان يغلب على هذه الأعمال مسحة الاستحياء فهي واقفة على تخوم التجريب لكن انشغالها بمأزق التنظير لم يتح لها فرصة الإقدام والاقتحام. مدارس متعددة وبالنسبة للنموذج الرابع.. حضور السينوغرافيا فقد تحدث عن ورشة العمل المسرحي بالطائف التي تأسست عام 1993م والتي قدمت العديد من الأعمال ابتداء من (النبع) و(البابور) وهي تنتقل من مدرسة إلى أخرى إلى أن وصلت إلى مسرحية (البروفة الأخيرة) عام 98م والتي أعتبرها بداية مغامرة الورشة مع السينوغرافيا جدياً والاقتراب من التجريب المسرحي فكان استخدام فكرة الديكور المتنامي حيث يبدأ العرض بخلفية خالية ومع استمراره تبدأ قصاصات الورق التي قصت على أشكال الحاجات اليومية للإنسان تأخذ مكانها في الخلفية. ويعتقد العسيري أن ورشة الطائف ترى أن الصورة هي الحقيقية وما عداها زيف، ومع ذلك وحسب كل التجار الذين قدمتهم الورشة فهي ما زالت على تخوم التجريب ولكنها في نفس الوقت أكثر قرباً من الآخرين. رصد تاريخي وقدم معتز العبد الله ورقة كانت أقرب إلى الرصد التاريخي منها إلى التحدث عن تجربة بعينها، حيث قال في بداية ورقته إذا كنا نتحدث عن المسرحي التجريبي في الدمام فلا بد أن نسلط الضوء على أبرز الأعمال المسرحية التي نحت منحى التجريب فكانت باكورة الإنتاجات من المخرج جمال قاسم ومسرحيته (اللاعبون) عام 1412ه عن نص هاملت، ويعدد العبد الله التجارب مبتدئاً ب(تراجيع) لمحمد العثيم و(الملقن) لأحمد الملا مروراً ب(شقة السلام) لأحمد الدبيخي وانتهاء ب(العناية المركزة) لعبدالعزيز العطا الله وإخراج هشام الأفندي والتي قدمت عام 1424ه. ويضيف العبد الله أنه منذ أول تجربة إلى الوقت الحالي فإن تجربة فرع الدمام في المسرح التجريبي ومنذ أن أنشأ إلى الآن (27 سنة) من العطاءات فمن الملاحظ أن كل ما قدم من الأعمال المسرحية لا يتعدى البحث والتجريب في معظم مفردات العمل المسرحي ومن كل واحدة من هذه المفردات الفنية تنبثق منها تفاصيل دقيقة للخوض والبحث والتجريب ونجد أنفسنا ننقاد إلى أن الرؤية المقدمة لمفردات العمل المسرحي هي فروق فردية تتفاوت من شخص إلى آخر وقد تكون فروقات بسبب الإمكانات. هل هناك قواعد للتجريب؟ ويتساءل العبد الله قائلاً: هل المسرح التجريبي له قواعد علمية يستند عليها؟ ويجيب بأنه إذا ما افترضنا أن الإجابة بنعم لم يصبح هناك بحث وتجريب في العمل المسرحي، وإذا قلنا لا، فإن البحث والتجريب مازالا قائمين إلى حين وضع تلك القواعد، وهذا التصور يقود إلى القول أنه لا يوجد نقد لهذا النوع من المسرح بل توجد انطباعات ورؤى للعمل المسرحي. وقبل أن يختتم العبد الله ورقته قال إن الرؤى وآفاق التجريب في المسرح السعودي إذا ما سارت على خطى وثابة ذات إيقاع ثابت في ظل جو صحي وبمساندة الإمكانات المتعدد وبتقليل العقبات وبتضافر الجهود سيحقق نجاحات في هذا المجال. أول مسرحية في التجريب وأولى المداخلات جاءت من الفنان إبراهيم السويلم حيث قال إن أول تجربة في المسرح قدمت في جمعية الثقافة والفنون هي مسرحية (ليلة العيد) للمخرج مصطفى عبد الخالق، مشيراً إلى أن الورقة التي قدمها العبد الله ناقصة من هذا الجانب حيث انها لم تستقص التجارب بدقة. وفي معرض شهادته عن التجريب قال السويلم لم يكن التجريب في ذلك الوقت (نهاية التسعينات الهجرية) قد أخذ المنحى المطلوب، فلم يكن منتشراً بين المسرحيين أو الفرق المسرحية وربما كان في الجامعات. لقد تعرفنا على التجريب عام 1396ه في تونس عندما كنا نحضر أحد المهرجانات المسرحية.. ومن خلال معايشتنا الكثير من التجارب إلا أن الجمهور مازال بعيداً عن تلك التجارب وغير مستوعب التجريب، قد يختلف الأمر بالنسبة للجمهور المثقف أو المهتم، وقد يكون كذلك بالنسبة للمجتمعات العربية الأخرى بسبب ارتباطها بالمسرح واحتكاكها بتجاربه أما في مجتمعنا فمازال الأمر صعباً وغير واضح في هذا الجانب. الالتباس في المفاهيم وفي مداخلته أشار عبدالعزيز السماعيل إلى أن البحث في التجريب ليس سبباً رئيسياً في إبعاد الجمهور عن المسرح، مضيفاً إن ثقافتنا في الوطن العربي عموماً يشوبها نوع من الالتباس في كثير من المفاهيم ولعل التجريب احدها.. وقال السماعيل إن هناك عروضاً مسرحية كثيرة على امتداد الوطن العربي ولكن أغلبها لا تقدم مضموناً جيداً وفي المقابل لا نشاهد إلا عروضاً هابطة تسعى للإضحاك فقط، مشدداً على أهمية أن يكون المسرح جاداً ومميزاً سواء للجمهور أو من ناحية المفاهيم، مشيراً إلى أن الجمعية تحاول أن تقدم مسرحيات جادة ومميزة وفي نفس الوقت تصل إلى الجمهور مستشهداً بمسرحية (الملقن). تجربة الأحساء غير منفصلة وفي مداخلته الهاتفية قال إبراهيم الحساوي(فنان) متحدثاً عن تجربة الأحساء وقال إنها تجربة غير منفصلة عن التجارب الأخرى فما زالت تجاهد لتكون متميزة، وأشار إلى أن آخر المشاركات كانت في الأردن والكويت واصفاً إياها بأنها تبشر بخير.وقال الحساوي إن التجريب في المملكة يتعثر فمرة ينهض ومرة أخرى يكبو وذلك لأسباب كثيرة منها أن روح الفريق الواحد غير متوافرة دائماً، وضرب مثالاً على فرع الدمام وقال إنه قبل فترة كان يعمل بشكل فريق واحد إلا أن هذا الفريق الآن غير موجود، وباستثناء الطائف فأغلب الفرق تمر بنفس الإشكالية. وتساءل عباس الحايك قائلاً: كيف يمكن للمسرح التجريبي السعودي أن ينجز في الوقت الذي نرى أن المسرح غائب عن المشهد الثقافي، وقال الحساوي ان هذا التساؤل مشروع ففي ظل غيابه عن المشهد الثقافي إجمالاً لا يمكنه التحرك والنهوض،ولعل الفردية في التجارب سبب كافٍ لهذا الأمر، حيث ان أغلب التجارب ترجع لجهود فردية من أناس عشقوا المسرح فوهبوا أعمارهم له. التجريب ليس هدفاً وتحدث الكاتب والمخرج المسرحي فهد رده الحارثي في ورقته عبر الهاتف عن (تجربة التجريب في ورشة الطائف المسرحية) وتساءل في بدايتها: هل كنا بالفعل نسعى للتجريب؟ وهل كنا نبحث عنه؟ وهل كان هو هدفنا الذي نسعى لتحقيقه؟ ويجيب قائلاً: ذلك ما فكرت فيه عندما طرأ على تقديم مداخلة حول آفاق التجريب المسرحي، ويبدأ قائلاً: من واقع تجربة ورشة العمل المسرحي بالطائف أجدني أمام إجابة الأسئلة التي سبقت طرحها.. ويضيف قائلاً: في تجربة الورشة المسرحية بالطائف وأنا أدعي أني أكثر الناس وعياً بها.. لم نكن نسعى للتجريب كهدف.. كنا نسعى نحو المسرح والمسرح فقط.. مشهد مسرحي مختلف لا ننكر أننا سعينا بجد وبحث وعمل متواصل إلى تقديم مشهد مسرحي مختلف عما هو سائد.. عملنا في جميع أو أغلب مدارس المسرح وقدمنا المسرح الملحمي والعبثي والتسجيلي.. مسرح الدهشة، المسرح الفقير وحاولنا الخوض في تجارب لمسرح الحكواتي والاحتفالي.. وخلطنا هذه المدارس ومارسنا ما نعرفه عنها بوعي.. وصولاً إلى خصوصية تميز أعمالنا.. كما ركزنا على عدة قضايا كانت وقودنا للعطاء المستمر منذ عام 1413ه وحتى الآن. وتحدث الحارثي عن الوقود الذي يعنيه قائلا: المسرح وعي ودون وعي بما تعمل يصبح عملك غير مبرر. المسرح ثقافة ودون ثقافة تصبح العملية مبتورة وغير صادقة. المسرح بحاجة للتنامي في التجربة وبالتالي استقرار واستمرار العاملين به. مسرح الخبرة يأتي من خبرة المسرح والخوض في تجارب متنوعة. العمل الجماعي لدينا يقتضي مشاركة جماعية في كل التفاصيل الفنية والإدارية. وبعد هذا العرض قال إننا في ورشة الطائف المسرحية لم نصل للمرحلة التي نتحدث فيها عن التجريب إلا في جزئيات فنية في الأعمال الأخيرة لنا. نقاط مهمة ويعرض قبل نهاية ورقته بعض الأمور التي عدها الحارثي نقاطا حاول مسرح الطائف التجريب فيها ومنها: * استخدام الإضاءة بشكل مبتكر في مسرحية (رحلة ما قبل المئة). * استخدام الصوتيات في مسرحية (الوابور). * استخدام الإضاءة الجرافيك والحوار المكتوب بدلا من المنطوق في مسرحية المحتكر. * استخدام الصورة التشكيلية البصرية في مسرحية (عصف). مقولات خاطئة وعن مقولات في التجريب اختتم الحارثي ورقته قائلاً إن البعض يخلط في اعتبار كل ما هو غير تقليدي ويعتبره تجريبيا رغم أنه ينتمي لمدرسة مسرحية معروفة وقديمة في بعض الأحيان، والبعض يقدم عملاً ملحمياً ويدعي أنه تجريب والبعض يقدم عبثاً ويدعي أنه تجريب والبعض لا يقدم شيئاً ويعتبره تجريبا، وتلك نقطة ينبغي الوقوف عندها طويلاً فإذا كان من يدعي وصلاً بليلى لا يعرف عنها شيئاً فما بالنا بمن لا يعرف عن ليلى من الأساس شيئاً؟! تحايل على الإمكانيات وتساءل معتز العبد الله: هل التجريب تحايل على الإمكانيات،وأجاب الحارثي إن التحايل موجود نظراً لفقر الإمكانيات، واستدرك قائلاً: قد ينتج عن هذا التحايل تجربة دون أن يكون هدفاً. أما عباس الحايك فقد تساءل عن مأزق المسرح السعودي وتورطه في متاهات المصطلح؟ وبدوره أجاب الحارثي بورطة أخرى حيث قال نحن متورطون في المسرح من الأصل، فالأوضاع في المسرح رديئة للغاية سواء بحثنا عن مصطلح التجريب أم لم نبحث. وأضاف الحارثي إن المأزق كبير بالفعل فالعاملون في هذا المجال أغلبهم بجهود فردية ورغم أن الوضع يزداد ظلاماً يوماً بعد يوم إلا أن هناك بقعة ضوء نحن نتحرك من خلالها. المربع الأول أما الفنان نضال أبو نواس فقد تحدث عن التجريب بشكل عفوي وقال: كل تجربة تقدم حالة إنسانية هي تجريب. راشد الورثان قال إن التجربة التي ألقيت غير مقنعة، فحتى الآن لم نشاهد شيئاً واضحاً والكلام عائم، فلا توجد كلمة توضح مفهوم التجريب. وهو الأمر الذي دعا أثير السادة في ختام الأمسية إلى القول: مازلنا نعود للمربع الأول والسؤال عن معنى التجريب وكنا نعتقد أننا لن نسأل عن متى بدأ التجريب والمفروض أن نسأل إلى أين وصل. وأضاف السادة قائلاً إن محاولة إيجاد مفهوم نهائي لمسألة التجريب ليست ذات جدوى.. والتجريب في معناه لا يحمل الحقيقة، ومعني في سياق الممارسة كأن نقول: علينا أن نعود للتجربة المسرحية وماهي المراحل التي مر بها التجريب وما الذي تغير في الأصل حتى ندرك أننا هنا تحديداً عن الفعل التجريبي؟ واستدرك قائلاً: رغم ذلك فمن الضرورة الانطلاق في أي رؤية كضرورة منهجية في التجريب من خلال دائرة مفتوحة وأن لا ننغلق على رؤية معينة. ومن ناحية ثانية تحدث السادة عن علاقة المسرح بالجمهور.. وقال إن التجريب في أصله ليس هو الانشغال بالضرورة في تأسيس علاقة استقطاب عدد من الجمهور وكيف نروج لهذه السلعة؟ وبدلاً من ذلك ينقل السادة السؤال بطريقة أخرى وهو: كيف نؤسس لعلاقة أكثر تماسكاً بين متلق متخم ومشوش عن المسرح وبين مرسل يحاول توصيل رسالة راقية.. المتعة والضحك والقهقهات ليست ذائقة حقيقية ولذلك فليس هدفنا هذا النوع من الجمهور.. ومع أن الجمهور مسألة جوهرية لكن ليس بهذا المفهوم البسيط من العمل المسرحي، لأنه بهذه الطريقة لا يقدم سوى في صالة.. نحن الآن نبحث عمن يؤسس ذائقة فنية وجمهورا راقيا. جانب من الجمهور