جلس رجل أعمى على إحدى عتبات عمارة ووضع قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها (أنا أعمى أرجوكم ساعدوني) فمر رجل إعلانات بالأعمى ووقف ليرى أن قبعته لا تحوى سوى قروش قليلة فوضع المزيد فيها. ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب إعلانا آخر. عندما انتهى أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب بطريقه. وفى نفس ذلك اليوم مر رجل الإعلانات بالأعمى ولاحظ أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية. فعرف الأعمى الرجل من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة وماذا كتب عليها؟ فأجاب الرجل لاشيء غير الصدق.. فقط أعدت صياغتها، وابتسم وذهب. لم يعرف الأعمى ماذا كتب عليها، فاللوحة الجديدة كتب عليها (نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله). إذا سألتك أن توجه هذه الحكاية إلى من يستطيع أن يستوعبها ويستخلص ما فيها من عبرة ومن ثم يستفيد منها فإلى من توجهها؟ حكاية الأعمى تستطيع أن توجهها لكل إنسان يرى الدنيا بعيونه هو فقط، هذا الإنسان يتميز بالجمود والثبات المميت فهو لا يتفاعل مع الأحداث التي تدور في عالمه وعندما يلحظ التغيير قد يلحظ القشور أو المظهر ولكن لا يدرك المعنى، فهو يرى أن قمة التغيير في هذا العالم تظهر في تطور الاتصالات أو انتشار استخدام التكنولوجيا ولكن لا يستطيع إدراك المعنى الجديد الذي أفرزه هذا التطور وانعكاسه على شخصيته وأهدافه وطموحاته. تغيير الإنسان لاستراتيجيته يعنى أن يغير منهجه في الحياة. أن يصنع رسالة جديدة ويضع أهدافا تتغذى على معطيات الواقع الجديد، أن يصمم وسائل جديدة تعينه على تحقيق الأهداف الجديدة. أيضاً حكاية الأعمى تستطيع أن توجهها لكل مؤسسة تعمل في أي مجال وهى لا تدرك مستجدات العصر الحالي، تعمل وفق قواعد عتيقة لا تسمن ولا تغني من جوع. لا تعي المعطيات الجديدة للسوق الذي تعمل فيه، لا تستطيع أن تفرق بين الماضي والحاضر ولذلك فهي غير قادرة على مواجهة المستقبل، هذه المؤسسة قد تجد نفسها مضطرة لتغيير الكثير من استراتيجياتها.. استراتيجية التوظيف، استراتيجية التدريب، استراتيجية التسويق، استراتيجية المنافسة، استراتيجية الإدارة، أما إذا ظلت ترفع لوحة الإعلان الأولى التي وضعها الأعمى فلا تنتظر بقاءها. أخيرا حكاية الأعمى تستطيع أن توجهها إلى كل مجتمع منغلق على نفسه لا يدرك أن العالم قد تغير ولأن عليه أن يعد استراتيجيات جديدة للتعامل مع العالم الجديد وينمى قدرته على التكيف مع الأطروحات الحديثة التي يطرحها هذا العالم. إن تغيير الإنسان استراتيجيته لا يعنى أن يذوب هذا الإنسان في الآخرين ولكن يعنى أن ينمى قدرته على التأثير فيهم. وإن تغير المؤسسة استراتيجياتها لايعني أنها يجب أن تقلد مؤسسات أخرى ولكن يعنى أن تنمى قدراتها في مواجهة المنافسة والتميز على الآخرين. وإن تغيير المجتمع استراتيجيته لايعني أن ينصهر هذا المجتمع في بوتقة مجتمعات أخرى ولكن يعني أن يصبح هذا المجتمع مؤثراً وفعالاً في عالمه.. تغيير الاستراتيجية له معنى أساسي وواضح هو استثمار التغيير في تحقيق النجاح. * استاذ ادارة الأعمال والتسويق المساعد