ان استخدام اللغة العربية لغة للتدريس بمؤسسات التعليم العالي ظل مثار نقاش بين المختصين في هذه المؤسسات وسوق العمل,. فمن ناحية يرى بعض المختصين ان استيعاب الطالب للمادة العلمية باللغة العربية افضل, في حين يرى اصحاب العمل ان عدم إلمام الخريج باللغة الانجليزية لا يمكنه من اداء مهامه الوظيفية بالصورة المطلوبة. كما ان الخريجين انفسهم يرون ان عدم المامهم الجيد باللغة الانجليزية يشكل عائقا كبيرا امام توظفيهم في القطاع الخاص. وكثير من الدراسات الميدانية وكذلك معظم آراء ارباب العمل تتفق على اهمية اللغة الانجليزية بالنسبة لخريجي الكليات والجامعات. والنقاش في هذه المقالة يستمد ارضيته من اساس علمي صرف وان كان ذلك لا يمنع من ان نستعرض بايجاز ان المطالبة بتدريس العلوم باللغة الانجليزية لا تمس ولا تقلل من مكانة اللغة العربية التي نعتز بها جميعا كيف لا وهي لغة القرآن الكريم,. ودون استثناء نتمنى ان نصل باللغة العربية الى ان تكون لغة عالمية ولكي تصبح كذلك لابد ان تسيطر علومنا وثقافتنا على العالم وهذا الذي لم يحدث الى حينه. في العصور الوسطى عندما كانت اوروبا تغط في سبات عميق كانت اللغة العربية هي سيدة الموقف وكان الاوروبيون ينهلون من علومنا ويترجمونها ويتعلمون اللغة العربية وينشرونها بين كافة طبقاتهم من اجل كسب العلوم التي تميز بها العرب والمسلمون في ذلك الوقت. لم تكابر اوروبا بكافة فئاتها في ان تتعلم اللغة العربية وتعلم ابناءها والى حينه وفي هذا العصر الذي يمتلكون مفاتيح معرفته تنتشر آلاف المعاهد والمراكز التي تهتم باللغة العربية وثقافتها بشكل قد يفوق اهتماماتنا. وعلى اية حال, اللغة الانجليزية بلا منازع هي لغة العلم والعصر والاتصال ونقل الثقافات بين دول العالم اجمعه ورفض البعض التعايش مع هذا الواقع بمعطياته يعتبر مخالفا له بل وهروبا من مواجهته مؤديا الى الانغلاق الثقافي والاجتماعي للمجتمعات التي ترفض التعامل مع هكذا واقع. ان النسبة الكبرى ان لم يكن كافة منشآت القطاع الخاص التي تمثل الاوعية الرئيسية لتوظيف الخريجين تتعامل باللغة الانجليزية التي لا تستطيع ان تتخلى عنها كيف وتجهيزاتها ومعداتها وخطوط انتاجها تتعامل مع هذه اللغة ولو اخذنا اكبر الشركات في المملكة او حتى دول العالم العربي نجد ان لغتها الاساسية هي اللغة الانجليزية وقد تتغير هذه اللغة الى الالمانية او الفرنسية او اليابانية ونتمنى ان تكون العربية وهذا يعود بالطبع لسيادة هذه الامة او تلك وسيطرتها على العلوم بكافة مجالاتها فلا نكابر فالدول المنتجة للمعرفة هي الدول الناطقة باللغة الانجليزية ولذلك سادت هذه اللغة واصحبت لغة العلم والعصر وليس هناك ما يمنع شرعا او منطقا ان نعلم ابناءنا كافة اللغات حتى نتعامل مع ثقافتها وننهل من علومها ما نفيد به امتنا ومجتمعاتنا. لاشك ان احد الاهداف الرئيسية من انشاء الكليات والجامعات بالمملكة هو اعداد الشباب المؤهل تأهيلا علميا للمساهمة بالعمل في القطاعات المختلفة. وقد ورد ذلك في الاسس التي قامت عليها. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لابد ان تتوافق مخرجات هذه المؤسسات التعليمية مع متطلبات القطاعات المختلفة. وهذه من اهم السياسات التي تعمل على تحقيقها كافة المؤسسات التعليمية سواء في داخل المملكة او حتى خارجها. لقد انبرت نتائج ميدانية تؤكد على اهمية متطلبات القطاع الخاص وركيزتها ضرورة إلمام مخرجات التعليم باللغة الانجليزية بل ان احد العوائق الرئيسية التي تعيق توظيف هؤلاء الخريجين هو عدم المامهم باللغة الانجليزية. ان لغة التدريس الرئيسية في الكثير من مؤسسات التعليم العالي هي اللغة العربية, في حين ان معظم محتوى المقررات الدراسية تم اعدادها وبناؤها من مراجع اجنبية لافتقار المكتبة العربية للمراجع العلمية الصرفة. كما ان بناء الخطط الدراسية الحالية في هذه المؤسسات التعليمية تم على اساس وضع الاهداف العامة والخاصة لكل مقرر ومن ثم الموضوعات التي يجب ان يشتمل عليها هذا المقرر ولان هذه المواضيع مستمدة من مراجع اجنبية، يجد اساتذة المقررات صعوبة بالغة عند اقرار كتب دراسية باللغة العربية او حتى اعداد مذكرات دراسية على اقل تقدير. لقد اجرى الكاتب مسحا ميدانيا في وقت سابق عن عوائق توظيف الخريجين, وضمنها الكشف عن متطلبات القطاع الخاص من هؤلاء الخريجين. ولقد اثبتت نتائج الدراسة المذكورة ان غالبية المنشآت في القطاع الخاص اجمعوا على ان عامل الالمام باللغة الانجليزية يعد عائقا رئيسيا في توظيف الخريجين من وجهة نظر ارباب العمل. ولكي تكتمل الصورة يرى الخريجون من الذين على رأس العمل ان اللغة الانجليزية تكاد تكون هي العائق الرئيسي في عملية التوظيف اضافة الى انها عائق في تطوير أدائهم على رأس العمل كون الدورات التدريبية تنفذ باللغة الانجليزية. ويأتي ذلك نتيجة لاستخدام اللغة الانجليزية كلغة رئيسية في معظم مؤسسات القطاع الخاص سواء كانت الكبيرة او الصغيرة, اضافة الى ان معظم ان لم يكن جميع الدورات التدريبية التي تقدمها مؤسسات التدريب تقدم اللغة الانجليزية. يحدث ذلك في الوقت الذي نرى فيه الكثير من المقومات المتوافرة لدى مؤسسات التعليم العالي والتي تؤهلها بسهولة للتدريس بلغة العصر ودفع عمليات توظيف الخريجين نحو مؤسسات سوق العمل بدلا من الاصرار على التدريس باللغة العربية ومن ثم العمل على تأهيلهم لغويا. مفارقات غريبة يعجز المتخصص عن ايجاد تفسيرات معينة لها. ففي الوقت الذي يترجم فيه اهتمام وزارة التربية والتعليم الى ضرورة تعليم النشء اللغة الانجليزية من المرحلة الابتدائية ليتمكنوا من الدخول في ارهاصات العولمة القادمة وايضا لحماية انفسهم من كل شرور واردة نجد في المقابل مؤسسات تعليمية عليا تلغي مناهجها باللغة الانجليزية الى اللغة العربية معاكسة بذلك كل الاتجاهات والتوجهات. ولكن كيف نشرع بالبدء في ذلك دون استحياء على انه على حساب اللغة اليومية وغيرها من الاسباب التي قد لا تمثل الا آراء مطلقيها لاسباب منها تمسكهم بما يعرفونه ومقاومة كل تغير جديد حتى لا يتقلص دورهم. فاستاذ الجامعة الذي لا يستطيع التدريس باللغة الانجليزية قد يجد صعوبة مع الوضع الجديد وستكون فرصه محدودة بمحدودية التخصصات التي يجب ان تدرس باللغة العربية ومن هنا تولدت مقاومة التغيير. استنباط: ان تقدم الامم ليقاس بنتاجها المعرفي