كأني بمشهد جنين وغزة والضفة وكل الحدث الفلسطيني يتجدد ولكن في العراق ليثبت حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي ان الاحتلال وجهان لعملة واحدة لم تكن البداية سوى مطالبة الاحتلال بوعد الحرية الذي ملأ رنينه اسماع العالم في ذلك المشهد سقط القناع فلا يمكن ان تتحول قوات الاحتلال الى قوات تحرير ولا يمكن لمن يملك القيود ان يبيع الحرية. لقد كانوا يستفزون الشعب العراقي في انسانيته بكل تفاصيلها وبما تحمل من كرامة ومن حقوق لكن هذا الشعب تمادى كثيرا في رأي الحاكم المدني بول بريمر عندما شاء ان يقول كلمته وينتصر لانسانيته فهكذا تقول الشعوب كلمتها عندما تمتحن ارادتها، ربما ارادوا ان يبدأوا حربهم الجديدة على الارهاب، ارهاب حرية لم يصنعوها بأيديهم. لذلك حين البحث عن مدلول ما حدث فانه لا يمكن ان يفسر الا في اطار تصادم المصالح وضيق الخيارات ما بين الشعب العراقي والمشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير الذي بدأ يتهاوى قبل ان يبدأ في حال اصرت الولاياتالمتحدة على المخاطرة بمصالحها القومية في سبيل مصلحة اشخاص يحملون ايديولوجياتهم واطماعهم لتسويقها في ساحة صراع احد اطرافه لم يعد كبش المحرقة المعهود بل اصبح الاسد الجريح المتأهب للانقضاض على اسريه فاذا كانت البداية اسبوعا صعبا بالنسبة للامريكيين من المواجهة مع الشعب العراقي كما صرح باول بذلك فان الايام القادمة ستكون اكثر صعوبة اذا لم يستطع الامريكيون قراءة الحدث وساحته جيدا. بل ان العد العكسي يبدأ حين يقرر الامريكيون الرد بشكل دموي واستخدام القوة وسياسة العقاب الجماعي دون ان يحسبوا حساباتهم الاستراتيجية فضلا عن العسكرية، فاذا كانت القوة متاحة والتفوق العسكري والهيمنة على الضمير العالمي الذي بات صمته سيد الموقف فان هذا لا يعني ان المعركة محسومة سلفا لصالح المحتل فما وعده او ووعيده الا سيف ذو حدين، ولعل هذا يذكر الشعوب دائما بان الحرية تؤخذ ولا تعطى.